في تحليله للحالة المصرية الراهنة لا ينطلق الكاتب المصري نبيل عبد الفتاح من يقين ولا يسمي ما جرى في مصر -بعد إنهاء حكم الرئيس السابق حسني مبارك قبل نحو عامين- ثورة أو انتفاضة لانشغاله بطرح أسئلة لتحليل ما يطلق عليه "العمليات الثورية" وتفاعلاتها في العالم العربي.
فمنذ عامين نجح التونسيون في خلع رئيسهم السابق زين العابدين بن علي ولم يصمد نظام مبارك أكثر من 18 يوما أمام حشود الغاضبين الذين منحوا ثقة لقوى الربيع العربي فأصابت عدواه الأنظمة في ليبيا واليمن ومازال نظام الرئيس السوري بشار الأسد يواجه انتفاضات في عموم البلاد منذ 22 شهرا.
ويرى عبد الفتاح في كتابه (النخبة الثورة) أن "الحالات الثورية" العربية مازالت غامضة وتحتاج إلى وقت لاستيعاب ما أحاط بها من ظواهر ومتغيرات وأدوار لقوى خارجية وتفاعلات قوى محلية في ما انتهت إليه الأمور بعد "اللحظة الثورية" التي يقول إنها لم تنضج في مصر بقدر كاف لاستقطاب قوى اجتماعية أكبر تحول دون انكسار المسار الثوري.
ويسجل أن كتابه يتناول "الصراع الضاري" الذي شهدته مصر حول طبيعة الدولة ونمط الحياة المعاصر وتباين التصورات عن علاقة الإسلام السياسي بالدولة وتسابق فصائل من الإسلاميين للنطق باسم الإسلام والتحرر مما يصفه بالأساطير ومدائح الذات القومية والاختلالات في تركيبة النخبة ونسيج الدولة.
ويصف عبد الفتاح كتابه بأنه شهادة بحثية ونقدية على حالة تحول سياسي واجتماعي وديني وثقافي لا تخلو من إعاقات في ظل صراع ظهر على السطح بعد خلع مبارك يوم 11 فبراير شباط 2011 بين نخب يقول إنها محدودة الكفاءة والخيال.
وتجسد هذا الصراع في الدستور المثير للجدل والذي أجري عليه الاستفتاء الشهر الماضي.
والكتاب الذي أصدرته دار العين للنشر في القاهرة هذا الأسبوع يحمل عنوانا فرعيا هو (الدولة والإسلام السياسي والقومية والليبرالية.. سياسات التحول في مصر) ويقع في 454 صفحة كبيرة القطع ويضم فصولا منها (سياسة الكرامة) و(سياسة عدم اليقين) و(سياسة المواطنة) و(سياسة الهيمنة.. الثقافة والمثقف) و(هوامش حول الحالة الانتقالية وتحولاتها وتعثراتها).
ويقول عبد الفتاح إن الصراع على الدستور "تعبير عن الصراع على روح الأمة والدولة بين الفاعلين السياسيين ومنطق الغلبة والسياسة أو الهيمنة من بعض القوى الإسلامية السياسية... والسعي إلى تديين الدولة" وهو ما يعتبره ثمرة لاختلالات سياسية وتجريف العقل المصري وتدهور أنظمة التعليم طوال 40 عاما من حكم الرئيسين السابقين أنور السادات ومبارك.
ويرى أن "الانتقال من اللا سياسة إلى السياسة بعد الانتفاضات الديمقراطية الثورية يؤدي إلى تشظي وتشرذم وإلى عديد (من) الانقسامات" بين القوى التي خططت للاحتجاجات وشاركت فيها وأن الصراع السياسي الناتج عن تغيير أنظمة الحكم في العالم العربي محصلة منطقية لما يسميه "موت السياسة" وغياب بدائل منظمة وبناء توافقات بين قوى الاحتجاج السياسية لانتقال سلمي للسلطة.
ويشدد على أن الهوية لا تؤسس على الانتماء الديني وحده "كما يتصور بعض المتنافسين والمتصارعين على روح الأمة والدولة المصرية" وأن الجانب الديني لا ينفي بقية الأبعاد المكونة للشخصية المصرية.
ويقول إن النص على انتماء مصر للعالمين العربي والإسلامي أو افريقيا لا يلغي الأبعاد الأخرى الآسيوية والمتوسطية مثلا رافضا خضوع الدساتير "لأهواء وتفسيرات وتأويلات بعض الجماعات الدينية السياسية... هل نضع دستورا لحكم الإخوان والسلفيين... يكرس الغلبة والهيمنة باسم الإسلام العظيم البريء من الأهواء وجمود بعضهم."
ويرى أن المؤسسة الدينية الرسمية في البلاد وهي الأزهر في مفترق طرق وسط صراع على سلطة الحديث "باسم الإسلام الصحيح بين المؤسسة وعلمائها وبين جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين وجماعات أخرى تتنازع وتتنافس سياسيا ودينيا على روح المصريين" وهو ما يعتبره صراعا على السلطة الرمزية لما يطلق عليه "الإسلام المصري" المعروف باعتداله ووسطيته.
وفي إجابته عن سؤال.. مصر إلى أين؟ يبدو عبد الفتاح مطمئنا إلى حد ما إذ يرى أن التجربة المصرية في ظل الرئيس المنتمي إلى الإخوان المسلمين محمد مرسي ربما تتأثر بما يسميه فائض الحداثة "لأن مواريث الدولة ومنطقها وثقافتها ستلعب دورا في عملية تشكيل صورة الإسلام السياسي في الدولة... رغم تجريف بعض هذا الفائض التاريخي" بسبب ضعف أو تآكل بعض مكونات ومؤسسات الدولة المصرية الحديثة.
ويقول "يحتاج الرئيس والجماعة وحزب الحرية والعدالة الإخواني وقيادتهم جميعا إلى دراسة عميقة واجتهادات صعبة وهو ما قد يؤدي إلى زلزال داخلي في التركيبة التنظيمية للجماعة وثقافتها السياسية المؤسسة على الطاعة والالتزام التنظيمي الصارم" مضيفا أنهم ما لم يستفيدوا من التاريخ فسوف يفشلون كما في تجارب "إسلامية" في دول أخرى منها أفغانستان والسودان.
رويترز
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية