تبنت الدول العربية، بدفع من مصر والسعودية، امس الثلاثاء وثيقة تضيق هامش حرية القنوات الفضائية العربية وتنص علي عقوبات في حال تناول القادة والرموز الوطنية والدينية بالتجريح .
والوثيقة التي قدمت علي انها مباديء تنظيم البث الفضائي في المنطقة العربية تم تبنيها من قبل 21 من 22 وزير اعلام في الدول الاعضاء في الجامعة العربية خلال اجتماع استثنائي عقد بمبادرة من مصر. والدولة الوحيدة التي صوتت ضد الوثيقة هي قطر التي تؤوي مقر قناة الجزيرة .
وأعدت الوثيقة اساسا بمبادرة من مصر وهي مقر العديد من القنوات الفضائية العربية التي تبث انطلاقا من المنطقة الحرة للاعلام .
وتنص الوثيقة بالخصوص علي عدم تناول قادتها (الدول العربية) او الرموز الوطنية والدينية بالتجريح .
وتشتكي القاهرة والرياض باستمرار من انتقادات لنظاميهما من خلال حوارات تبثها قنوات فضائية بينها بالخصوص الجزيرة و اوربت اللتين تحظيان بنسبة مشاهدة عالية.
وتمنح الوثيقة الدول الموقعة عليها حق سحب وتجميد وعدم تجديد تراخيص العمل الممنوحة لوسائل الاعلام التي تنتهك القواعد الواردة فيها.
وتمس الوثيقة التي يمكن ترجمة القواعد التي تتضمنها بطرق عدة، كافة المجالات.
ومن هذه القواعد ان القنوات الفضائية يجب الا تكون لبرامجها انعكاسات سلبية علي المستوي الاجتماعي او علي الوحدة الوطنية والنظام العام او العادات والتقاليد.
كما ينبغي ان تكون موادها الالتزام بالقيم الدينية والاخلاقية للمجتمع العربي ومراعاة بنيته الأسرية وترابطه الاجتماعي .
ويتوجب علي الفضائيات الامتناع عن بث كل ما يسيء الي الذات الالهية والاديان السماوية والرسل والمذاهب والرموز الدينية الخاصة بكل فئة .
كما يتعين عليها الامتناع عن بث وبرمجة المواد التي تحتوي علي مشاهد وحوارات اباحية او جنسية صريحة وايضا الامتناع عن بث المواد التي تشجع علي التدخين والمشروبات الكحولية .
وتؤكد الوثيقة ايضا ان علي الفضائيات الالتزام بصون الهوية العربية من التاثيرات السلبية للعولمة مع الحفاظ علي خصوصيات المجتمع العربي .
وفي اشارة الي حقوق البث الحصرية خصوصا في المجال الرياضي دعت الوثيقة الي ضمان حق المواطن العربي في متابعة الاحداث الوطنية والاقليمية والدولية الكبري التي تشارك فيها عناصر وطنية وذلك عبر اشارة مفتوحة وغير مشفرة ايا كان مالك حقوق هذه الاحداث الرياضية حصرية كانت او غير حصرية .
واكد وزير الاعلام المصري انس الفقي في مؤتمر صحافي ان بعض القنوات الفضائية انحرفت عن الصواب مؤكدا ان مصر ستكون اول بلد يطبق هذه الوثيقة .
واكدت قطر انها لا ترغب حاليا في تبني هذه الوثيقة وانها لا تزال تدرس محتواها للتثبت من انسجامه
مع قوانينها، مشيرة الي ان معارضتها للوثيقة ليست سياسية وانما قانونية.
خبراء: وثيقة تنظيم الفضائيات "مقصلة" للرأي الآخر
انتقد خبراء وإعلاميون وثيقة تنظيم البث الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية والتي أقرها الاجتماع الاستثنائي لوزراء الإعلام العرب في القاهرة أمس. واعتبر الخبراء هذه الوثيقة ردة إلى عصر الوصاية على الجماهير بحجة إسباغ قدسية على المؤسسات الحاكمة.
ويقول أكاديميون إن الوثيقة التي نصت على احترام حرية التعبير قيدتها بتعبيرات فضفاضة قابلة للتأويل والتفسير، ما يضيق هامش الحرية إلى الحد الذي يعرض القائمين على الفضائيات العربية إلى الوقوع تحت طائلة تشريعات وطنية مكبلة لعملهم.
الجزيرة وأخواتها
واعتبر أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور صفوت العالم أن الوثيقة تستهدف مجموعة البرامج والقنوات الفضائية التي تعرض الرأي والرأي الآخر، كونها أصبحت كابوسا لبعض الحكومات العربية التي لم تتعود على سماع الرأي الآخر، وقال إن "الأمر يتعلق بوضوح بالجزيرة وأخواتها".
وأضاف العالم في تصريح للجزيرة نت أن الوثيقة تجاهلت معالجة القضايا المهنية لمشكلات الفضائيات المتراكمة منذ عام 1987، وقال "لم تتعرض الوثيقة للبرامج الإباحية وحلقات الجدل والشعوذة والإعلانات الوهمية، لكنها ركزت في بنودها على كلام فضفاض يصلح كمقصلة لمحاسبة أي برنامج أو قناة لمجرد عرض الرأي المخالف للحكومات".
وانتقد الفقرة التي تتحدث عن ضرورة وجود 30% من مواد القناة من الانتاج العربي المشترك، وقال "قبل إقرار هذه الفقرة، هل سأل الوزراء العرب أنفسهم أين هي البنية والهيكل للإنتاج البرامجي العربي المشترك؟.. الوثيقة تجاهلت البحث في كيفية بناء البنية التحتية للإعلام العربي واكتفت بالحديث عن العقوبات".
لكن وزير الإعلام السوداني الزهاوي إبراهيم مالك نفى أن تكون الوثيقة قد تضمنت قيودا على حرية التعبير، مشيرا في تصريح للجزيرة نت إلى أن التقدم التقني الهائل في وسائط الإعلام يجعل من العبث تصور أن يؤدي تطبيق الوثيقة إلى مزيد من القيود على حركة الفضائيات العربية.
وأردف الزهاوي بأن الهدف من إقرار الوثيقة "تهذيب وتقييم" نتائج الثورة التقنية للاستفادة من إيجابياتها والحد من تأثيراتها السلبية، مشيرا إلى أن بلاده اقترحت إنشاء مفوضية عربية للإعلام كآلية لتنفيذ ما جاء في الوثيقة.
اعتقال المشاهدين
الإعلامي والكاتب المصري عبد الحليم قنديل وصف الوثيقة بأنها "سياسية بامتياز"، وقال "إنها ووسط نصائح أخلاقية -لا جديد فيها- دست العديد من التعبيرات التي تعيد فكرة القدسية للمؤسسات الحاكمة عبر الحديث عن عدم تجريح الرموز الوطنية وهو تعبير فضفاض، والهدف بوضوح كان مواجهة المعارضة في الفضائيات".
واعتبر أن "أخطر ما تضمنته الوثيقة هو تجريم ليس فقط البث بل الاستقبال، ما يعني أن الأنظمة العربية قد تذهب إلى حد لا يتخيله عقل بأن تعتقل من يشاهد قناة تعتبرها هذه الوثيقة غير مطابقة للشروط".
واستغرب قنديل "دعوة مجلس وزراء الإعلام العرب إلى جلسة استثنائية لمناقشة قضية مطروحة منذ عقود، وكذلك حالة التشنج التي بدت على وزير الإعلام المصري وتهجمه على الإعلاميين خلال الاجتماع".
وقال إن تحفظ قطر ولبنان على الوثيقة ثم معارضة قطر لإقرارها "يؤكد أن هاتين الدولتين هما الوحيدتان في المنطقة اللتان تؤمنان بحرية الإعلام وبالديمقراطية وتعملان على حمايتها".
وأكد أن مصير الوثيقة الفشل لأنها لا تملك آلية عملية لمنع البث الفضائي للقنوات العربية، وقلل من الإجراءات العقابية التي توعدت بها الوثيقة القنوات المخالفة، مستشهدا بقناة الجزيرة التي أغلقت مكاتبها في العديد من العواصم العربية لكنها ظلت رائدة الإعلام العربي.
وكان وزير الإعلام المصري أنس الفقي قد قال إن الوثيقة تعد قرارا نافذا بإجماع وزراء الإعلام العرب، مشيرا إلى أن تحفظ دولتي قطر ولبنان على الوثيقة تحفظ قانوني وليس سياسيا.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية