تُشكّل مُدرجات ملاعب كرة القدم، مرآةً للعديد من الصراعات السياسية والنزاعات، إذ يستغلّ المشجعون المباريات لإبراز قضية معينة أو تسليط الضوء على شأن متنازع عليه.
وفي سوريا، دأبَ المؤيدون والمعارضون لنظام بشار الأسد الحاكم حالياً، والذي يتعرض لثورة شعبية منذ آذار عام 2011، على استخدام مناسبات رياضية عامة وأخرى خاصة كمباريات منتخبات كرة القدم، لإظهار الرأي السياسي ومتابعة الجدل الحاصل بين الأوساط غير المسلحة سواء في البلاد أو خارجها.
واستمراراً للانقسام الحاد والمُتطرف في كثير من الأحيان بين أبناء الوطن الواحد، حين تابع الجمهور مباريات منتخب الشباب في كأس آسيا التي أُقيمت في الإمارات شهر تشرين الأول/ نوفمبر بكثير من التطرف والتحزّب السياسي.
ولأن حكومة الإمارات منعت وجود أي علم غير العلم السوري الرسمي الحالي، فقد أُخليت الساحة تماماً للجمهور المؤيد الموجود في الدولة الخليجية، وقد كان الأمر محمولاً في المباراة الأولى أمام السعودية ومن ثم أمام أستراليا إلا أن بلغ السيل الزبى في مباراة منتخب قطر التي خسرها منتخبنا بهدفين لهدف على ستاد الفجيرة.
ففي هذه المباراة تحديداً حُشد الجمهور السوري المؤيد بشكل لا يوصف ضد منتخب قطر، لأنه من دولة "تدعم الإرهابيين" وفق زعم الصفحات المؤيدة، وما زاد في قدر الزيت المغلي قطرةً أن اللاعب القطري (أحمد علاءالدين) الذي هزّ شباكنا بهدفين احتفل أمام الجمهور السوري بإشارة غير مستحبة رياضياً، رداً منه على الهتافات التي خرجت من أفواه المؤيدين... ومن كل إطار رياضي أخلاقي.
لُفلف الأمر بشكل ودي وانتهت مشاركتنا بخسارة مخيبة أمام منتخب أوزبكستان في الدور الثاني وفقدنا فرصة ذهبية للعب في كأس العالم للشباب في تركيا العام المقبل، غير أن جدل إقحام الرياضة في السياسة لم ينتهِ أبداً.
وقبل مشاركة منتخب البلاد في بطولة غرب آسيا المقامة حالياً في الكويت، أعلن عدد من رموز المنتخب ما يشبه الانشقاق عن ارتداء القميص الوطني الذي يمثل النظام وفق رأي المعارضين. وأُثيرت الكثير من العواصف حول هذا الموضوع وأُعيد حديث انشقاق الرياضيين، عن المنظمة التي يرأسها لواء عسكري هو موفق جمعة، ويديرها ويصرف عليها النظام بشكل مباشر.
ومع انطلاق البطولة القارية، دخل عدد لابأس به من المعارضين المدرجات، إضافة لحشد كبير من المؤيدين، بعكس ما كان يحدث في الإمارات التي أخليت ملاعبها لصالح المؤيدين في مباريات منتخب سوريا.
اللافت في الأمر أن أغلبيّة الجمهور المؤيد، دخل بأعلام ما يعرف بـ"سورية الأسد"، بينما القلة المعارضة التي دخلت المدرجات لم تحمل سوى علم الاستقلال، فلم نر أي صورة لا للعرعور مثلاً ولا أي رمز من رموز المعارضة السورية على هذا العلم. بينما لم تتوقف الهتافات لبشار الأسد "بالروح بالدم" ولشبيحته "شبيحة للأبد"، ولنفرض أن لاعباً قد استشهد له قريب برصاص قوات الأمن... كيف يمكنه اللعب تحت هذا الهتاف العبودي.؟؟
وفي كل مباراة من المباريات الثلاث كان يدخل عشب ملعبها شاب معارض يتحدى الجميع بشجاعته بالركض حاملاً العلم لتسليط الضوء على قضية الشعب السوري...الحرية.
والمؤلم -أن المنتخب الذي قدّم أداءً كبيراً قياساً للظروف ولم يخسر حتى الآن-، تعرّض لواحد من أبشع الضغوطات التي يتعرض لها الرياضي وهي انتزاع الولاء منه للنظام أو للمعارضة.
المطالبة بالانشقاق
منذ اليوم الأول للثورة والنظام السوري، لا يفرّق بين رياضي أو غيره، فهو يقصف السوريين المعارضين لحكمه حتى لو كانوا نحاتين ورسامين أو لاعبي قوى، ولعل سوريا هي واحدة من الدول القلائل التي لا يزال فيها حكم الرياضة عسكرياً سلطوياً كاملاً. وبالتالي فأن تمثيل سوريا حالياً بأي محفل رياضي هو تمثيل للنظام برأي المتابعين المعارضين.
ومنا هنا لا ينفك المعارضون من المطالبة بانشقاق الرياضيين عن المنتخبات الوطنية متناسين خطورة ذلك على عائلاتهم وطبعاً غير أبهين بتأمين مصدر رزق بديل له أو حماية دولية.
طبعاً المنتخب يُمثل النظام بشكل أو بآخر والقائمين عليه موالون للسلطة شاءوا أم آبوا، ولكن زج اللاعبين بالصراع السياسي أمر لا ينم عن حكمة ابداً.
عواد حمدان- زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية