أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

جلسة حوار محرجة جدا ً ../1/.... خليل صارم

جمعتني الصدفة بكابتن باخرة يوناني في أحد المقاهي المطلة على شاطيء البحر .. اتضح لي أنه من المهتمين بالسياسة ومتتبعي تفاصيلها الى جانب مستوى جيد من الثقافة العامة وهذا أمر معروف بشكل عام عن الشعب اليوناني فهم يشبهوننا في الكثير من الجوانب ..بدءا من المواصفات الجسدية وسحنة المتوسط المميزة مرورا ً بالكثير من العادات الاجتماعية ومنها الثرثرة بسبب وبلا سبب حتى اننا نشترك معهم في بعض ألوان وأسماء الطعام وخضعنا سوية الى نفس الحقبة من سيطرة الامبراطورية العثمانية ..وقد عاش الكثير منهم في بلادنا ( مصر – لبنان – سوريا ) , وصاحبنا هذا ممن عاشت اسرته في لبنان عبر عدة أجيال سابقة .
الكابتن وأسمه ادونيس .. يلفظونها أدوني اختصارا ً وبعد التعارف وأحاديث عن ذكريات والديه في لبنان وسوريا عندما كانوا يتنقلون بحرية ودون عوائق تذكر بدأني متسائلا ً :؛
- مابالكم ايها العرب .عندما تختلفون على أي أمر تستحضرون كل تراكمات التاريخ وسلبياته تحديدا ً مسقطين عليها كافة المحرمات لتنقلب خلافاتكم الى أسوأ اشكال البغضاء والتناحر فيما بينكم .؟
... الحقيقة أن هذا التساؤل كان بمثابة الهجوم الصاعق الغير محسوب قد أربكني وهزني من الأعماق .. قلت في سري بماذا سأجيبه وهو ممن يعتبرون من أبمناء المنطقة بحيث لايمكن الكذب عليه وتجميل الصورة عبر اختلاق المبررات والأعذار الغبية ..؟.. مع ذلك وقعت في دائرة الغباء والتبرير عندما أجبته محاولا ً الاختصار وتحجيم الحقيقة قدر الامكان ... انها خلافات عادية قد تحدث لدى غالبية شعوب العالم ..؟ .
- أية شعوب تتحدث عنها رد علي في أعقاب ابتسامة ممزوجة بشيء من السخرية .. أقول فيما بينكم .. وأرجوك ألا تستحضر لي أمثلة عن صراعات الايرلنديين والانكليز أو أهالي الباسك والحكومة الاسبانية .. أو ثورات استقلالكم .. انا اقصد تماما بينكم .. بين بعضكم البعض كشعوب وقوى سياسية .. ؟ لماذا تستحضرون معها الخلافات الدينية المذهبية .. لماذا تستحضرون الاله والملائكة والانبياء وكل ماله وماليس له علاقة بالأديان والعقائد الدينية ..؟ .. نحن نفهم وجود احتلافات سياسية بين أحزاب وكتل تتصارع فيما بينها للوصول الى السلطة ولكن تحت برامج تشمل كافة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بما يطور البلد من وجهة نظر كل منهم وعلى الشعب / المجتمع . أن يختار مايراه افضل له .. هذه هي الخلافات والاختلافات المفهومة ..المعقولة .. المقبولة . أما ان تستحضروا العقائد والآلهة والتاريخ .. هذا غير مفهوم وغير منطقي لابل أنكم تحملون وزر أخطاء شعوب وأنظمة أخرى على عاتقكم بلا سبب ثم تبدأ أنهار الدماء بالجريان ..!! ألهذا الحد تكون الحياة رخيصة عندكم ..؟ !!
تابع مسترسلا ً هل تعلم أننا كنا نحسدكم قبل الستينات من القرن المنصرم على توفر الامكانيات التي تساعد على بناء بلدانكم وتطويرها في مصر ولبنان وسوريا على الأقل ذلك أننا نتقابل على شواطيء المتوسط الى الحد الذي نشعر فيه بكم ولاأبالغ في القول أننا نسمع همسات بعضنا البعض ... لكنكم وياللدهشة والغرابة لم تفعلوا ..؟. تابع مضيفا ً . نحن الآن نسبقكم .. انظر كيف تبدلت الظروف أبناؤكم يتسابقون للعمل في بلادنا بعد أن كنا نبحث عن عمل واقامة في بلادكم .. نحن الآن نعيش في بحبوحة قياسا ً لما أنتم عليه الآن ..صحيح أن بقية أوربا تسبقنا لكننا نعمل بسرعة على اللحاق بها ونكاد نصل .
- في هذه اللحظات تداعت الذكريات ..مايقوله محدثي هذا صحيح .. كانوا وحتى مطلع الثمانينات ينظرون الينا في بلاده اليونان كبورجوازيين تمتليء جيوبنا بالمال الذي لانعرف كيف ننفقه .. فقط فارق قيمة العملة كان كافيا ً لنا نحن السوريين للاقامة في أفخم فنادق آثينا وارتياد أفخم مطاعمها .. كنا نتحكم في أسلوب التعامل التجاري معهم فارضين شروطنا في أغلب الأحيان وهم بالمقابل يتنازلون ويقبلون ..!! ابتعدت مع شرودي مسافة زمنية طويلة .. أعادني تساؤله .. قال لي .: أين ذهبت ..هل تتركني أتحدث لوحدي طيلة الوقت ..؟!!
- اعتذرت منه .. مارأيك بفنجان قهوة آخر .. سألته .. قلب شفته السفلى وأردف.. لامانع عندي شرط ألا تشرد كثيرا ً . ألهيت نفسي بالنداء على نادل المقهى وأنا أدعو في سري أن يغير الحديث وينتقل الى أي جانب آخر ..؟.
وكأني به يقرأ مايدور في خلدي .. فقطع علي الطريق مكررا ً سؤاله السابق .. : قل لي ياعزيزي لماذا تقحمون الاله والدين في خلافاتكم السياسية .. بل في كل أموركم ..لماذا لاتضعونهم جانبا ً ..اتركوهم في البيوت .. دور العبادة .. لماذا تستحضرونهم معكم الى العمل .. والشارع .. ومنابر السياسة ..والاقتصاد .. مالهم ولكل ذلك ..هذه علاقة خاصة بالانسان ..بينه وبين مايؤمن به ..؟ .
أجبته بتساؤل غبي .. أليس لديكم مؤمنين .. ألا يتحدث رجل الدين عندكم بالأمور السياسية .. ألا يتدخل في الخلافات ..؟ أجابني مستغربا ً وكان قد علم من خلال الحديث أنني أعرف اليونان تماما ً وقد زرتها مرات كثيرة ..؟.. وكأنك لاتعلم ياعزيزي .. هل سبق وسألك أي يوناني عن دينك أو مذهبك .. نعم عندنا مؤمنون ومتشددون أيضا ً وعندنا رجال دين كما تعلم لكنهم لايدلون بآراء سياسية ..لايقفون مع هذا الحزب ضد حزب آخر وان كانوا يتعاطفون فان هذا التعاطف ضمني .. هم لايذهبون لمقابلة المسؤولين الا لطلب خدمات لرعيتهم وهي خدمات اجتماعية أما أن يبدوا رأيا ً سياسيا ً فهذا مرفوض مع وجود تشدد ديني متميز في اليونان عن غيرها من دول أوربا ..نحن أرثوذوكس كما تعلم والبطريرك سوري كنيستنا ومرجعيتنا الأساسية سورية .. لكنهم عندنا في اليونان لايقولون أن هناك مؤمن وهناك كافر .. شيوعي .. علماني .. ملحد .. الخ . مايزال حزب الباسوك يتقلب بين حاكم أو شريك في الحكم .. باباندريو اليساري العلماني كم مرة نجح في رئاسة الحكومة .. هذا لايشكل مشكلة لأحد .. هناك قانون يحكم الجميع .. داخل وخارج السلطة . حتى ولو تسلم الحكم أقصى اليمين فان هذا لايغير من الأمر شيئا ً أمام القانون . نعم لدينا حركات متطرفة ولكنها حركات سياسية وليست مستندة الى أية خلفية دينية .. ان أي خطأ في هذا الجانب يثير أزمة في المجتمع .. الصحافة لاتوفر أحدا ً ..تفضح كل من يخطيء .بما فيهم رجال الدين وقد تتسبب بعزل رجل الدين الذي ينزلق باتجاه السياسة والخلافات السياسية بين الأحزاب .. هذا أمر محسوم عندنا .. وهذا لايعني ألا يحترم رجل الدين .. انه يتمتع باحترام كبير رسميا ً وشعبيا ً ولكن ضمن حدوده وبما لايتجاوز القانون أو يتعارض معه .
- ظننت أنني أوقعت به عندما علقت متسائلا ُ .. ولكنني التقيت عندكم بمتشددين دينيا ً يقفون موقفا ً سلبيا من بقية الأديان ..؟
ابتسم ولم ينفي ..بل أكد لي قائلا ً .. أن الأمر لايخلو من متشددين ومتعصبين جدا ً .. هذا أمر بديهي .. نحن نعرفه تماما ً .. ولكن هؤلاء لايلقى اليهم بالا ً ذلك أن تأثيرهم محدود للغاية هم لايجرؤون على اعلان تشددهم فالقانون بالمرصاد ..والأمر يقتصر على مجالسهم الخاصة وهذا غير ممنوع ولكل حرية ابداء رأيه في حدود القانون أي أن لايواجه الآخرين بكراهيته وتعصبه عندها يصبح تحت طائلة القانون ويعاقب . تابع ..ولكن قل لي .. أنا هنا ..بينكم أجد من يقول لي بسهولة .. أنت كافر ..؟ وقد يتجرأ ويسيء الى معتقدي بالشتم .. ؟!! .. سألته بحدة ..هنا في سوريا .. ؟.. أكد أن لا على الاطلاق .. ولكنه سمع مثل ذلك في لبنان ومصر .. وأضاف.. للحقيقة أقول .. أنه في سوريا لم أسمع بشيء من هذا القبيل ..وتابع مؤكدا ً لاأخفيك أنني قد ذهبت الى الكنيسة .. وسألت في الشارع عن الكنيسة الأرثوذوكسية وقد دلوني عليها برحابة صدر ولاأدري عمن دلني شيئا ً قد يكون مسلما ً أو كاثوليكيا ً .. نعم .. هذا أدهشني .. وزادت دهشتي أنني التقيت بأناس في الكنيسة حتى أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء سؤالي عن جنسيتي وأعتقد أنهم لاحظوا أنني غريب عنهم .. والحقيقة أن راعي الكنيسة هو الوحيد الذي انتبه الي .. فناداني ودعاني الى جلبسة جانبية وعندما أظهرت له دهشتي ابتسم وقال نحن هنا في سوريا نعيش حياتنا العادية كما أنتم في اليونان .. لافرق بين مسلم ومسيحي على الاطلاق .. وكما ترى كائنا ً من كان يستطيع أن يدخل الكنيسة دون أن يواجه بأي تساؤل . نحن نعيش حياتنا العادية خارج الكنيسة ..نحن أبناء وطن واحد نتشارك العمل ونتجاور السكن قد تجد في مبنى واحد عائلات تنتمي لعدة أديان ومذاهب وهذا أمر عادي جدا ً .. لابل أستطيع أن أتجرأ وأؤكد لك أن هناك مشاركة حتى في الأعياد والمناسبات الدينية لابل أن هناك بعض الرموز الدينية نتبادل زيارتها وكل منا قد أطلق عليها اسما ً يخصه .. هذا يضع الشموع وذاك يضع البخور .. هذا يقرأ الفاتحة وبعض آيات القرآن الكريم وذاك يرسم اشارة الصليب . . هنا القانون يعاقب بشدة على أي مظهر من مظاهر العداء الديني .
وكأني وجدت مفتاح الفرج .. عقبت له على ماقاله له راعي الكنيسة .. أن هذه باتت حالة ثقافية عندنا هنا في سوريا والناس هنا باتوا يسلمون بها كعادة وعرف اضافة الى الثقافة بغض النظر عن القانون .. وأكدت على أن من يقترب عندنا من الحالات المذهبية والطائفية يلاقي صدا ً واهانة من بقية المواطنين لابل أننا نتحرج من مجرد ذكرها .
وللحديث صلة ..

(188)    هل أعجبتك المقالة (167)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي