لماذا غير أوباما نهجه تجاه سوريا بعد نقاش استمر شهورا؟
قال مسؤولون حاليون وسابقون إن قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما تسليح مقاتلي المعارضة السورية للمرة الأولى جاء بعد نقاش مكثف استمر قرابة العامين داخل البيت الأبيض لم يتوقف فيه الرئيس ومستشاروه المقربون عن التشكك في جدوى التدخل الأمريكي في حرب دائرة بمنطقة الشرق الأوسط.
وأضافوا أن العاملين الحاسمين في قرار تغيير النهج الأمريكي يتمثلان في تزايد المكاسب العسكرية التي تحققها قوات بشار الأسد الذي يحظى بمساعدة حزب الله اللبناني المدعوم من إيران ومعلومات المخابرات التي تؤكد استخدام الجيش السوري أسلحة كيماوية وتحديدا غاز الاعصاب السارين.
ولم يتضح أي هذين العاملين لعب دورا أكبر في قلب الموازين. فما أعلنته إدارة أوباما هو وجود أدلة على استخدام أسلحة كيماوية قال أحد كبار المسؤولين بالإدارة إنها "تبلورت" في الأسبوعين الماضيين.
غير أن بعض المسؤولين الأمريكيين قالوا يوم الجمعة إن العامل الحقيقي وراء تغيير حسابات أوباما بخصوص سوريا لا يتمثل في استخدام الأسلحة الكيماوية المعروف منذ أشهر بل في الدور المتنامي الذي يضطلع به حزب الله.
فذلك التقدم الذي أحرزه حزب الله في الميدان زاد من احتمال بقاء الأسد في السلطة لبعض الوقت. كما أن قرار الجماعة الشيعية بالتدخل المباشر في الصراع لمساندة الأسد في مواجهة مقاتلي المعارضة الذين يغلب عليهم السنة ساهم أيضا في تعزيز المنحى الطائفي الذي أتخذته الحرب وأذكى التوتر بين السنة والشيعة في لبنان.
وأشار مسؤولون أمريكيون ودبلوماسيون أوروبيون أيضا إلى أن اجتماع واشنطن هذا الأسبوع مع حلفائها في مجموعة الثماني خاصة فرنسا وبريطانيا كان عاملا أسهم في قرار أوباما. ومن المقرر أن تتصدر القضية السورية جدول أعمال قمة الثماني.
وقال دبلوماسي أوروبي طلب عدم ذكر اسمه "إن لم يبدأوا في اتخاذ إجراء حيال هذه القضية لوجه اجتماع مجموعة الثماني انتقادا حادا للرئيس (أوباما)."
ولاقى أوباما انتقادات لاذعة من الصقور في الكونجرس الأمريكي وغيره عندما لمح لأول مرة في أبريل نيسان إلى احتمال استخدام أسلحة كيماوية في الحرب الأهلية السورية مما يمثل تجاوزا "لخط أحمر" وضعه العام الماضي ولكن دون أن يستتبع ذلك باتخاذ أي إجراءات ضد حكومة دمشق.
ولكن في مقابلة أجريت قبل عشرة أيام - أي قبل إعلان البيت الأبيض قرار أوباما يوم الخميس - شدد أحد كبار المساعدين على أن مسألة الأسلحة الكيماوية لم تستبعد قط.
وقال المسؤول الكبير بالإدارة الأمريكية آنذاك إن هناك "تعليمات واضحة من الرئيس بألا نتراجع عن الخط الأحمر."
وأعلن البيت الأبيض يوم الخميس أنه خلص إلى أن القوات السورية استخدمت أسلحة كيماوية وقال إن أوباما قرر إمداد المعارضة بالمساعدات العسكرية المباشرة.
ورغم أن أوباما غير نهجه باتخاذ هذه الخطوة بعد أن ظل البيت الأبيض يعارض الدعوات المنادية بتسليح المعارضة لأكثر من عام إلا أنه يبدو عازما على عدم السماح بانجرار الولايات المتحدة بشكل كبير في الحرب الأهلية الطائفية السورية.
وقال مسؤولون أوروبيون وآخرون على اطلاع بتطور الاوضاع إن الولايات المتحدة ستمد المجلس العسكري السوري بالأسلحة الآلية وقذائف المورتر الخفيفة والقذائف الصاروخية.
وذكر مسؤولون أنه رغم أهمية هذه الأسلحة إلا أنها لن تشمل الصواريخ الأرض جو التي تعرف باسم مانباد المحمولة على الكتف والتي يمكنها إسقاط المقاتلات وطائرات الهليكوبتر الحربية السورية.
وأضاف المسؤولون أن واشنطن لا تؤيد حاليا فرض "منطقة حظر طيران" في اجواء سوريا - والذي سيتضمن التزاما قويا من سلاح الجو الأمريكي والأوروبي بمواجهة الدفاعات الجوية السورية الكثيفة - وذلك لأسباب منها غياب الإجماع الدولي على هذه الخطوة.
وقال مسؤول أمريكي سابق له علاقات كثيرة في المنطقة متحدثا عن الخطوات الجديدة التي اتخذها البيت الأبيض "هذا خيار منخفض التكلفة إلى حد ما" معبرا عن قلقه من أن تكون المساعدات العسكرية الأمريكية قد تأخرت شهورا.
ورفض البيت الأبيض ووزارة الخارجية الإعلان عن التفاصيل بخصوص أنواع الأسلحة وبعض الإمدادات الأخرى المقرر إرسالها إلى مقاتلي المعارضة أو موعد إرسالها.
وبينما كان أوباما يتوخى الحذر دائما من التدخل الأمريكي في سوريا كان أعضاء فريقه يختلفون أحيانا حول هذه المسألة.
وقال دبلوماسيون ومسؤولون سابقون إن القرار الأولي الذي اتخذه أوباما في أغسطس آب 2011 بمطالبة الأسد بالرحيل سبقه نقاش مكثف في واشنطن ولندن وبعض العواصم الأخرى.
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ثابتة على موقفها بمعارضة التدخل العسكري الكبير لواشنطن في سوريا مثل فرض منطقة حظر طيران.
ولكن في الخريف الماضي طرحت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك وديفيد بتريوس مدير وكالة المخابرات المركزية (سي.آي.ايه) اقتراحا مشتركا بأن تزود الولايات المتحدة مقاتلي المعارضة بالسلاح. غير أن البيت الأبيض رفض هذه الفكرة.
ويتردد حاليا أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لعب دورا فعالا في إقناع أوباما بضرورة اتخاذ المزيد من الإجراءات.
وقال دينيس روس الذي كان يعمل مستشارا لأوباما لشؤون الشرق الأوسط "بات الاتفاق داخل الإدارة على اتخاذ المزيد من الخطوات أكثر وضوحا مما كان عليه في الماضي... ولكن أعتقد أن التردد لايزال موجودا."
وأضاف روس الذي ترك الحكومة في ديسمبر كانون الأول 2011 إنه أثناء عمله في البيت الأبيض كان أوباما يتحقق بشدة من مدى تعقل وتداعيات الخيارات التي يطرحها مستشاروه بخصوص سوريا.
وقال في مقابلة أجريت معه الأسبوع الماضي "من الإنصاف أن نقول إنه أراد توخي الحذر الشديد من نوع الالتزامات التي سنقطعها" مضيفا أن أوباما كان يقول "أريد أن أسمعكم فأخبروني ماذا سيتمخض عن ذلك... أخبروني بتداعيات اتخاذ الخطوة 'س' وكيف ستسهم في تحسين الوضع وتثمر عن النتيجة التي ننشدها."
وأشار روس إلى أنه أثناء عمله في البيت الأبيض تأثر تفكير أوباما كثيرا بالتجربة الأمريكية في حروب الآونة الأخيرة التي سلطت الضوء على صعوبة تغيير الظروف في الدول الإسلامية.
وأضاف أن حسابات أوباما كانت ستختلف إذا كانت هناك معارضة "أكثر تماسكا ومصداقية وإقناعا" في سوريا.
وأبدى مصدر دبلوماسي غربي كبير رأيا مماثلا إذ قال إن أوباما يطلب من مساعديه في الأساس أن يثبتوا له أن التدخل الأمريكي سيساهم في تحسين الوضع.
وأضاف المصدر "إنه موقف مشروع... لا أتوقع في الوقت الحالي أن يوافق الأمريكيون على إرسال أسلحة ثقيلة."
ولا يزال الجميع يترقبون الوضع لمعرفة ما إذا كانت المساعدات الأمريكية ستغير المشهد العسكري الذي يظهر تحقيق قوات الأسد المدعومة بمقاتلي حزب الله مكاسب متواصلة في مواجهة المعارضة إذ استعادت السيطرة على مدينة القصير الاستراتيجية وأعدت لهجوم على المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في شمال سوريا.
وقال بن رودس نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض في معرض رده على سؤال بشأن ما إذا كانت المساعدات الأمريكية ضئيلة للغاية "نعتقد أننا نستطيع إحداث فارق."
وأشار إلى أن عددا من الدول العربية وتركيا تدعم المعارضة السورية أيضا.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جين ساكي إن قرار أوباما اتخذ قبل أيام دون أن تكشف عن تفاصيل محددة.
وأضافت ساكي "هذا أمر ناقشه فريق الأمن القومي والرئيس على مدار أسابيع."
رويترز
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية