بعد تراكمات الغضب التي خلفتها سياسة إدارة سجن صيدنايا القائمة على رمي الفتن بين المعتقلين، وحرمانهم من كل مقومات الحياة..كان لابد من قيام ثورة كرامة تعيد للمعتقلين حقوقهم، ولذلك كان عصيان صيدنايا الأول صباح يوم الخميس 27/3/2008.
السبب المباشر للعصيان هو قطع المياه والكهرباء عن جناح "ب" يسار لمدة 3 أيام، رغم مطالبة المعتقلين للإدارة بوصل المياه على الأقل، لكن إدارة السجن كانت تتذرّع بوجود أعطال فنية، إلا أن تجرأ معتقل أثناء عودته من المستوصف برفقة السجان في حدود الساعة الثامنة مساءً يوم 26/3/2008، على رفع قاطع الكهرباء، وبالفعل وصلت الكهرباء على الجناح.
ولما فشلت إدارة السجن بالتعرف على هوية المعتقل الذي وصل الكهرباء، بدأت باستفزاز معتقلي الجناح "ب" يسار الذين كانوا من ذوي التهم الإسلامية، من خلال شتم الذات الإلهية والدين أمامهم، إضافةً إلى شتم أعراضهم وعوائلهم، كما عاودت قطع المياه والكهرباء عن الجناح، مما أغضب معتقلي الجناح كثيراً، واحتجوا بأن صاروا يدقون جميعاً على أبواب الأجنحة.
يقول الشاهد الملك لـ"زمان الوصل" دياب سرية، محاولاً وصف صوت قرع أبواب المهاجع: يمكنكِ تخيّل مدى ارتفاع صوت قرع الأبواب، عندما يدق عليها معتقلو عشرة مهاجع سويةً!! ويضيف سرية: أنا كنت في الجناح "أ" يسار، وكان صوتهم يصل إلينا بوضوح..
ويبيّن سرية، أنه عندما سأل السجان المعتقلين ماذا يريدون؟ أجابوه: نريد المياه..فرد بشتم الذات الإلهية، ما أوصل غضب وحقن المساجين إلى أقصاه.
وبحسب سرية الذي يتابع مع "زمان الوصل" سلسلة "موت صيدنايا يتحدث"، أدرك السجان بأن الأمر بدأ يخرج عن السيطرة، وسارع إلى طلب المساعد المناوب، وتجدر الإشارة إلى أن مدير السجن علي خير بيك لم يكن مداوماً ذلك اليوم.. ويتابع المعتقل السابق: تنبّه المساعد إلى أنَّ المعتقلين بصدد الانفجار، ولذلك حاول امتصاص غضبهم، ووصل المياه وجلب الكهرباء، وتوعد السجان بالعقاب على شتمه للذات الإلهية..
علي خيربيك... يشعل نار الثورة
يقول دياب: في الساعة السابعة صباحاً استيقظنا، على صوت الدولاب..وعرفنا بعد ذلك أن مدير السجن علم بماحدث مساءً، حيث دخل برفقة 50 عسكرياً والمقدم أديب وعدد من المساعدين، إلى جناح "ب" يسار وصاروا يشتمون ويتوعدون، وأمر بمعاقبة الجناح وتأديب المساجين.
وبحسب سرية، بلغ غضب علي خير بيك أوجه لما علم باحتجاج السجناء، ولذلك صب عليهم جام غضبه قائلاً: كيف تتجرؤن على الصياح بوجه العسكري حتى لو شتم الذات الإلهية؟ لا يحق لكم الرد في وجهه، فهو ممثل الدوله هنا "والدولة بتدوس على أكبر رأس"...
ويشرح سرية كيف أمر خيربيك العسكر بفتح المهاجع كل على حدى وإخراج المساجين الواحد تلو الآخر، ليضعوه على الدولاب، وتبدأ جولة الضرب والتنكيل، وبعدها يتم إيقافه عند الدرج مع بقية زملائه، وينقلون بعدها إلى الطابق الثاني الذي خُصص للعقوبة.
معتقل واحد يكفي لإرهاب مدير السجن!!
لم تستمر العقوبة كما خصص لها خيربيك، فوفق رواية دياب سرية، تمكن معتقل كان مربوطاً على الدولاب، من الإفلات، مستفيداً من أن السجانين اللذين كانا يعاقبانه لم يربطا يديه إلى الخلف بـ"الكلبشة"، فسحب المعتقل القضيب الحديدي الفاصل بين قدميه والدولاب، وضرب به السجانين شالّاً حركتهما، وتوجه إلى زملائه الواقفين عند الدرج، الذين بدأوا عندما رأوه بالتكبير، ودخلوا مجدداً إلى الجناح واشتبكوا مع الشرطة ونجحوا على كثرة عددهم بأخذ مفاتيح المهاجع من الشرطة، وفتحوا الأبواب في جناح "ب" يسار، ثم توجهوا بعدها إلى جناح ج يمين وكسروا قفل الباب وفتحوا أبواب المهاجع في الجناح أيضاً، لينتقل بعدها معتقلو الجناحين إلى الحاجز الفصل بين المسدس والعزل ("ب" يسار، "ج" يمين) وحطموه، واقتحموا المسدس ومنه إلى بقية الأجنحة، كسروا أقفالها وفتحوا الأبواب لزملائهم، وبذلك سيطر المعتقلون على الطابق الثالث بالكامل عندها انتفض السجن وثار جميع المعتقيلن.
وبحسب سرية، توجه قسم من المساجين نحو السطح، وقسم آخر إلى الطابق الثاني وسيطروا عليه في محاولة منهم للسيطرة على السجن بكامله، عندها هرب مدير السجن إلى مبنى الإدارة، وطلب من المساعدين الاتفاق من المساجين المعاقبين بسبب فرارهم من الخدمة العسكرية، ليشكلوا كتلة كبيرة قادرة على مواجهة المساجين الذين كان عددهم يقارب الـ 1300، في حين كان عدد السجانيين الموجودين داخل السجن بحدود الـ 150 فقط، ولذلك أراد خير بيك كسب ولاء "الفرارية"، وفي سبيل ذلك ألقى خطبة عصماء بهم، مدعيّاً أن كل شخص يشارك الإدارة في إخماد الاستعصاء سيكافأ من الرئيس شخصياً بإصدار عفو عنه!!..
وبينما كان المعتقلون في حالة هرج ومرج، بدأت إدارة السجن بإلقاء القنابل المسيلة للدموع عليهم، مما تسبب بالكثير من حالات الاختناق، وكانوا يستخدمون البصل لتفادي أثر القنابل، و يجلسون بوضعية الانبطاح على الأرض لأن الغاز يصعد إلى الأعلى.. كما أطلقت الإدارة رصاصاً بالهواء لإرهاب المعتقلين، ووجهت سبطانات الدبابات الموجودة في محيط السجن نحو المبنى..
النار على السطح.. والقيادة في السجن
ويتابع سرية تسلسل أحداث الاستعصاء: صعد معظم المعتقلين إلى سطح السجن وأنا كنت معهم، كنا نحرق كل ما يقع تحت أيدينا من بطانيات وأكياس وقطع خشب، بهدف إيصال رسالة لخارج السجن، أن وضع السجن غير مستقر، ولإعلام من في الخارج عن وجود عصيان في صيدنايا..
وبحسب دياب سيطر المساجين على الطابق الثاني والسطح واشتبكوا مع "الفرارية" عند الطابق الأول ووقع عدد كبير من الجرحى من الطرفين، ولما بدأت كفة المعتقلين تميل، تراجعت الإدارة وتوقفت عن رمي القنابل المسيلة للدموع وعن إطلاق الرصاص في الهواء، وبدأت بمحاولة استمالة المساجين عن طريق الإعلان عبر مكبرات الصوت أنهم سيلبون كل مطالب المساجين، كما طلبت إدارة السجن تشكيل لجنة من المساجين "العقلاء" لتحدد مطالبهم ليتم تلبيتها.
وعلم المعتقلون بعد ذلك أن إدارة السجن كانت على تواصل مباشر مع القيادة للاتفاق على حل يهدئ السجن، وقدم إلى السجن ممثلون من المخابرات والقصر الجمهوري ووزراة الدفاع، وهم: اللواء سعيد سمور من المخابرات، العميدان خليل الخالد وحسن الحلاق من القصر الجمهوري، اللواء منير أدانوف من الأركان، اللواء فايز حاج صالح من الأمن العسكري وهو ممثل آصف شوكت، حسن دياب من المخابرات..
لقاء بشار الأسد..مطلبهم
يبيّن دياب سرية لـ"زمان الوصل" وهو من زود الجريدة بتفاصيل سلسلة "منسيون في الجحيم" أن المعتقلين وافقوا على عرض ادارة السجن، بتشكيل لجنة تتحدث بمطالبهم على أن تُحقق جميعها، وتم تشكيل لجنة بقيادة
الناشط نزار الرستناوي – تعرفت على قصة قتله لاحقاً -، وشيخ من الإسلامين يدعى سمير البحر.
قابلت لجنة المساجين الضباط الممثلين للجهات الأمنية، وكان أول مطلب لها، الحديث مع بشار الأسد بشكل مباشر، وحسب ما قالت اللجنة بعد ذلك للمساجين، فإنهم قالوا للضباط: نريد ايصال شكوانا إلى الرئيس، الذي عليه أن يعرف كل ما يجري في السجن، كي يعاقب المسؤولين عن إذلال المعتقلين..
ويؤكد دياب أن مفاوضات كثيرة حدثت لتأمين لقاء للجنة مع بشار الأسد، غير أن اجتماع القمة العربية الذي كان مقرراً حينها بعد يومين في دمشق، حال دون ذلك، وفي النهاية وافقت اللجنة على التواصل مع مكتب الأسد، وتسجيل مطالبها عنده..
وبحسب ما قال الرستناوي للمعتقلين، ادّعى علي خير بيك أمام لجنة الضباط، أنَّ سبب العصيان هو محاولة الإدارة حماية المعتقلين غير الإسلاميين من المعتقلين الإسلاميين الذين يريدون قتلهم، كما ادعى خير بيك أن الإدارة كانت تداري المعتلقين الإسلاميين قدر الإمكان إلا أنهم تسببوا بالعصيان لأنهم يريدون ذبح الآخرين، ولأنهم كفرّوا الدولة والنظام وبقية المعتقلين..
كذّب الرستناوي والشيخ بحر ادعاءات خير بيك، وأكدا للضباط أن العصيان ناتج عن الظروف السيئة والضرب والتعذيب والإهانة التي كان يعانيها جميع المعتقلين بغض النظر عن انتماءاتهم، ولذلك صار خيربيك يتوعدهما بعقاب من العيار الثقيل بعد رحيل لجنة الضباط..
كل هذه المعلومات أخبرها الرستناوي للمعتقيلن عندما اجتمع بهم في المسدس، بعد انتهاء المفاوضات بين لجنة المعتقلين ولجنة الضباط والتي استمرت حتى الثالثة مساءً، وقالا بأنهما أخذا وعداً من الرئيس بزيارة السجن، وبأن مطالب السجن كلها ستنفذ، وبأن بشار الأسد أصدر قرارا بمنع ضرب أو تعذيب أي معتقل..
ويؤكد سرية أنه صار وبعض عقلاء السجن يحاولون تهدئة بقية المعتقلين، وطلبوا منهم الانضباط وعدم إشعال الحرائق على السطح، والتوقف عن تكسير السجن وتهديم جدرانه لأن المعتقلين كانوا يفتحون الأجنحة على بعضها..
ويشير سرية أنه وبعض زملائه أقنعوا المعتقلين بإعادة ترتيب السجن وتركيب أبواب الغرف التي انتزعها المعتقلون، وإعادة الحال إلا ما كان عليه.. ويقول: بدأنا بتسليم السجن للإدارة، التي حل فيها ضباط جدد من الشرطة العسكرية عوضاً عن الضباط القدامى الذين ساءت العلاقة بينهم وبينهم المساجين..
ويضيف: هذه الأحداث صارت خلال يوم واحد 27 آذار، وفي اليوم التالي أجرت الإدارة تفقداً وأغلقت أبواب المهاجع..
إلا أن هذا اليوم كان حسب سرية، كفيلاً بكسر حاجز الخوف عند المعتقلين، خاصة أن الشرطة العسكرية صارت لطفية جداً مع المعتقلين، وبات من الصعب على المعتلقين الاعتياد على طعم الذل مرة أخرى!.
في 28/3 استلمت الإدارة السجن، و بدأت بإعادة بسط سيطرتها عليه، والتزمت بعدم معاقبة أحد..
طرد العواينية
خلال يوم الاستعصاء، طرد المعتقلون "العواينية" من المهاجع بطريقة مذلة جداً، ويذكر سرية أسماء بعضهم: - تتحفظ "زمان الوصل" على ذكر أسمائهم -، الذين رغم أنهم كانوا من "زلم" إدارة السجن إلا أنها تخلت عنهم عند الاستعصاء.
ويشير سرية إلى أن إدارة السجن وضعتهم بالطابق الأول، ومن القصص المضحكة التي يذكرها دياب للإشارة إلى مدى فقدان إدارة السجن لهيبتها، أنهم عندما أخرجوا العوايني أبو عبير من مهجعهم سألوا السجان: (وينو علي؟) أي علي خير بيك مدير السجن، أجاب السجان، أنه في الشرطة العسكرية مطلوب للتحقيق، فدفع المعتقلون بأبي عبير نحو السجان، وطلبوا منه إعطاءه لخير بيك كونه من "زلمه"!
علبة سردين ونعل حذاء
حول معتقلو سجن صيدنايا علب السردين إلى سخانات لتدفئة المياه، ويصف المعتقل السابق كيف كان المعتقلون، يقسمون علبة السردين إلى نصفين موضوعين مقابل بعضهما، يصل بينهما كاوتشوك مأخوذ من نعل حذاء أو غطاء علبة كولا إن توفرت، ويتم وصل علبة السردين بسلك كهربائي، ويشير سرية أنهم كانوا يسرقون السلك من غرفة العساكر أو يسحبون الأسلاك الكهربائية الموجودة في المهجع الغرفة ويستفيدون من نهاياتها..
قائمة مطالب المعتقلين
1- تحويل جميع القضايا إلى القضاء العادي وإيقاف العمل بأحكام المحكمة الميدانية ومحكمة امن الدولة العليا
2- تحويل المعتقلين إلى السجون المدنية
3- فتح الزيارة لغير المحكومين وتسريع مدة المحاكمة
4- تحسين نوعية الطعام والشراب
5- إيقاف الضرب والتعذيب بالسجن إضافة لإيقاف الضرب والتعذيب بالأفرع الأمنية وإلغاء فترة المنفردات
6- وزيادة فترة التنفس
7- تحسين الطبابة والعلاج
كما طالب المعتقلون باحترام الأهل القادمين لزيارتهم، لأن إدارة السجن كانت تتقصد ذل الأهالي والإساءة لهم، كما كانوا يجبرون الأهل على المشي لمسافة 3كم، قبل الوصول إلى السجن..
ويوضح سرية لـ"زمان الوصل" أنهم في إحدى المرات طالبوا خيربيك بتأمين باصات لنقل الأهالي إلى داخل السجن لأن الكثير منهم من المسنين ويصعب عليهم المشي بالبرد والحر..إلا أن خير بيك كان رده: يجب على الأهالي تحمل نتيجة سوء تربيتهم لكم.."لو ربوكون منيح ماكنتوا هون"..
لمى شماس - بالتعاون مع سجين سابق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية