أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السوريون في مصر.. معاناة بين انتظار الحسم وصعوبة العيش

اعتاد الشاب السوري ياسر الغوطاني أن تستوقف لهجته بعض زبائنه وهو يبيع الخضروات والفاكهة بمتجر صغير في مدينة السادس من اكتوبر بجنوب شرق القاهرة.


الغوطاني (26 عاما) الذي فر قبل ثلاثة اشهر مع اسرته من عربين استأجر المتجر بالمشاركة مع احد اصدقائه السوريين سعيا لكسب ما يعينهما على الانفاق في ظل استمرار الازمة التي دخلت شهرها التاسع عشر.


وقال الشاب النحيف وهو يشير لسيدة سورية ترتدي معطف المانطو المنتشر ببلاده "تقريبا نصف سكان هذا الشارع سوريون."


ويقول سوريون ونشطاء يشاركون في جهود الاغاثة ان مدينة اكتوبر تستضيف اكبر عدد للسوريين بمصر.


وفر حوالي 340 ألف شخص من سوريا وسجلوا كلاجئين منذ ان تحولت الانتفاضة التي تفجرت ضد الرئيس بشار الاسد في مارس اذار 2011 إلى تمرد مسلح اثار حملات قمع وحشية من جانب قوات الحكومة. ويوجد 1.2 مليون نازح اخرين داخل سوريا وقتل حوالي 32 ألف شخص في تلك الأحداث.


وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إن نحو 6800 لاجيء سوري سجلوا أنفسهم في دول شمال أفريقيا أغلبهم في مصر بينما تقول الحكومة المصرية ان ما يصل الى 150 الف سوري يقيمون داخل البلاد. 


وبخلاف اكتوبر يقيم سوريون في احياء اخرى بالقاهرة علاوة على عدد محدود بمدن الاسكندرية ودمياط وبورسعيد الساحلية وبعض مدن دلتا النيل.


وقال الدكتور محمد خير عبد الهادي خبير القانون والنشط السياسي السوري المقيم بالقاهرة "أغلب من لجأ لمصر يؤيد الثورة التي تحظى بدعم القيادة المصرية."


وأضاف "ذهب اصحاب رؤوس الاموال إلى احياء اكثر رقيا مثل الرحاب ومصر الجديدة ومدينة نصر أملا في إقامة مشروعات بينما ذهب اخرون لمناطق اقل من حيث تكلفة المعيشة."


ومضى قائلا "نظام الرئيس (المصري محمد) مرسي يغض الطرف عنا حتى اذا تجاوزنا مدد الاقامة. نلمس رغبة من السلطات في مساعدتنا في محنتنا. يختلف الامر قليلا عن تعامل السلطات المصرية معنا خلال الفترة التي سبقت تولي مرسي للسلطة حيث كنا نشهد بعض التدقيق."


من جانبه قال المهندس عبد المطلب عمارة رئيس جهاز مدينة 6 اكتوبر إن ادارته مستعدة للنظر فيما قد يقدم اليها من طلبات بشأن مساعدة السوريين المقيمين بالمدينة في حدود ما يتوفر لها من امكانات لكنه أوضح ان السوريين يأتون للمدينة بشكل فردي ويقيمون فيها كزائرين دون تنسيق مع الجهات الرسمية. 


وقبل نحو سبعة اشهر كان يتوافد على مصر سوريون من كافة المناطق لكن مع احتدام القتال في دمشق وريفها ومدينة حلب اصبح اغلب القادمين ينتمون لهذه المناطق.


وداخل منزل يعيش فيه شاب سوري يدعى ابو بكر مع أسرة أخرى هناك منضدة خشبية واحدة وسط غرفة استقبال كبيرة خاوية بينما تغطي بعض الحشايا غرف النوم. 


قال ابو بكر الذي تردد كثيرا قبل السماح لرويترز بزيارة البيت "تفكر الاسرة الاخرى في ترك المنزل ولو حدث لذلك سنضطر للانتقال لمسكن اخر اقلة تكلفة."


واستطرد "توجد اسر سورية هنا تعيش حياة مترفة واخرى جاءت ومعها بعض الاموال لكنها لن تتحمل العيش دون عمل لفترة طويلة."


ومع استمرار الازمة لجأ بعض السوريين للعمل في مصانع وبعض المحال التجارية وشركات خاصة كما يعمل اخرون لدى مستثمرين سوريين بمصر. 


ويشكو السوريون من تدني الاجور مقارنة بتكاليف ايجارات المساكن والمعيشة وطول فترات العمل لكنهم يؤكدون انهم يحصلون على اجور مساوية لتلك التي يتقاضاها نظراؤهم المصريون. 


وقال عبد الله رضوان المدير التنفيذي لجمعية بيت العائلة الأهلية بمدينة السادس من اكتوبر وعضو اللجنة الشعبية لنصرة الشعب السوري "أكبر الداعمين للسوريين باكتوبر هي الجمعية الشرعية الرئيسية حيث وفرت بنايات سكنية كاملة تأوي فيها عددا كبيرا من الأسر السورية علاوة على تقديمها كافة اشكال الدعم اللوجستي من اثاث وغذاء ومساعدات مالية ورعاية صحية لبعض المصابين في الحرب."


وتضم الحملة الشعبية لنصرة الشعب السوري جمعية بيت العائلة والجمعية الشرعية وهي جمعية خيرية اسلامية واتحاد الاطباء العرب ولجنة الإغاثة الانسانية وجماعة الإخوان المسلمين واللجنة الشعبية باكتوبر بالإضافة إلى سيدات ورجال مجتمع يساهمون بمساعدات فردية وجماعية.


وحسب بيانات المنظمات الاهلية التي تنسق جهود الإغاثة فإن نحو 600 اسرة سورية تنتشر باغلب احياء المدينة بينما يتمركز عدد كبير منها في بنايات تستأجرها الجمعية الشرعية.


وقال الناشط السياسي هشام حجازي وهو ايضا عضو مجلس أمناء الثورة المصرية "إن هيئات المجتمع المدني كلها غالبا تشارك في جهود الاغاثة. دون اصباغ الموضوع بصبغة سياسية الا ان الاخوان المسلمين يقومون بجهود كبيرة وايضا الجمعية الشرعية ومجموعة سفراء الخير الشبابية وايضا منظمات من خلفيات سياسية مختلفة ليبرالية واشتراكية ويسارية وقبطية."


وقال الشيخ عادل الشعراوي رئيس مجلس إدارة مسجد الخلفاء الراشدين التابع للجمعية ان المسجد يستقبل يوميا من عشر الى عشرين اسرة سورية.


وفي الطابق الارضي للمسجد يباشر عدد تنظيم جهود الاغاثة بينما تمتليء بعض الغرف بأجولة الأرز والسكر ومواد غذائية اخرى واغطية وفرش.


لكن رامي السوري الذي يستخدم اسما مستعارا ينتقد ما يصفه بتقاعس بعض جهات الإغاثة السورية الرئيسية عن توفير مساعدات للاجئين.


وقال السوري الذي يصف نفسه بأنه احد اقدم السوريين في مصر "قمت بتسجيل اسمي في مكتب الاغاثة هنا بالقاهرة منذ اغسطس ولم اتلق حتى اليوم جنيها واحدا." واضاف انه لولا المساعدات التي تقدمها الجهات المصرية لكانت طروف اللاجئين اسوأ بكثير.


وفي مساكن عثمان الواقعة على اطراف المدينة وحيث تستأجر الجمعية الشرعية بنايات كاملة لايواء السوريين وقفت مجموعة من الوافدين الجدد حول نشطاء ينظمون جهود الاغاثة امام مسجد صغير يرفرف عليه العلم المصري وعلم المعارضة السورية.


وقال سوري مسن انه ترك متاجره وامواله هربا باسرته من وطأة القصف في حلب لكنه ورغم كبر سنه يبحث عن عمل للانفاق على عائلته الكبيرة.


وقال "كنت اعمل في الالومنيوم واجيد هذه الحرفة. ابحث عن عمل." وتتراص البنايات التي شيدت لمحدودي الدخل على امتداد مسافة طويلة وسط الصحراء في الطرف الجنوبي للمدينة.


وداخل مسكنه يعيش ابو عمار هو وزوجته واولاده الستة في وحدة تقتصر مساحتها على 40 مترا فقط وتخلو من الاثاث باستثناء بعض الحشايا للنوم.


وقال رضوان إن المدينة تضم نحو ألفي شاب سوري بمراحل التعليم المختلفة اوضاعهم معلقة نظرا لان اغلبهم وصلوا مصر بعد ان فرغت الجامعات من اجراءات قبول الطلاب الجدد.


واضاف ان ثمة مجموعة من المتطوعين السوريين وعدوا بإقامة مدرسة خاصة بالسوريين لتدريس المناهج السورية لكن جهودهم باءت بالفشل مما فوت على الطلاب فرص الالتحاق بمدارس مصرية.


وتحدث كثيرون عن صعوبة الخروج من بلادهم قائلين ان سلطات المطار الرئيسي بدمشق تفرض قيودا مشددة على الراغبين في المغادرة منها اطالة امد استخراج الجوازات التي تصل في بعض الاحيان إلى ثلاثة اشهر.


وقال رامي السوري "يطلب مسؤولو المطار في بعض الاحيان من الموظفين الحكوميين الراغبين في الخروج موافقة مكتوبة من الوزير." كما شكا اخرون من كثرة نقاط التفتيش على الطريق الواصل بالمطار.


ورغم الانشغال بتدبير امورهم في الخارج لا ينقطع اهتمام السوريين بذويهم في الداخل.


ويقول الغوطاني "نعتمد على الفيسبوك للاتصال باقاربنا خاصة في ظل انقطاع الاتصالات. تمكن نشطاء التنسيقيات من تدبير اجهزة بث متطورة ينقلون بها الاخبار عبر الاقمار الصناعية."


ومضى يقول بنبرة متحدية "سوت الطائرات اغلب مباني عربين لكن لا نبالي. لو لم يبق حجر على حجر في سوريا لن نتراجع عن ثورتنا."

رويترز
(95)    هل أعجبتك المقالة (84)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي