ما من حلقة تُعقد، هذه الايام، ضامة بعض المهاجرين إلا ويدور الحديث فيها عن الثورة السورية والاخلاق. ولما كان الحديث في الثورة قد يؤدي الى توترات وارتفاع الاصوات ما بين مؤيد ومعارض وناقد ، فقد قررت استبعاد الحديث عن ايجابات وعيوب الثورة، والذي تحول الحديث فيهما الى موضة اكثر مما هو الى نقد بناء يهدف الى تصويب المسار، وقررت، بناء على ذلك، الاكتفاء بالحديث عن الاخلاق التي يتفق جميع المهاجرين بمختلف اديانهم ومواقعهم الفكرية واقطارهم على تثمين الاخلاق الشرقية والحط من قيمة الاخلاق الكندية (الغربية).
لقد لاحظت، على مدي ٢٤ سنة التي امضيتها في كندا، ان ما من ندوة أو اجتماع ضم اكثر من اثنين الا ويكون لحديث الاخلاق فيها نصيب الاسد، حتى لو موضوع الندوة علم الاحياء او الذرة. وما من خلاف نشب بين زوجين الا ويتم الترحم على الاخلاق، حتى لو كان سبب الخلاف هو نوع الغداء او موعد العشاء. وما من مراهقة او مراهق يهجر البيت الاسري الا وتُشحذ السكاكين، وتُستمطر اللعنات على الاخلاق الكندية «الفاسدة»، ولو كان المسبب الحقيقي لفعل المراهق او المراهقة هو فساد اخلاق الاب او الام او الاثنين معا. وما من مقال يًكتب في صحافتنا المهجرية، شارحا الكاتب فيه انواع البصل والثوم والبطاطا والبطيخ، والى اي الاسر النباتية ينتمي كل منها الا ويتدفق من بين السطور شلال الاخلاق، غامرا عالم المهاجرين.
وكنا، في الجالية السورية، قبل الثورة وبعدها، قد اخذتنا الحمية والحماسة، وركبت النخوة رؤوسنا المسرّجة، وقررنا ان نتتبع مصير الاخلاق، ونقتفي أثرها، فمنا من حمل فانوسا ودبوسا، ومنا من حمل بلطة وفأسا وترسا، ومنا من احضر ناقة او فرسا او دبابة او سيارة رباعية الدفع، ومنا من احضر ثياب السباحة وعدة «المكياج»، ومنا من حضّر الاقلام والورق لتدوين الملاحظات وارسالها الى الجهات العليا المختصة، وعقدنا العزم، وتوكلنا على الله، وافترشنا بساط الريح، وقد شذ عن هذا الاجماع الاخ سمير السوداني، الذي اصر على الاستعانة بالخيّرين من الجان، المختبرين من الحكام واللجان، فقبلنا بعد لأي مصالحين، ممالئين، وبدأت المسيرة الكبرى في البحث والتقصي والتنقيب. وكنا، في غمرة حماسنا واستعداداتنا، قد نسينا طلب مواصفات الاخلاق للاستدلال عليها: ما هو عمرها، ما لون عينيها، كم يبلغ وزنها، ما هي العلامات الفارقة التي تميزها عن غيرها من الاخلاق، ما لون ونوع الكحل الذي تستخدمه، هل هي عازبة او متزوجة او مطلقة او ارملة، هل هي عبلة الجسم مربربة ام طويلة نحيلة مهلهلة، وهل يمكن ان تتأثر بعاديات الزمن فتشيخ وتتغير ملامحها بتغير المكان والزمان....؟؟؟؟؟
ولما كان دليلنا هو «بصيرتنا»، لا بصرنا، فقد كنا واثقين، مؤمنين، اننا ان لم نعثر عليها، فعلى الاقل سنعثر على بعض آثارها، (أليس البعض يدل على الكل...) أو على ظلها، وهو اضعف الايمان. !!! وكانت محصلة البحث والتنقيب، لدي كل فرق البحث السورية، المعارضة والمؤيدة والرمادية، هي التالية: - انهيار القيم الكندية - تفكك الاسرة - ارتفاع نسبة الطلاق - انتشار السيدا او الادز - الشذوذ الجنسي - الخيانات الزوجية - انتشار المخدرات - تعاظم شأن الجمعيات النسائية المتطرفة التي تطالب بالمساواة - العنصرية - البطالة...الى اخر المعزوفة.
بعد ان استرحنا من عناء السفر والبحث والتنقيب، واغتسلنا في الحمامات الكندية الانيقة، المزودة بالمياه الساخنة والباردة، مستخدمين ما انعم الله علينا من انواع الشامبو والعطور، اجتمع شملنا لتوصيف الاخلاق الكندية «المجرمة»، التي كبدتنا كل ذلك الجهد والعناء ، وللبحث في امكانية القضاء عليها، او على الاقل تهجيرها وتوطين اخلاقنا في ارضها. وقد رأينا، نتيجة البحث، ان كل واحد منا ينطلق في حكمه على الاخلاق الكندية من منطلقات غير منزهة عن الاغراض الشخصية، والتي قد تكون بسبب: فشل علاقة حب معها، او رفضها استقبال رجل مسن في فراشها، او طلبها من عريس مهاجر مهرا عاليا، او احتقارها لرومانسي جبان لا يجرؤ على البوح بحبه علنا، خائفا لومة لائم، او بسبب طردها لكاذب دنيء، يمطرها الكلام المعسول وهو قادم اليها، ويشهّْر بها بعد ان يخرج منتفخا كديك المزابل، ناعتا جسدها الذي التهمه مع فضلاته، او ما يزال يمضغه، بالقذارة والنتانة...او...والله اعلم ما في الصدور....
ولما كان من الصعوبة بمكان الاستمرار في النقاش على النحو الذي ذكرنا، ولاننا ما نزال نصور الاخلاق الكندية ونحاكمها اعتمادا على المثال الذي يحتل مساحة عقلنا، الا وهو «أخلاقنا الكريمة المحصنة ضد العيوب»، التي هجرناها وهاجرنا الى غيرها، ولم نعد ندري ماذا فعل بها الحكام والزمن، لذلك قررت اللجوء الى عالم محترم كحسن حنفي ليخبرنا ماذا حل باخلاقنا، في بلداننا العربية، وبقوله يكون حسن الختام، يقول:
ما دام الخاصة يتاجرون بالقلم، اصبح الناس يتاجرون بكل شيء، العلم تجارة، تمثيل الناس في مجلس الشعب تجارة، اصبح المنصب السياسي المرموق وسيلة للكسب المادي. يتاجر الاب بكليته، وتتاجر الام بابنتها، وتتاجر الاسرة بأبنائها، فان اختلف التجار فالجريمة والعقاب.
انهي الاقتباس من حسن حنفي، متمنيا على الثوار على ارض سوريا العزيزة تناسي المداحين والتجار من الخارج، والانتباه لوضعهم، فقد بدأت روائح الاخلاق المزيفة تنتشر مع اختلاف تجار الثورة فيما بينهم، والتي تفوح في كل مكان، واخلاق الثورة والثوار لا تقبل ذلك.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية