لماذا لا يسوغ قتل نحو من 80 ألفا من السوريين إلى الآن، تدخل المجتمع الدولي، رغم أنهم لم يقتلوا بغاز الخردل ولا بالسارين!
أصبح من الممكن الآن أن نصوغ إعلان الاعتذار الذي ستنشره الإدارة الأميركية بعد عقد أو عقدين، تطلب فيه المغفرة من عشرات آلاف مواطني سوريا الموتى
إذا وجدت غدا براهين قاطعة على أن انسانا واحدا قتل بالسلاح الكيميائي، فهل تتدخل الولايات المتحدة؟
الإدارة التي اعتمدت دائما على تقديرات استخبارية خاصة بها، واستهانت بقرارات الأمم المتحدة، أصبحت فجأة تدعو الأمم المتحدة إلى تحقيق بهذا الشأن
وجهت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية انتقادات لاذعة للإدارة الأمريكية، بشأن تعاملها مع الملف السوري، لاسيما بشقه الكيماوي، واصفة فكرة أوباما عن الخط الأحمر وتجاوزها بأنها سخيفة، وقائلة ان واشنطن لا تود الاعتراف بأن الأسد إرهابي كيماوي.
وفي مقال له، وصف الكاتب رونين بيرغمان إقرار واشنطن باستخدام الكيماوي في سوريا بأنه أتى "في صياغة ملتوية كثيرا، صاحبتها جميع المؤثرات التي تتيحها اللغة الإنجليزية إلى درجة لا يمكن ترجمتها للعبرية"!
ويسرد الكاتب تطور الموقف الأمريكي قائلا: بدأت القضية بكلام رئيس قسم البحث من شعبة الاستخبارات العسكرية "إيتي بارون" بأن سوريا استعملت مادة حربية كيميائية عدة مرات، وردّت الإدارة الأميركية بإنكار ذلك، ففوجئت قيادة المجموعة الاستخبارية وغضبت... وبعد عدة أحاديث غاضبة اضطر الأمريكيون إلى الاعتراف نصف اعتراف بأن "بارون" كان صادقا.
وفسر بيرغمان "الاحتيال اللغوي لإدارة أوباما" قائلا إنه لا ينبع فقط من الحرج مع إسرائيل بل من مشكلة أشد كثيرا، فالمسؤولون الأميركيون لايريدون أن يكذبوا لكنهم لا يريدون أيضا أن يعلنوا أن سوريا استعملت سلاحا كيميائيا، لأن الرئيس أوباما قال قبل نحو سنة بأن ذلك سيستدعي ردا أميركيا قاسيا.
وتابع كاتب المقال: هنا يكمن الاخفاق الأميركي، فالإدارة لا تريد في الحقيقة أن تتدخل بما يجري في سوريا، كما لم ترد التدخل في مصر أو في ليبيا. لأن أخطار التورط بالنسبة لأوباما أصعب، وقد وجد الرئيس ذريعة ورسم الخط الأحمر في مكان اعتقد الكثيرون أن الأسد لن يصل اليه أبدا (وهو استعمال سلاح إبادة جماعية)، وتبين كما يبدو أن هذا كان افتراضا خطأ.
كان هذا الخط الاحمر من البدء سخيفا، وذلك أولا لأنه لم يحدد كيف يتم تجاوز ذلك الخط، فإذا تبين أن مادة كيميائية تسربت عرضا من شاحنة للجيش السوري نقلتها من مكان إلى مكان وقتل السائق فماذا يفعلون؟ أهذا اجتياز للخط؟ وأهم من ذلك أن نقول لماذا لا يسوغ قتل نحو من 80 ألفا من السوريين إلى الآن، تدخل المجتمع الدولي، رغم أنهم لم يقتلوا بغاز الخردل ولا بالسارين!
وتساءل مستنكرا: إذا وجدت غدا براهين قاطعة على أن انسانا واحدا قتل بالسلاح الكيميائي، فهل تتدخل الولايات المتحدة؟
وتابع: والآن بعد أن ورطت الإدارة الأميركية نفسها بهذا الخط الأحمر، تحاول التهرب من الوفاء بالتزامها، وتقول إنها تحتاج الى أدلة اخرى.
ويتعجب بيرغمان: الإدارة التي اعتمدت دائما على مصادر وتقديرات استخبارية خاصة بها، واستهانت (حينما أرادت) بقرارات الأمم المتحدة، أصبحت فجأة تدعو الأمم المتحدة إلى تحقيق بهذا الشأن!، أو ليست هذه دعوة ساذجة لأنهم في الإدارة يعلمون أن الأمم المتحدة لا تملك قدرات استخبارية خاصة بها، بل تعتمد على عمل مراقبين، ولهذا فان طلب تحقيق أممي هو في الحقيقة محاولة أخرى لكسب وقت من غير أن يقال بصراحة إن الأسد إرهابي كيمياوي.
ويسرد الكاتب كيف اعتذرت واشنطن قبل سنوات عن عدم تدخلها في روندا، ما أدى إلى مجزرة رهيبة، موضحا: اعتذرت واشنطن لكنها لم تتعلم الدرس، وقد أصبح من الممكن الآن أن نصوغ إعلان الاعتذار الذي ستنشره الإدارة الأميركية بعد عقد أو عقدين، تطلب فيه المغفرة من عشرات آلاف مواطني سوريا الموتى؛ لأنها لم تهب لنجدتهم!
ترجمة: زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية