تنسيقيات الساحل السوري... سرية العمل ضمن جغرافيا خاضعة للنظام

بدأت تنسيقيات الثورة السورية عملها المدني الثوري بطريقة سرية ومبكّرة جداً مع انطلاق شرارة الثورة، وكانت ذات أثر كبير على الأرض سواء في تنظيم المظاهرات والشعارات وتحقيق التواصل ما بينها،أو فيما بعد بتنظيم عمل المشافي الميدانية والهيئات الإغاثية وكل ما هو لوجستي في ظل قمع النظام والأعمال العسكرية الدموية لجيش الأسد، وتطور عمل التنسيقيات بصورة واضحة بعد نشوء الجيش الحر وإمكانية السيطرة على المدن والمناطق، بحيث أصبحت هذه التنسيقيات قادرة على ممارسة العمل الميداني بحرية أكبر وباتت السريّة خلف ظهر القائمين على تلك المنظمات المدنية، إلا أن الساحل السوري يعتبر استثناءً من هذه القاعدة بفعل تكوينه الديموغرافي وأكثرية مؤيدي النظام فيه، وسيطرة الفروع الأمنية والعسكرية عليه فكانت تنسيقياته عملاً خطراً وما زالت كذلك.

ليس استثناءً أن تجد تنسيقيات بعنوان "تنسيقية جبلة للثورة السورية"، "تنسيقية مصياف" "تنسيقية القدموس" "تنسيقية حميدية طرطوس" وغيرها من تنسيقيات المنطقة الساحلية فأول ما يميز الحراك السوري هو أنه حراك عام لا مناطقي، ومن الطبيعي أن نعلم أن هذه التنسيقيات ملاحقة وأن أغلبية أعضائها العاملين في الإطار السري مهددون بالاعتقال في أية لحظة، إلا أن ذلك لم يثنِهم عن النشاط المدني وتنظيم الفعاليات وتجهيز المناطق لمواجهة الأعمال العسكرية، والتحضير لاستقبال النازحين من المناطق الأخرى.

توضح عمل تنسيقيات الساحل من خلال المظاهرات المتكررة التي تنظمها ومن خلال التفاعل مع النازحين وتأمين المساكن والمساعدات الغذائية لهم، إضافة إلى تكوين مشافٍ ميدانية سرية مجهزة للعمل، ولم تغفل أيضاً النشاطات الثقافية والفنية المواكبة للثورة والقادرة على التواصل مع ثوار المناطق الداخلية والشمالية والشرقية والجنوبية.

يبدو نشاط تنسيقية مصياف الأكثر وضوحاً وفعالية، حيث قامت التنسيقية خلال أشهر من العمل بالتفاعل مع الهيئة العامة للثورة وإدارة التنسيقيات، وحققت مكاسب واضحة على الأرض من إمكانية الحشد والتأثير بأبناء المنطقة، إلى تنظيم المظاهرات وتوزيع المنشورات والشعارات، واستقبال النازحين، وصولاً إلى إصدار مجلة الكترونية كان لها أثرها الواضح وتفاعلها مع مجمل قضايا الثورة السورية...

يقول "أحمد ع" أحد المشرفين على تنسيقية مصياف: "لدينا الآن قدرات جيدة تمكننا من التواصل مع مختلف تنسيقيات القطر، واستطعنا في الفترة السابقة تنظيم مشفى ميداني قادر على استيعاب مختلف أنواع الإصابات والطوارئ، أعضاء التنسيقية تجاوزوا الأربعة عشر ألفاً، المئات منهم جاهزون للعمل الميداني، نحاول في الفترة الحالية رصد مختلف الأخبار خاصة في مناطق الساحل التي من الصعب الوصول إلى أخبارها ونشاطاتها.

ويضيف أحمد: العمل في مصياف ضمن مجال التنسيق صعب جداً ويترصده الكثير من المخاطر، فمدينتنا هادئة إلى حد ما، وتحت سيطرة النظام بالكامل، بالتالي يصعب علينا تنظيم الاجتماعات والفعاليات خاصة وأن كل أحياء مصياف مراقبة... الأمن ينتظر منا خطأً واحداً ليكشفنا ويتعقبنا، لذا فالسريّة أهم ما يمكن تجنبه في هذه الأوقات.

ويقول "بشر" من تنسيقية جبلة: نحن محاطون بجغرافية خاضعة فكرياً وتنظيمياً للنظام، وبالتالي فنحن لسنا محاصرين من فروع الأمن فحسب وإنما من الناس أنفسهم الذين لا مشكلة عندهم باعتقالنا في بيوتهم، إلا أن ذلك لا يثنينا عن العمل الثوري والتنظيمي والتواصل مع تنسيقيات الثورة في مناطق سورية عامة، كما أننا استطعنا تشكيل بنى تنظيمية لمختلف النشاطات وقادرون على العمل الميداني في أية لحظة.

وتسرّد سمر من تنسيقية القدموس: نهرب إلى الجبال والوديان لنكتب بعض الشعارات ونرفع الأعلام ونعبر عن رأينا ومن الجيد أن شعاراتنا باتت متداولة بين صفحات التنسيقيات ومواقع الإنترنت عامة، وهو ما جذب الناس نحو تنسيقيتنا وأصبح عدد أعضائها كبيراً... ولم نغفل العمل الميداني خاصة فيما يتعلق بشؤون النازحين والتجهيزات الطبية وكل ما من شأنه خدمة الثورة... يتم اختراق صفحتنا على شبكة الإنترنت في بعض الأحيان إلا أن المشرفين عليها قادرون وبسرعة على إعادة تنظيم العمل وحماية أعضاء التنسيقية.

ومن النتائج الفعلية التي حققتها مجمل تنسيقيات الساحل التوصل إلى حركات ثورية منظمة وتجمعات ثورية خارج نطاق العمل الالكتروني أو حتى العمل المدني البسيط مثل "تجمع ثوار الساحل" و"حركة ثوار الساحل السوري".