كانت زوجتي، التي دعست في بطن الخمسين، تقلب بين يديها (كاتالوغ) لإحدى شركات الملبوسات النسائية، فجأة شهقت، وجحظت عيناها، ورجفت شفتاها، حتى خطر على بال ابني أن يطلب سيارة الإسعاف، وهي متوفرة في مونتريال، وليس الأمر كما في سوريا، ولكنها أشارت إلينا بيدها قائلة، في الوقت الذي كانت ما تزال عيناها مثبتة على صورة ما في (الكتالوغ)، إن كل شيء بخير.
عاد كل منا إلى اهتماماته، أنا على (الفيسبوك)، ابني يرسل رسالة نصية إلى صديقته الحميلة التي كنت أحسده عليها ضمنياً، ولكن لا يليق بي كأب ورب أسرة محترم أن أظهر غيرتي من ابني، وخاصة في مجال النساء، فكنت أخفي هذه الغيرة والحسد بتقديم النصائح له عن عدم تضييع وقته في أمور تافهة مثل الاهتمام بالجميلات والكتابة إليهن، مما دفع بزوجتي، أثناء إحدى محاضراتي الأخلاقية، إلى الانفجار بوجهي قائلة: من يسمع كلامك يعتقد أن زوجتك بشعة، وغير رشيقة، ولا تهتم بالجمال ...وقد بذلت جهداً كاذباً كي أجعلها تصمت.
بعد قليل، ابتسمت ابتسامة ساحرة، ذكرتني بأيام العشق الأولى عندما تعرفت عليها في بيروت قبل ثلاثين عاماً، فقد كانت الابتسامة لا تفارق شفتيها مع لمعان غريب في العينين يوحي بألف شيء وشيء، مستغرباً فيما بعد، كيف حلت القسوة والجفاف محلهم، وقالت لي: تعال انظر إلى هذا الفستان الجميل، كم سيكون رائعاً عندما ألبسه؟ اقتربت منها مضطراً، لأنني كنت أكتب كلاماً جميلاً لصديقة افتراضية على (الفيسبوك)، وقد أزعجني طلبها، ولكن في الوقت نفسه لا أستطيع الرفض، ونظرت في (الكتالوغ) لأرى فستاناً خلاباً، ترتديه صبية في غاية الجمال، وقد سمح الفستان للمشاهدات برؤية تفاصيل الجسد الأنثوي ورشاقته المثالية وجماله العظيم، قالت لي زوجتي: أليس جميلاً؟ قلت لها: الحقيقة إنه (بيعقد) من كتر جماله. ولما كانت لا تثق بما اقوله، فقد استشارت بعد ذلك ابننا الذي أبدى إعجابه بجمال الفتاة، ولم يهتم بالفستان، مما أزعج والدته، فصرفته سريعاً.
بعد هذه الواقعة بأسبوع، سمعنا صراخاً وشتائم تصدر من غرفة النوم، فذهبت أستطلع الامر، واذا بزوجتي تحاول أن ترتدي الفستان الذي رأته في (الكتالوغ). كان الفستان صغيراً على جسدها العبل والمليء بالشحوم، ولا يمت بصلة للصورة التي رأيناها. قالت: انظر إلى هؤلاء الغشاشين، النصابين، قليلي الضمير الذين باعوني فستاناً شنيعاً مثل هذا بثلاثمائة دولار. أنا متأكدة أنهم غشوني واستبدلوا ذلك الفستان الجميل بهذا الفستان السيء التفصيل والنوعية، سأقاضي هؤلاء الكلاب أصحاب الشركة، ألا يعرفون أن الغش يحاكم عليه في كندا؟
قبل أن أتكلم، صحت لابني كي يكون سنداً لي إذا قررت الوالدة استخدام عصا المكنسة أو كعب إحدى كنادرها لإغلاق فمي، ففي كندا الحق دائماً مع المرأة حتى لو كانت مخطئة، فجاء الشاب ملبياً ندائي، وعندما رأى ما رأيت، قال لها: ماما، شو صايرلك، عن جد انك اشتريت هذا الفستان، الذي هو بالأصل لصبية وليس لك، ولواحدة نحيفة لا يتجاوز وزنها الخمسين كيلو غراماً، ورياضية وليس لسيدة خمسينية ووزنها فوق السبعين، من حسن الحظ أنك تستطيعين استرجاع ثمنه، اذهبي سريعاً لإعادته. شكرت ابني الذي أعفاني من تحمل بعض شتائم أمه، لو أنني قلت لها ما قاله، وقبلته على جبينه، فقالت زوجتي صارخة: أتشمت بي أمام الولد يا عدو الله والوطن؟
خرجت دون أن أرد عليها، فأنا لا أريد فتح معركة أعرف سلفاً أنني الخاسر فيها، ثم خطر على بالي، من باب اللؤم والكيد، أن أقترح عليها أن تقوم بعملية توسيع للفستان على طريقة توسعة الائتلاف المعارض، رغم قناعتي أن الفستان سيتشوه نتيجة القص والوصل ولن يخفي عيوب الجسد المترهل في الوقت نفسه، وعلى افتراض أنها قبلت الفكرة فإن النتيجة ستكون كارثة على رأسي بمجرد أن ترى نفسها في المرآة، فكرت بالأمر سريعاً، ثم عدلت عن تقديم النصيحة لها، وأنا اقول في نفسي: هي تشبه فعلاً الائتلاف، فلن تعدم وسيلة لتقول إن الحق على الطليان.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية