في التاسع والعشرين من آذار الماضي وأثناء اجتياح قوات النظام السورية لحي بابا عمرو دخل خمسة من شبيحة النظام وعناصر من حزب الله إلى منزل عائلة البزازي المعروفة في الحي المذكور، وقاموا بارتكاب مجزرة ذهب ضحيتها ثمانية من كبار السن الذين تم قتلهم بدم بارد ثم حرق جثثهم بالكامل وسط تكتم إعلامي رهيب، وكان من ضحايا هذه المجزرة كلٌ من الحاج فرج البزازي 88 سنة وزوجته نوفة الحسين 77 سنة وشقيقها الحاج مصلح الحسين 75 سنة وزوجته الحاجة تمام البزازي 70 سنة والحاجة حسنة الصالح 80 سنة والحاجة المقعدة أم المعطي 80 سنة، والحاجة رحيلة الحسين 50 سنة التي ماتت بعد المجزرة، إذ تم طعنها بحربة بندقية وأُسعفت إلى مشفى ميداني وحينما كانت تعالج هناك تم قصف المشفى وتدميره بالكامل، فماتت تحت الدمار والركام، ولم ينجُ من هذه المجزرة المروّعة سوى فتاة عزباء في الثالثة والأربعين من عمرها تدعى "ك" التي رفضت التحدث عن تفاصيل ما جرى ذلك اليوم خوفاً على حياة أقرباء لها لازالوا في حمص إلى الآن وتخشى من انتقام النظام منهم – كما قالت لـ"زمان الوصل" ولكننا استطعنا الوصول إلى ابن الشهيد فرج الصالح البزازي "أبو عمر الصالح" الذي روى جوانب مؤلمة لوقائع هذه المجزرة المروعة كما سمعها من ابنة خاله "ك" الناجية الوحيدة من هذه المجزرة ...
يروي فرج: أواخر شهر شباط وأثناء الاجتياح الذي جرى لحي بابا عمرو كان والدي الحاج فرج البزازي 88 سنة ووالدتي نوفة الحسين 77 سنة موجودين في منزلنا مع خالي الحاج مصلح هواش الحسين وزوجته تمام أحمد العلّوش وزوجة خالي الثانية حسنة الصالح وابنتها رحيلة الحسين، وكانت معهم جارة لنا تدعى أم المعطي 80 سنة وشخص من لم نتعرف على شخصيته، وبعد قصف الحي من قبل قوات النظام وانسحاب الثوار منه دخل عناصر الجيش النظامي وقاموا بتمشيط المنطقة بشكل دقيق فيما بدا أنها محاولة للتمهيد لدخول الشبيحة إلى العائلات التي رفضت الخروج من بابا عمرو وقتلهم وحرقهم بصورة شنيعة لا يتصورها العقل البشري، وضمن حملة التمشيط هذه دخلوا إلى منزل أهلي بحدود الساعة التاسعة من صبيحة يوم الاثنين في 29/3/ 2013 وقاموا بتفتيش المنزل بالكامل كما قاموا بتفتيش منزلي في الطابق الأعلى وسرقة وبعثرة محتوياته
يروي فرج: أواخر شهر شباط وأثناء الاجتياح الذي جرى لحي بابا عمرو كان والدي الحاج فرج البزازي 88 سنة ووالدتي نوفة الحسين 77 سنة موجودين في منزلنا مع خالي الحاج مصلح هواش الحسين وزوجته تمام أحمد العلّوش وزوجة خالي الثانية حسنة الصالح وابنتها رحيلة الحسين، وكانت معهم جارة لنا تدعى أم المعطي 80 سنة وشخص من لم نتعرف على شخصيته، وبعد قصف الحي من قبل قوات النظام وانسحاب الثوار منه دخل عناصر الجيش النظامي وقاموا بتمشيط المنطقة بشكل دقيق فيما بدا أنها محاولة للتمهيد لدخول الشبيحة إلى العائلات التي رفضت الخروج من بابا عمرو وقتلهم وحرقهم بصورة شنيعة لا يتصورها العقل البشري، وضمن حملة التمشيط هذه دخلوا إلى منزل أهلي بحدود الساعة التاسعة من صبيحة يوم الاثنين في 29/3/ 2013 وقاموا بتفتيش المنزل بالكامل كما قاموا بتفتيش منزلي في الطابق الأعلى وسرقة وبعثرة محتوياته

قتلوهم .. ذبحوهم .. حرقوهم !
ويضيف أبو عمر الصالح لـ"زمان الوصل": في تمام الساعة الخامسة عصراً رنّ جرس منزلنا وبعد أن فتحت لهم ابنة خالي "ك" دخل مجموعة من الشبيحة كانوا عبارة عن خمسة أشخاص مدجّجّين بالسلاح ذوي أجساد ضخمة ولحى كثة ويلبسون قمصاناً سوداء، وبعضهم كان يتكلم باللهجة اللبنانية، وعلى الفور اتجهوا إلى الغرفة التي كان أبي وأمي ومجموعة من أقاربي يجلسون فيها، فقام هؤلاء العناصر بإشهار أسلحتهم في وجوه الجالسين وقالوا لهم: "كم عددكم" فقالت ابنة خالي نحن ستة أشخاص وهناك عمي الحاج مصلح الحسين وزوجته الحاجة تمام في المنزل المجاور، فقالوا لها اذهبي وأحضريهم، وذهبت يرافقها أحد هؤلاء الشبيحة، وعندما حضرا إلى الغرفة دفعهما الشبيحة بعنف إلى زاوية المنزل، وبدأوا يصرخون بهسترية في وجوههم: أين أبناؤكم، وحينما قال لهم والدي إنهم يعملون في مزارع لبنانية قال لهم أحد الشبيحة أنتم تكذبون، أولادكم يقاتلون مع العصابات المسلحة، عندما تأتي العصابات المسلحة تزغردون لهم وترحبون بهم، وعندما يأتي الجيش النظامي تتظاهرون بالخوف، فقال لهم والدي الذي قارب التسعين من عمره: "نحن لا نخاف أحداً سوى الله"اللي ما مساوي شي ما بيخاف" ، وهنا طلب القتلة من العجائز إحضار بطاقاتهم الشخصية والأموال التي بحوزتهم فقامت ابنة خالي بإعطائهم البطاقات وجزداناً يحوي ألفي ليرة سورية، وأثناء هذه المجادلة طلبت والدتي من ابنة خالي تغطيتها لأنها شعرت بالبرد إذ كانت والدتي تعاني من مرض الروماتيزم، وحينما استدارت ابنة خالي لتغطية عمتها بدأ اطلاق النار في كافة أرجاء الغرفة فاختبأت وراء والدتي وكادت ان تفقد وعيها من شدة الخوف وأزيز الرصاص، وبدأ والدي يصيح مع الباقين "الله اكبر .. يا الله" ومن شدة الرعب الذي انتاب ابنة خالي ظنت نفسها أنها ماتت وشعرت بألم في ساعدها الأيسر، وكانت تحتضن والدتي، وعندها بدأت النيران تلتهم المكان بالكامل إذ قام الشبيحة بعد أن قتلوا كبار السن الموجودين بدم بارد بسكب مواد مشتعلة من "بَدونْ" كان يحمله أحدهم، وقبل أن تصل النيران إليهم قام الشبيحة بالخروج من الغرفة وهم يظنون أن جميع من فيها قد مات، وزحفت ابنة خالي وهي الناجية الوحيدة من هذه المجزرة المروّعة إلى باب الغرفة وسط النيران والدخان ورائحة الموت، وخرجت إلى صالون المنزل ثم اتجهت إلى المنور الذي لا يتجاوز ارتفاعه المتر ونصف، وقفزت إلى بيت والدها الذي كان قد استشهد برصاصة قناص قبل هذه المجزرة بيوم واحد واختبأت تحت (السمندرة) وهو المكان الذي كان معداً لوضع المفارش واللحف، وظلت في هذا المكان إلى ما بعد صلاة المغرب وهي في حالة يُرثى لها من الرعب والخوف، وبعد ذلك صعدت إلى سطح منزلها وقفزت إلى سطح الجيران ثم نزلت فوق شجرة كانت في حوش المنزل فاختبأت فيها حتى الساعة التاسعة ليلاً، وعندما نزلت من الشجرة حاولت الخروج من المنزل إلى الشارع فوجدت أن الباب كان مقفلاً فعادت إلى الشجرة من جديد ثم صعدت إلى سطح المنزل ومنه إلى منزل أهلها كما جاءت، وعندما أصبحت في منزلها فتحت الباب وخرجت إلى شارع مجاور فرأت ضوءاً مشتعلاً في أحد المنازل المجاورة فتوجهت إليه خائفة مذعورة وأخذت تطرق الباب بقوة وكان هذا البيت لعائلة الكاتب المعتقل لدى قوات النظام "عدنان الزراعي"، وعندما فتحوا لها الباب أدخلوها وكانت في حالة مزرية تكاد لا تستطيع النطق فسألوها مابك فلم تستطع التفوّه بكلمة من هول ما رأت ولكنها دمدمت بكلمات: " قتلوهم .. ذبحوهم .. حرقوهم" وبدأت بالبكاء الشديد ثم خرجوا جميعاً مع ابنة خالي وتوجهوا باتجاه سكة القطار فقابلهم حاجز للجيش قام بتوقيفهم وطلبوا منهم العودة من حيث جاءوا فقالت لهم ابنة خالي المصدومة من هول ما رأت: "اذبحونا هنا في البرية ولن نرجع إلى بيوتنا" وعندما سألوها لماذا قالت لهم: لقد ذبحوا أهلي وحرقوهم أمام عيني، وعند وصولهم إلى منطقة "كفر عايا" مروا بحاجز آخر قرب سكة القطار فاستوقفهم ضابط كان يحمل جهازاً لاسلكياً وحينما حدثته قريبتي عما جرى لهم سمح لهم الضابط بالذهاب بعد أن أجرى اتصالاً مع آخرين وقام عناصر الحاجز بتفتيشهم تفتيشاً دقيقاً.
الدفاع المدني .. دور مشبوه !
وعن كيفية اكتشاف هذه المجزرة المروعة يقول أبو عمر لـ"زمان الوصل": جاء أحد أقاربي مع ابنه ليطمئن على والدي محضراً لهم بعض الأغذية والأدوية التي لم تكن موجودة لديهم، وبعد جهد كبير ومخاطرة بحياته وحياة ابنه وصل إلى منزلنا فوجد الباب الخارجي مفتوحاً وارتاب بالأمر، وبعد أن دخل إلى الغرفة التي شهدت وقائع المجزرة أصيب بالصدمة، فكل شيء كان محترقاً بالكامل ولم يبق من الجثث سوى عظام وجماجم متفحمة فأغمي عليه من هول المنظر وقام ابنه بإفاقته واصطحابه إلى خارج حي بابا عمرو، وبعد خروج قريبي قام بالاتصال بعناصر الدفاع المدني الذين قاموا بأخذ بقايا الجثث المحترقة إلى المشفى العسكري وطلبوا منه الحضور إليهم في اليوم التالي، وحينما حضر مع خال لي طلب منهم السماح له بالذهاب لدفن الجثث فرفضوا بشدة دون أن يبينوا له أسباب رفضهم، وهكذا انتشر الخبر وكنا نظن ان ابنة خالي "ك" قضت مع الشهداء كما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الثورة ولكنها نجت بأعجوبة وهي تعيش الآن في محافظة المفرق الأردنية بعد أن استطاعت الخروج من بابا عمرو بصعوبة بالغة.

تعددت المجازر والسيناريو واحد !
وحول الجرائم المماثلة التي ارتكبتها قوات النظام في حي بابا عمرو يقول أبو عمر الصالح: جرت في هذا الحي مجازر كثيرة تم تطبيق نفس السيناريو فيها من قتل بالرصاص أو ذبح بالسكاكين ثم الحرق على عائلات بأكملها دون تمييز في السن أوالجنس أو الوضع الصحي لهم. وأثناء اجتياح هذا الحي بتاريخ 27 شباط 2012 قامت عصابات الحقد الطائفي بجمع عشرات الشبان والفتيات وكبار السن من أبناء الحي أمام مسجد الجوري وأطلقوا عليهم النار بشكل جماعي واستشهد في هذه المجزرة الشيخ بهاء الدين الصوفي وأبناؤه وشخصان من عائلة العك وشخص من بيت السليم إضافة إلى الكثيرين ممن لم نتعرف على أسمائهم، كما حصلت مجزرة مماثلة في بساتين بابا عمرو حيث تم إعدام أكثر من 40 شخصاً من عائلة الزعبي تم قتلهم ذبحاً بالسكاكين والعديد من الاشخاص الآخرين من عائلة ادريس قتلوا بالطريقة البشعة نفسها.
ويروي أبو عمر الصالح أن والده الحاج الشهيد فرج البزازي كان قد تنبأ بأحداث الثورة السورية قبل وقوعها بأشهر عديدة، ففي مجلس كان يضمه مع عدد من أصدقائه وأقاربه قال لهم: " الله يجيرنا من هل السنة" فقالوا له ماذا تقصد، قال لهم رأيت نفسي في المنام وأنا ذاهب إلى صلاة الفجر وحيداً أمشي على الركام "الرديم" كما قال وفعلاً تحقق هذا المنام إذ أصبح يذهب إلى صلاة الفجر بمفرده بعد استشهاد الكثيرين من أقربائه وأصحابه ممن كانوا يصلون معه جماعة في جامع عبد الله بن الزبير القريب من منزله بعد اجتياح حي بابا عمرو عام 2012.
فارس الرفاعي - عمان (الأردن) - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية