مثل كثير من السوريين الذين يهربون من الحرب، كان سامي متلهفا للهروب من القنابل وقذائف المدفعية المنهمرة على قريته، لكنه بدلا من أن يفر بعائلته إلى بلاد أخرى، اختار أن يلجأ وإياهم إلى "بطن الأرض".
وخلال الشهور السبعة الماضية، عاشت العائلة ضمن "غرفة" نحتت في صخرة من صخور جبل الزاوية، وزينت جدرانها بزخرفة عربية وكوات.
سامي البالغ 32 عاما، والذي يعمل حجّارا، يعتقد أن "بيته الجديد" كان ضريحا رومانيا، فتصميمه يوحي بلاشك أنه مخصص ليكون قبرا.
على امتداد الشمال السوري، ثوّار وجنود ومدنيون يستثمرون ثروة بلادهم من بقايا وآثار القرون الوسطى بغرض حمايتهم، حيث يتميز بنيانها بالحجارة السميكة التي قاومت عوادي قرون طويلة من الزمن، فضلا عن أن معظمها يقع في أماكن حساسة تشرف على البلدات والطرق.
يصف سامي حياة الكهوف بأنها صعبة، وأن أصعب ما فيها انعدام الكهرباء والماء الصالح للشرب، مضيفا: نذهب يوميا إلى الطبيب للكشف على أطفالنا، وابنتي عبير ذات الشهرين أصيب بمشاكل تنفسية مزمنة.
لكنّه يعتبر الأخطار الصحية ومصاعب حياة الكهوف أرحم من حياة الرعب والقتل فوق سطح الأرض، فمع سيطرة قوات النظام على السماء فإن أي لحظة يمكن أن تشهد قصفا بالطائرات، وهكذا فإن خيار الكهف يبقى الأمل الوحيد أمام سامي، على الأقل لحين سقوط النظام.
الآن نحتمي بها
مقاتلون من كلا الجانبين (النظام والمعارضة) يستعملون تحصينات من القرون الوسطى بشكل لافت، وعلى سبيل المثال فإن بلدة حارم المتاخمة للحدود التركية شهدت قتالا عنيفا من قبل الثوار في ديسمبر/كانون الأول، لطرد قوات النظام من قلعة البلدة، التي سبق للبيزنطيين وحلفاء صلاح الدين والصليبيين أن احتلوها وتحصنوا بها.
أما في بلدة معرة النعمان، فقد أقام الثوار مقرهم العام في بناء يعود للقرن السابع عشر، تم تخصيصه كمتحف للمدينة، وتبدو جدران البناء صامدة في وجه هجمات يومية بالصواريخ وقذائف الهاون، لم تصمد أمامها أبنية حديثة تجاور هذا الصرح القديم!
مقاتل شاب في جبل الزاوية عرف عن نفسه بلقب "أبو محمد" قال بأن سكان بلدات الجبل لم يجنوا سوى القليل من الفوائد التي كانت تأتي عن طريق السائحين وزوار آثار المنطقة.. وذلك في فترة ما قبل الحرب، حيث كانت قوّات أمن النظام تطرد أي أحد يقترب من هذه المواقع، وكان الأهالي يحاذرون الاقتراب مخافة اتهامهم بنهب الآثار، ما يعني اعتقالهم وتعذيبهم بعنف.
ويختم أبو محمد وهويشير إلى كهف يتخذه ملجأ: كنا نخشى المرور قرب هذه الأوابد، ولكننا الآن نحتمي بها.
ترجمة: زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية