عندما نسمع أن كلفة احتفالات رأس السنة في دبي بلغت ٤٠ مليون دولار أو أن المكافآت التي انهمرت من رجال الأعمال في الإمارات للاعبي كرة القدم الذين فازوا بكأس الخليج قد بلغت عدة ملايين لكل لاعب وأن الإقامات مغلقة في وجه السوريين وأن بشرى الأسد وأولادها في دبي وأنه تم استبعاد بعض الناشطين المتظاهرين، وأنها لا تسمح بحملات تبرع يقيمها النشطاء لإغاثة أهلنا المنكوبين، يتساءل الكثيرون في تعليقاتهم الحادة على صفحتي، والتي أحذف الكثير منها، وكذلك بعض أصدقائي وأقربائي، هل الحكومة والشعب الإماراتي معنا؟
١- الإمارات دولة غنية وقد حققت خلال ٣٠ سنة من العمل الدؤوب والذكي والبعيد عن الشعارات الفارغة، تقدماً هائلاً في كل المجالات، بما فيها تنويع اقتصادها لكي لا يبقى معتمداً بشكل كامل على البترول... من معجزات هذا القرن أن تتحول دولة صحراوية ذات طقس حار في أغلب الأوقات، وفقيرة بالآثار التاريخية والغابات والجبال، إلى إحدي أكثر الوجهات السياحية في العالم، وحلم الكثيرين ليس من العرب فحسب، لا بل من الأوروبيين من الأطباء الذين يكتبون لي يومياً طامحين في العمل فيها والإقامة بها.
٢- صرف الهلال الأحمر الإماراتي في العام الماضي ١.٢ مليار دولار معظمها لإغاثة الشعب السوري في الأردن. هذا يفوق ما تم صرفه من دول العالم مجتمعة.. وإنفاقهم ذكي وموجه ومضبوط وموثق إلكترونياً للتقليل من السرقات والإزدواجية في المساعدات.. شاهدت بأم عيني مستودعاتهم في الأردن المليئة بصناديق الإغاثة التي تبرع بها رجال الأعمال الإماراتيين والحكومة. كما اجتمعت بفريقهم المؤلف من ٢٥ إماراتي والذي يقوم بتوزيع السلل الغذائية والبطانيات بشكل منظم ودقيق بدون الإعتماد على الوسطاء.. و زرت مستشفاهم الميداني القريب من مخيم الزعتري والذي لم أرى أي مشفى ميداني مماثل له في التنظيم والإدارة. كما أنهم يرسلون فرق متخصصة تطرق الباب على البيوت لدراسة الحالات التي تحتاج للمساعدة في دفع فواتير الآجارات والكهرباء. التقدم الهائل في العمل الإداري والتخطيط والتنظيم والأتمتة الذي حققته الإمارات في أغلب مؤسساتها الحكومية قد قلل من الفساد والبيرقراطية وانعكس على عمل مؤسساتها الإغاثية الئي سبقت به نظيراتها لا في الخليج وحسب ولكن في منظمات عريقة في الدول الغربية.
ليس للإمارات حرية في التصرف داخل الأردن وعليها أن تعمل في أغلب الأوقات من خلال المؤسسة الهاشمية الخيرية والهيئات الأردنية الأخرى وهي تدفع برحابة صدر حوالي ٢٠ بالمئة في أغلب الأحيان على الأدوية والمواد الغذائية التي تشحنها إلى الأردن، هذا إذا كانت مطابقة للمواصفات المعتمدة من قبل مؤسساتها... من الصعب شحن تبرعات رجال الأعمال من حليب الأطفال أو اللحوم المعلبة كالمرتديلا ويفضل شراؤها محلياً.
٣- الشعب الأردني والفلسطيني في الأردن متعاطف جداً مع شعبنا.. لمست ذلك أينما ذهبت سواء من المسؤولين في الحكومة أو أصحاب المحلات التجارية أو موظفي الإستقبال في الفندق أو العاملين في المطار أو سائقي التكسي.. الإقتصاد الأردني والحكومة الأردنية تعتمد على المساعدات الخارجية.. لقد لمست الفقر ليس فقط في الريف الأردني لا بل حتى في البيوت العشوائية داخل عمان. كما لدى الأردن هواجس أمنية بسبب خوفها من تصدير أزمة اللاجئين في الزعتري إلى المدن الأردنية من خلال شبيحة وعملاء نظام المافيا السوري ( لذلك لا يسمح بمغادرة المخيم إلا من خلال كفيل أردني)..
٤- مخيم الزعتري مقبول للإقامة المؤقتة وليس للإقامة الطويلة.. أغلب السكان من الأطفال الذين اعتادوا على التسول لشراء السيكارة أو الحلوى.. هنالك ستة محلات للصرافة في المخيم حيث يوزع كل من يزور المخيم الكاش بمختلف العملات!!.. ولكن لا ملاعب للأطفال ولا تعليم.. ولا برامج للإستفادة من العمل التطوعي للمقيمين في المخيم (كالتدريس مثلاً) مقابل بعض المكافئات النقدية التي يحتاجونها لتغطية نفقات الموبايل أو شراء الفواكه وما شابه..
٥- مخيم الزعتري كارثة لا تتحمل مسؤوليته دولة معينة.. اختيار المكان كان خاطئاً (تم اختياره من قبل لجنة شاركت فيها الأمم المتحدة).. البنية التحتية سيئة ولا يوجد تواليتات وحمامات كافية ولا يوجد في الخيم مطبخ أو طاولة أو كرسي والطعام متوفر ولكنه سيء النوعية ويعتمد على الرز والتشيبس والمحفوظات حيث لا يوجد أي مجال للطبخ.. مع قلة اللحوم والحليب والخضار والفواكه.. الحل هو في نقل المخيم إلى مكان آخر واستبدال الخيم بالكرفانات... تبرعت الإمارات مؤخراً بإقامة مخيم جديد يبعد ١٥ كم عن الزعتري وغطت مصاريف البنية التحتية والكرفانات بتكاليف بلغت ٤٩ مليون درهم، والعمل جاري لإتمام هذا المشروع في الأسابيع القادمة.. ستستمر الأزمة إذ دخل الأردن عشرة آلاف نازح جديد خلال الأربعة أيام الماضية.. كلما زادت إنتصارات الجيش الحر كلما زاد استهداف المدنيين.. أغلب الخبراء العسكريين والقادة على الأرض يتوقع للأزمة أن تدوم ٣-٦ أشهر.
٦- إستقبلت الإمارات آلاف السوريين لدرجة أن أسعار الشقق والآجارات قد ازدادت ١٩ بالمائة في سنة واحدة... موضوع الإقامات له أبعاد أمنية واجتماعية واقتصادية..السياسات الأمنية تتم بالتنسيق مع جميع دول الخليج من خلال مجلس وزاري مشترك. ومع ذلك تستقبل الإمارات أمهات وآباء المقيمين (وهذا أمر سبقت به السعودية والكويت وقطر).. كما أصدرت مؤخراً قرارآً بتمديد الإقامات بشكل أوتوماتيكي حتى لمن انتهى العمل بجوازات سفرهم وإعفاء المخالفين من الملاحقة والغرامات...
٧- تسهيل قدوم نساء الأسد وبعض رجال الأعمال المشتركين معه إلى الإمارات هو في رأيي الشخصي لصالح شعبنا، إذ قد يكون من الأسهل بعد سقوط النظام تنفيذ أوامر أية محكمة ذات شرعية بحجز الأموال، مما إذا كانت الأموال في روسيا أو سويسرا.. رغم أننا سنلاحق المجرمين أينما كانوا ولو بعد حين.
٨- هنالك صندوق مخصص للإغاثة السورية من خلال الهلال الأحمر الإماراتي وبإمكان المتبرع من أية جنسية تحديد وجه الإنفاق (إغاثة طبية أو غذائية أو بطانيات وماشابه) ويمكن لأي شخص استعماله منعاً للسرقات المنتشرة في العمل الإغاثي غير المصرح والتي عانينا منها كثيراً ومنعاً لاستخدامها في دعم منظمات إرهابية.
٩- الشعب الإماراتي والعاملين في مؤسسات حكومته وخاصة في الهلال الإماراتي متعاطف جداً معنا، لا بل يتصرف وكأن المصيبة هي مصيبة شعبه، لا شعباً يبعد عنه ٢٠٠٠ كم.. وهو شعب محافظ ويعمل بصمت ولوجه الله ولا يحب التفاخر بما يقدمه. هذا لا يعني أن نكافأه بإنكار الجميل أو بالسكوت عن إسائة غير العالمين بتفاصيل ما يحدث أو المغرضين ممن لهم مصلحة بتسميم الأجواء والمحبة بين شعبينا.
١٠- إنفاق الإمارات ودعمها كان ومازال غير مشروط وغير مرتبط بأي أجندة سياسية أو تدخل في أمورنا الداخلية في المعارضة، بخلاف الكثيرين مما يدعون بأنهم "أصدقاء سوريا"... الإمارات تمثل الأصدقاء الحقيقيين في سلة ممزوجة من الأصدقاء والأعداء مما أسميه "أعدقاء سوريا"...
١١- هنالك الكثير من المبالغة والمعلومات المغلوطة بقصد أو عن غير قصد والتي تتناقلها الألسنة ومواقع الإنترنت الإجتماعية والإعلام. كثير من المتسلقين أو المتحمسين خارج المجال الطبي يعملون في الإغاثة الطبية ويدلون بمعلومات غير صحيحة ويسيؤون للعمل الإغاثي رغم حسن نيات الكثيرين منهم.
على من يشك بشهادتي أن يفعل ما فعلته.. أن يتحرى مباشرة من آلاف العائلات من أهلنا في إربد والمفرق والرمثا والزرقاء ويزور مخيم الزعتري ويجلس مع الأمهات والأطفال ويستمع لأطبائنا العاملين في الأردن والبالغ عددهم ٢٠٤ طبيباً، لا أن يتهجّم ويكفّر ويشتم ويخوّن ويسيء لقضيتنا وينعق بما لا يفقه.
رئيس اللجنة الطبية لمجلس الأعمال السوري للإغاثة والتنمية*
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية