كل ما يجري في محافظة الحسكة منذ دخول الجيش الحر إلى
مدينة رأس العين - سري كانيه، ذات الغالبية الكردية تتعلق بمعركة خلفية تجري في
الخفاء بين كتائب وألوية يستخدمها "الجيش الحر" عصا من بعيد، وبين
الأكراد المشتتين تجاه الثورة السورية.
الأكراد السوريون، رغم توزعهم على أكثر من تيار
سياسي، إلا أنه يجمعون على موقف شبه موحد من "الجيش الحر"، وهو إعلانهم
بشكل دائم أنهم لن يسمحوا له بالدخول إلى مدنهم ومناطقهم كي لا تلحقهم قوات الأسد
بالبراميل المتفجرة. مثل هذا الموقف تزامن مع ضعف التيار السياسي السوري في الثورة
وغلبة الجناح العسكري في قيادة الأحداث. المنطقة الوحيدة المعارضة للنظام بأدوات
سياسية هي المناطق الكردية، وكان لا بد لـ"الجيش الحر" من كسر هذا
الحائط السياسي عبر التمدد شرقاً بمحاذاة الحدود رغم عدم وجود أهمية استراتيجية
كبيرة لتلك المناطق من الناحية العسكرية، كما انها لا تقع على خطوط الإمداد
التقليدية للثوار.
الأقليات والحر
مناهضة الأكراد لـ"الحر" قوبل بأريحية
كبيرة لدى الأقليات الطائفية، وهو مؤشر أدركه "الحر" في وجود توجه لدى العلويين
والمسيحيين في ضم الأكراد إليهم في مرحلة ما بعد الأسد أو مرحلة قبيل السقوط. ليس
مسموحا للأكراد ان يكونوا في كتلة الأقليات الطائفية حتى لو كلف ذلك فتح جبهة
مباشرة في تلك المناطق. وهو ما أثمر فعلاً، حيث وجد الأكراد أنفسهم أمام معادلة
صعبة بحسب عدة مصادر لـ"زمان الوصل": إن لم يحرروا مدنهم بأنفسهم بشكل
حقيقي فإن الـ"الجيش الحر" قادم رغماً عنهم. وهو ما بدؤوه فعلاً في
اليوم الثالث للمعارك في رأس العين عندما طردوا قوات النظام من عامودا وتل تمر
والدرباسية والقحطانية. والنظام سحب قواته إلى مربعات أمنية في مدينة القامشلي،
وهو بذلك وضع حاجزاً بينه وبين الجيش الحر من الأكراد، وهذا الحاجز يمتد نحو 100
كيلومتر من القامشلي إلى راس العين.
قد يكون هدف "الحر" الوصول إلى حقول النفط
في رميلان..وهذا ما انعكس في تعزيز الميليشيات الكردية وجودها في تلك المناطق،
وستشتعل حرب طاحنة في حال لم يتوقف "الحر" عن التقدم شرقاً، وقد يبدأ
بشن هجمات انطلاقاً من جنوب مدينة الحسكة باتجاه حقول النفط التي تحرسها قوات
أمنية صغيرة محاطة باعداد هائلة من ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي.
ماذا يريد "الحر" وكيف..؟
يريد "الجيش الحر" معرفة قاعدته الشعبية في
منطقة الجزيرة، وبالنظر إلى تفاهمات ارتجالية أبرمها مع الأكراد بعد تحريره رأس
العين، فمن الواضح أنه أدرك ما يلي: العرب في الجزيرة لا يمكن الاعتماد عليهم في
المعركة ضد النظام ولا في الضغط على الأكراد، لأن غالبيتهم من الموالين للنظام،
باستثناء عرب مدينة الحسكة الذي يؤيد قسم كبير منهم الثورة والجيش الحر. ولا مفر
من التفاهم مع الأكراد، لذا أعتقد انه لن يتقدم شرقاً باتجاه حقول النفط.
نجح الجيش الحر في تغيير موقف حزب الاتحاد الديمقراطي
الموالي لحزب العمال الكردستاني، ووضعه في زاوية ضيقة، خاصة مع استعداد تيارات
شعبية كردية في كوباني بقتال العمال الكردستاني. انكسر حزب العمال كتيار غامض في
موقفه، وأصبح واضحاً منذ ثلاثة أيام من خلال تصريحات مسؤوليه وتصرفات أنصاره في
الهجوم على تماثيل الأسد في ديرك والقحطانية وتحطيمها.
تركيا و"الخديعة"
تركيا مرتاحة جدا لما يجري، وهي خدعت "الجيش
الحر" عندما وعدتهم قبل دخولهم بانها لن تسمح للجيش النظامي باستخدام
الطائرات، لأن رأس العين تبعد عشرات الأمتار فقط على الحدود مع تركيا. لكن هذا لم
يحدث، وتعرضت المدينة إلى قصف هو الأعنف في كل سوريا، واستخدم قنابل جديدة تخلف
كتلة عملاقة من اللهب على ارتفاع عشرات الأمتار كما هو موثق في الصور. الهدف
التركي هو تفريغ هذه المنطقة من السكان، وهو ما تحقق فعلاً، حيث لم يبق فيها أحد.
والمعركة في راس العين ستطول إلى حين وضوح الرؤية الدولية حول إقامة مناطق عازلة،
حيث ستكون راس العين من ضمنها، ويبدو ان الأكراد فهموا اللعبة، وخففوا من خطابهم
المتشنج ضد "الجيش الحر"، وفضلوا مقايضة رأس العين بباقي المناطق
الكردية شرقاً.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية