قبل البدء بمتابعة أحداث الحلقة الأولى، لابد من التنويه إلى الاسباب التي منعت المعتقلين من الهروب من سجن صيدنايا، خلال العصيان..والسبب وفق ماأكد سرية، أن النظام محصن سجن صيدنايا عند السور الأول المحاذي للشارع العام، والسور الثالث المحاذي للسجن بألغام متنوعة بين ألغام فردية وألغام دبابات.
ومن حق القارئ هنا أن يسأل؛ كيف تمكن سرية من معرفة أماكن الألغام؟ الجواب وفق المعتقل السابق أن معظم المناطق الملغمة محاطة بشبك عالي ويتحاشاها العساكر والحرس، وأن الكثير من الإصابات بين العساكر حدثت في المناطق غير المسورة بشبك.. إضافة إلى أن إدارة السجن، كانت تؤجر أراضي السجن في موسم الربيع للرعيان، ولذلك كانت العديد من الأغنام تلقى حتفها بسبب اقترابها من المناطق الملغمة، حيث يغري العشب الطويل وغير المهذب الأغنام..ويشبه دياب سرية، حالة سجن صيدنايا بالقمع، الذي رغم اتساع قاعدته، لايوجد سوى طريق ضيق للمرور فيه، فأسوار صيدنايا الواسعة كلها ملغمة، والمرور منه وإليه عبر طريق ضيق..
أما الخندق الملون في الصورة التوضيحية باللون الأصفر، فهو وفق دياب سرية من صنع إدارة السجن، التي حفرته بعمق 7 أمتار وطول 300 متر، لإحباط عملية الهروب التي حاول المعتقلين تنفيذها خلال العصيان، من خلال حفر نفق من جناح ب يمين يمكنهم من الهروب إلى خارج السجن من تحت حقول الألغام، يوجد عدة خناذق أخرى في السجن..
ويؤكد سرية على وجود 6 دبابات، وعربتين BMB هي من ملاك السجن،الذي تحرسه من الخارج الفرقة الثالثة، ومن الداخل السرية الداخلية التي تتكون من الشرطة العسكرية حصراً، وكذلك حال الحرس المتوزعين على أسوار السجن وابوابه..
البناء الثاني لسجن صيدنايا، وهو بناء حديث أنشئ في فترة التسعينات، مخصص للمعتقلين من الضباط وصف الضباط الذين تكون قضاياهم جنائية أو عسكرية، وهم يتمتعون بمعاملة جيدة.
أمير إسلامي يفتي بقتل "كفار" صيدنايا
يُعتبر تاريخ 7 -12-2005 ، مفصلي في حياة السجناء، اللذين حسب ما رووا لدياب سرية، استيقظوا في الجناح "ب" يمين طابق ثاني، على صرخات استنجاد المعتقل الأردني فيصل سعيد، بعد أن باغته السجين أبو سعيد الضحيك، وهو نائم بضربة كادت تفقده حياته، لولا أنه كان واضع رأسه تحت الوسادة، إلا أن فيصل لم يكن وحده ضحية "الضحيك" ، فقد وجد السجناء، المعتقل " عبد العال" الملقب بـ"اليهودي" مضرجاً بدمائه ومصاباً بكسر في الجمجمة، والمعتقل ياسر الملقب بـ "طبوش" فاقداً للوعي بعد أن ضربه "الضحيك" بماسورة المياه المعدنية -التي سرقها من باحة السجن - على رأسه، ما أدخله في غيبوبة لم يصح منها إلا قبل دقائق من وفاته أثناء نقله إلى مستشفى تشرين العسكري.
وتبيّن بعد التحقيق، أنَّ الضحيك قطع الكهرباء عن الجناح قبل تنفيذ جريمته، بواسطة إدخال سلك في المخرج الكهربائي للجناح، بعد أن افتى أمير "المجموعة" أبو حسين زينية، حسب رواية إدارة السجن، بقتل ياسر وفيصل وعبد العال، بعد أن ثبت جهارهم بالكفر والمعصية..ويبين سرية أن محاكمة السفلين المتهمين بتشكيل إمارة لم تنتهي محاكمتهم حتى تاريخ إندلاع العصيان.
عقوبة جماعية على جريمة "الضحك"
يقول دياب سرية: دخلت سجن صيدنايا، في الفترة العقوبة الجماعية، في 26-4- 2006، ورغم أنني عندما وقعت الجريمة كنت خارج السجن فإنني خضعت للعقوبة، التي بسببها، صار بروتوكول الاستبقال في السجن، يبدأ بما يعرف باسم "قطار الفرح"، وهو عبارة عن إمساك السجناء الواحد منهم بخصر الآخر وهم خافضي الرؤوس، ودورانهم في السجن وهم يتعرضون لكل أشكال التعذيب.
ويضيف: بدأنا أنا وزملائي شباب "شمس" الدوران في قطار الفرح حوالي الساعة العاشرة والنص صباحاً، تلاه دولاب الاستقبال، وهو الضرب على أسفل الرجل بكبل الدبابة ( فلقة )، و كان نصيب كل واحد من مجموعتي يقارب الـ 600 كبل أو يزيد لبعض منا ، مقسمة على جولتين أوالثلاث.
ويشير سرية أن التعذيب استمر لما بعد الخامسة مساءً.
بعد الاستقبال تبدأ مرحلة المنفردات التي هي أقرب ماتكون إلى القبر، وبعدها مهاجع العزل، التي يبقى فيها السجناء غير المحكومين إلى أن يصدر الحكم بحقهم..ويبيّن سرية أنَّ جلسات محكمة أمن الدولة تتراوح عادة بين الأربع والخمس جلسات، ويفصل بين الجلسة والأخرى عدة أشهر، ولذلك قد تصل مدة المحاكمات إلى ثلاث سنوات، ويقضي السجين هذه الفترة تحت العقوبة، ويتابع: لم يصدر الحكم بحقي أنا وشباب "شمس" قبل عام ونصف من اعتقالنا.
ويصف سرية أجنحة العزل، بأنها اسم على مسمى، إذ لايوجد أي تواصل يربط السجين بالعالم الخارجي، أو بالمهاجع الأخرى، وفي كل مهجع يوجد بين 16-20 سجين، لكل سجين رقم يُنادى به، ويحظر على المعتقلين استخدام اسماؤهم الحقيقية.. وفمثلاً كان اسم دياب" 5د2006"، وعندما يتجاوز السجناء هذه التعليمات الروتينية، كان المخبرون "العواينية" يكتبون بهم تقارير أمنية.
وكانت إدارة السجن قد حولت السجناء السلفيين اللذين شكت بتورطهم، في الجريمة، إلى المنفردات في قبو السجن، ووجهت تهمة تشكيل محكمة شرعية أفتت بالقتل، إلى كل من: سعيد بكري حميدو من حلب ، أبو مسلم فلسطيني لبناني ، محمد هاني الجبان من دمشق، أبو حسين زينية من مدينة التل/ريف دمشق، بعد أن انتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب.
وفتح المعتقلون بعد هذه الجريمة، صفحة جديدة من حياتهم التي تحولت إلى جحيم، ففي أجنحة العزل التي أُنشأت خصيصاً لتطبيق العقوبات، كانت تُمارس أشد أصناف التعذيب والإذلال بحق السجناء، بدءاً من منع الزيارة لغير المحكوم، وصولاً إلى الحرمان من فترة التنفس (الخروج إلى الباحة)، مروراً بمنع شراء المواد الغذائية و الاحتياجات أخرى.
كما أن الطعام الذي يقدم للسجناء، لم يكن يكفي سوى لخمسة منهم، إضافة إلى قطع المياه طوال الأسبوع إلا ساعتين يوم جمعة..
ويشير سرية، إلى أن معقلي سجن تدمر صاروا يتذكرون أيامهم التي اعتقدوا أنها أنطوت، فالطعام على قلته كان يقدم بنفس طقوس سجن تدمر، حيث يجبر أحد سجناء المهجع على تعبئة الطعام المغلي بيديه لزملائه خلال 10 ثواني، وعلى إيصال الإناء أو "البلو"-كما يسميه السجناء- إلى المهجع الثاني خلال 3 ثواني أيضاً..
ويقول سرية: حُرم المعتقلون من وجبة اللحم الأسبوعية، رغم أنه لم يكن يصل منها سوى العظم والأجزاء التي ترفع المساعدين والعساكر عن سرقتها، وكذلك من وجبة الحلويات المكونة من تفاحة أو برتقالة لكل ثلاث مساجين.. ويضيف: كان طعامنا في الصباح ثلاث أو خمس زيتونات ورغيف خبز والقليل من اللبن، وعلى الغداء أرز أو برغل، وحساء أحمر من المفترض أنه مطبوخ مع أحد الخضار الموسمية!.
يحصل سجناء العزل في أحسن الحالات على لتر مياه في اليوم، يُستخدم للشرب والاستحمام والمرحاض، وكي يحل المعتقلون معضلة الاستحمام، كان كل ثلاث أو أربع مساجين يجمعون حصصهم الأسبوعية من المياه، ليستحم كل اسبوع واحداً منهم.
ويحكي سرية كيف توفي سجين لبناني الجنسية يدعى "بشير" في العزل، بسبب جلطة قلبية، رغم أنهم قرعوا الباب كثيراً، ولكن السجنانين لم يستجيبوا لطلبهم بإنزال المريض إلى المستوصف الموجود في الطابق الأول، وعندما قال المعتقلين للسجانين أن "بشير" توفي قالواو لهم: ليش ما دقيتوا الباب!!..
ويوضح سرية سبب تطبيق العقوبات على السجناء غير المحكومين، أن أبو سعيد الضحيك كان غير محكوماً عندما ارتكب جريمته، ولذلك تنتهي عقوبة السجين بمجرد صدور الحكم عليه، ويسمح له عندها بالتلفزيون وبالزيارة وغيرهما من رفاهيات السجن، وكان لؤي يوسف يقسم فترات السجن إلى نار:قبل الحكم، وجنة: بعد الحكم.
استمرت سياسة العقوبات من 2005 حتى وقوع العصيان في 2008، نتيجة ارتفاع وتيرة الضغط والتوتر بين المساجين..
أول حادثة هروب من السجن..و"زلم" علي خير بيك
بحسب شهادة سرية، في حزيران 2006، هرب أحد المساجين الجنائين؛ وهو من العساكر الفارين من الخدمة الإلزامية ممن تتم معاقبتهم بتأدية الخدمات العامة في السجن، ويطلق عليهم اسم "سخرة" أو"البلدية"، بعد أن اختبئ بين أكياس الطحين الفارغة، مستفيداً من أنه كان يقضي محكوميته عاملاُ في المخبز الموجود في الطابق الأرضي ج يمين، وبالتنسيق مع سجين آخر زميل له، تمكن السجين من الهرب رغم التفتيش الشديد، حيث أن الحرس يغرسون الحراب في أكياس الطحين الفارغة، وبسبب هذه الحادثة، عُزل لؤي يوسف، وتم تعيين مدير جديد للسجن اسمه، علي خير بيك، في الشهر الثامن للعام نفسه.
اتسمت سياسة علي خير بيك، بإطلاق العنان للمخبرين "العواينية" اللذين هم مساجين جندتهم إدارة السجن لكتابة تقارير عن المساجين بشكل سري، غير أن خير بيك أعلن اسماء العواينية صراحةُ، ووصفهم بـ "زلمه"، حتى أنه أخذ صلاحيات السجين المنتخب والمعين من قبل المعتقلين "رئيس غرفة" ومنحها "للمخبرجي"، وفعل ذات الشي مع رؤساء المهاجع.
فبينما كان السجناء يختارون السجين المقرب من الجميع وذو الصفات الحكيمة ليكون رئيس غرفة أو رئيس مهجع ينظم الأمور ويتحدث باسمهم أمام المساعدين، عيّن المدير الجديد "العواينية" رؤساء وصاروا يتحكمون بالسجناء بشكل تعسفي.
كما كان خيربيك ، يحول السجين إلى فرع الأمن الذي اعتقله إذا ما ارتكب أي مخالفة، وكان الأمن مستهدف الإسلاميين في تلك الفترة بصورة خاصة، ومن هذا المنطلق لفق المخبرين الكثير من التهم لمعتقلين لم يكونوا محكومين وبالتالي صار عليهم قضيتين؛ قضيتهم الاساسية والملفقة.
ويوضح سرية: رجوع السجين للأمن يعني تعرضه لدورة الضرب والتعذيب من جديد.
ويروي سرية، كيف تعرض هو وزملائه إلى عقوبة بسبب مخبر المهجع محمد السباعي، يقول: علق أحد المعتقلين الأكراد من باب المزاح: "لما يصير عنا كردستان، رح ناخد دير الزور معنا"، فرد عليه أحد السفليين: "رح وافق بشرط تعترف أنني أمير الجولان"، وصرنا كلنا نضحك ونشارك في الحديث.
ويضيف سرية: بعد أن نام الجميع شعرنا بأن السباعي يكتب، وعندما أردنا معرفة ماذا يكتب، تأكدنا أنه يفبرك لنا تقريراً، فضربانه ومزقنا التقرير، ولما علا صراخه واستنجاده بالسجانين تم إخراجه من المهجع، واشتكى علينا لمدير السجن، وبالفعل أنزلت علينا العقوبة كنا ثمانية تم تعذيبنا وضربنا ومن ثم وضعنا عدة ايام في المنفردة..وجاء في تقرير السباعي أننا نخطط لتقسيم سوريا إلى إمارات سلفية وأقاليم كردية!
ويشير سرية إلى أن المخبرين كانوا يستفزون المعتقلين بأمر من المدير، الذي نصبهم الآمر الناهي في المهجع فالمخبر كان يأمر بالصمت أو بإخفاض الصوت..إلخ
ومن الإجراءات التي طبقها خير بيك على المساجين، تحديد إغلاق باب المهجع -الذي كان يبقى مفتوحاً للتنفس طوال النهار- بعد انتهاء الدوام الحكومي، أي يُغلق الباب عند الثانية ظهراً، وحدد المدير عطلة للباب لا يُفتح فيها هي نهارين الجمعة والسبت.
كما حدد موعد لقطع الكهرباء؛ في الخامسة مساء حتى اليوم التالي،و صارت حصة السجين من المياه اليومية أقل من نصف لتر.
يقول سرية: كنا نشعر أن السجن سيثور في أي لحظة، لأن الوضع لم يكن يُحتمل.
أبو خالد كلاش..أبو أحمد دق الباب
- بسبب كثرة المساجين وتشابه أسماؤهم، لاينادي المعتقلون بعضهم بأسمائهم الحقيقية، إنما تضاف لتمسية أبو فلان صفة مميزة كعلامة فارقة للشخص، فمثلاً كان لقب أحد المعتقلين "أبو خالد كلاش"، لأنه كان يرتدي "كلاش ديري" جديد كلما وصلته زيارة من أهله، ومن الألقاب المضحكة أيضاً "أبو أحمد دق الباب"، اكتسب هذا اللقب لأنه في أحد المرات كان يشكو من وجع شديد في ضرسه، فصار يدق باب السجن مستنجناً بحبة مسكن، وعلى الرغم من أنَّ السجان هدده أكثر من مرة إن لم يتوقف عن قرع الباب، إلا أن أبو أحمد استمر حتى أخرجه السجان، وضربه ضرباً مبرحاً، ولم يعطه حبة مسكن..وعندما حاول المعتقلون إثناءه عن قرع الباب قال لهم: رح موت من الوجع..بدي دق الباب ليفتحوا حتى لو أكلت قتلة.. ومنذ تلك الحادثة صار اسمه "أبو أحمد دق الباب"، كما لُقب السجين "عبد العال" الذي ضربه الضحيك باليهودي، لأنه كان يشتري إحتياجات المعتقلين من المساعدين ويعيد بيعها لهم بأسعار باهظة.
كان لقب أحد المعتقلين أيضاً أبوأحمد راديو، لأنه كان يقوم بإصلاح أجهزة الراديو للمساجين.
- الدكتور سيتامول.. والدكتور ديكلون
يوجد في الطابق الأرضي ج يمين، مستوصف فيه عيادة سنية وعيادة عامة، يداوم في المستوصف أطباء يقضون خدمتهم الإجبارية في تطبيب السجناء، كان المعتلقين يلقبون أحد الأطباء بـ"الدكتور سيتامول" لأن حبة السيتامول هي العلاج الوحيد الذي يوصفه لكل الحالات، والطبيب الآخر كان اسمه عند المساجين "الدكتور ديكلون" لأن يوصف إبرة المسكن ديكلون لكل المرضى، ولاشك أن سعيد الحظ بين المساجين من يعالجه الدكتور ديكلون، بسبب فعالية الإبرة مقارنة بحبة السيتامول.. وبحسب دياب، أسر أحد الأطباء، للمساجين بأنه يرغب بعلاجهم بشكل حقيقي، ولكن لايوجد في حوذته دواء.. لم يجرؤ الطبيب على البوح بأن المساعدين كانوا يسرقون الدواء، إلا أن المسألة واضحة.
ادلع يا كايدهم
يطلق السجنانون على كبل التعذيب ألقاباً يكتبونها عليه، وكانوا في بعد الأحيان يرددون اسماء الأكبال ويغنونها بطريقة استهزائية أثناء تعذيبهم.
فأحد الأكبال كان اسمه، حسب دياب سرية "ادلع يا كايدهم"، والكبل الآخر "لو بإيدي ما خليك تمشي".
لمى شماس - بالتعاون مع سجين سابق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية