طلعت محفوض جعل من سجن صيدنايا واحداً من أكثر السجون المحصنة في العالم..
إدارة السجن تمد كل 100 معتقل بطعام يكفي لعشرة فقط
جنود الفرقة الرابعة هم الأكثر إساءة وقسوة
بين عصيان صيدنايا الأول، وبسط السيطرة الأمنية على السجن مرة أخرى، تفاصيلٌ حاك خيوطها طلعت محفوض الذي تلقى معتقلو صيدنايا مؤخراً خبر مقتلهِ، بفرحٍ غامر.
وفي هذه الحلقة من سلسلة "موت صيدنايا..يتحدث" يخبرنا المعتقل السابق دياب سرية،عن سياسة طلعت محفوض التي انتهت بمجزرة صيدنايا المروعة.
وبحسب سرية استلم الأمن بعد عشرين يوماً من اندلاع الأحداث الأولى وانتهاء المفاوضات، مبنى الإدارة والمطبخ والطابق الأول من السجن، وباشروا بأعمال الصيانة.
إلا أنه كان لإدارة السجن الجديدة، خطة بدأت تتوضح ملامحها من خلال اتباع سياسة التشديد التي صارت الإدارة تطبقها بطريقة غير مباشرة، بالإضافة لقطع الكهرباء والمياه عن المساجين لفترات طويلة بحجة الصيانة.
وبعد شهر ونصف من القيام بأعمال الصيانة أنهت الإدارة تجديد الطابق الأول، فطلبت من المساجين النزول إليه، برفقة ثيابهم فقط.
ويشير سرية إلى أن المساجين رفضوا النزول إلى الطابق الأول قبل أن تراه لجنة المساجين.
ويتابع دياب: لما رأت اللجنة الطابق الأول بعد تجديده، تفاجأت بأن إدارة السجن صفّحت جدرانه بمادة معدنية، كما تم سد منافذ التهوية فيه بصاج مثقب بفتحات صغيرة جداً، وكذلك كانت الإنارة فيه أكثر من سيئة، وتركت الإدارة الحمام و المرحاض بلا أبواب، كي لا يستخدمها المعتقلون في حال قيامهم باستعصاء.
ويضيف سرية واصفاً حال الطابق الأول: اُستبدلت مواسير المياه المعدنية بأخرى بلاسيتكية، وألغت الإدارة خزان الماء من الطابق، مما جعل المهاجع فيه غير صالحة للإقامة البشرية، لأنه وفق المعتقل السابق من المستحيل أن يقيم 20 سجيناً في غرفة معدنية تفتقد إلى التهوية، لأنها ستقتلهم بحرّها صيفاً وببردها شتاءً، فالمكان كان سيئاً صحياً.
ونتيجة لذلك رفض المساجين النزول إلى الطابق الأول، فردت الإدارة بزيادة التشديدات بهدف إجبارهم على النزول من أنفسهم، ووفق سرية صار لكل جناح 3 أبواب، وتم فصل المسدس بشِباك حديدية، وبات كل جناح معزولاً عن الأجنحة الأخرى..
ويؤكد سرية أن التشديدات والهندسات الجديدة كانت من ابتكار طلعت محفوض، وأن التحصينات التي طُبقت في الطابق الأول جعلت من سجن صيدنايا واحداً من أكثر السجون المحصنة في العالم..
في الشهر الكريم.. محفوض يخنق المعتقلين
يشير دياب سرية، إلى أنه في منتصف شهر رمضان 2008، صارت تُقطع الكهرباء بشكل دائم عن سجن صيدنايا، وأن المياه كانت تصل مرة واحدة بالأسبوع فقط وبكمية قليلة جداً، كما أن كمية الطعام المقدمة للمعتقيلن كانت قليلة جداً، فلكل 100 معتقل يصل طعام يكفي لعشرة فقط.
ومن أساليب الضغط التي رواها سرية، أن إدارة السجن كانت في بعض الأحيان تمد المعتقلين بطعام عن أسبوع، دفعة واحدة، وهذه الكمية بالإضافة إلى كونها قليلة ولاتكفي، لايمكن الاحتفاظ بها بسبب عدم وجود ثلاجة.. أما نوعية الطعام التي كان تصل للمعتقلين فهي حسب سرية، عبارة عن برغل بالبحص حتى أن المساجين كانوا يسخرون من وجبة طعامهم بوصفها على أنها حصى منثور عليه برغل، وفي بعض الأوقات كانت الإدارة تقدم لهم شوربة عدس ولكن بلا عدس، وفي الفترة الأولى من التشديدات كانوا يوزعون لكل سجين رغيفين من الخبز في اليوم، ثم رغيف ونص، وبعد ذلك رغيف واحد في اليوم لكل معتقل، ويقدم الطعام العساكر "الفرارية" أي الفارين من الخدمة الإلزامية برفقة حارس واحد من إدارة السجن.
كما لاحظ المعتقلون أن الإدارة بدأت بجلب تعزيزات جديدة إلى السجن، لأن عدد الحراس ازداد كثيراً، ولذلك تأهب المساجين لاقتحام متوقع تنفيذه بأي لحظة..
اقتحامات وهمية واستفزاز للمعتقلين
وبهدف زيادة الضغط النفسي على المعتقلين، كانت إدارة السجن تقوم باقتحامات وهمية، أثناء نوم المعتقلين، حيث يسمع المعتقلون صياح العساكر وهم يقولون "إلى السلاح" وهي الكلمة المتعارف عليها عند الإعلان عن بدء الاقتحام، ناهيك عن استفزاز المعتقلين بشتم الذات الإلهية، وشتم المساجين وذكر أعراضهم بالسوء، وذلك بحسب سرية بأمر من إدارة السجن ومن قيادة المخابرات.
كما شملت التعزيزات التي طبقتها إدارة السجن، رافعات كتلك التي تُستخدم للقيام بصيانة الأعمدة الكهربائية، ومحطات تشويش خليوية، أشاعت الإدارة عندما جلبتها أنها ستوزع على المعتقلين أجهزة موبايلات لكن أحداً لم يصدق، كما تم زيادة عدد الدبابات المحيطة بالسجن، و الاستعانة بجنود من الفرقة الرابعة ميزهم المعتقلون من لباسهم، حيث يُكتب على كتفهم الأيسر "فرقة رابعة"، وهؤلاء كانوا أكثر الجنود إساءةً وقسوةً.
هذه الظروف المعيشية السيئة، دفعت بعض المعتقلين إلى الإضراب عن الطعام، على أمل أن يأتي الحل السلمي بنتيجة مع ادارة السجن، إلا أن تعليق الإدارة على إضراب بعض المعتقلين كان، وفق سرية: لما يفطس بعتولنا ياه..
ولكنهم بعد أيام نقلوا بعض المساجين المضربين عن الطعام إلى المنفردات، لم يعذبوهم لأن أجسادهم لم تكن تحتمل، بل اكتفوا بجعلهم يشمون روائح طعام شهي، وتركوا أمامهم دجاجاً مشوياً ليدفعوهم إلى كسر إضرابهم، ويؤكد سرية أنَّ حالة بعض المعتقلين ساءت لدرجة أنهم علقوا لهم سيرومات، ومع ذلك لم تُنفذ مطالبهم التي كانت تتمحض بنقلهم إلى سجن آخر..
ويشير سرية إلى حرمان المساجين من الطبابة في تلك الفترة، حتى أن بعض المعتقلين كان يعاني من أمراض بالقلب، والضغط، وهؤلاء عانى بعضهم من نوبات قلب كادت تودي بحياتهم ورغم ذلك لم تلبِّ الإدارة طلب المعتقلين بإسعاف مرضى القلب، بل أنها رفضت إمداد السجناء بالأدوية.
ويوضح سرية أنه بسبب تردي الأوضاع ظهرت حالة من الانشقاق بين المعتقلين، لأن منهم من شارك بالاستعصاء بالتخريب، ومنهم تورط بالقتل، والبعض لم يكن له علاقة بالاستعصاء لا من قريب ولا من بعيد، وبالتالي صار كل فريق يلقي اللوم فيما يعانوه على الفريق الآخر، ولكن بالنهاية كان الجميع متفق، على كره النظام والأمن..
ويبين سرية أن المعتقلين بقوا على ذلك الحال حتى صباح 6-12-2008، حيث انفجرت الأوضاع بسبب ممارسة الإدارة السجن اقتحاماً وهمياً، رموا خلاله قنابل مسيلة للدموع على السجن بشكل كثيف، وأطلقوا الرصاص بالطابق الأول..
مما دفع المساجين إلى احتلال الطابق الأول، ومبنى الإدارة، وعندها حدثت مجزرة صيدنايا...
وللقصة بقية
لمى شماس - بالتعاون مع سجين سابق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية