منذ أعلنت الحكومة السورية أواخر شهر آب الماضي، وعلى استحياء عزمها (رفع الدعم عن المشتقات النفطية) والذي أطلقت عليه تسمية مراوغة (إعادة توجيه الدعم لمستحقيه) والقضية تتفاعل في الإعلام السوري وفي أحاديث الشارع، وسجالات مواقع الإنترنت.
وقد كان الإعلام الإلكتروني سباقاً لإلقاء الضوء على هذه المسألة، في ظل تخففه من السيطرة الرقابية المباشرة التي يلقاها الإعلام المطبوع في سورية، فضلاً عن الإعلام المرئي والمسموع، الذي يمثل قمة التشدد وسياسة استخدام الفلاتر الرقابية.
وكان لافتاً ما نشرته نشرة "كلنا شركاء" الإلكترونية، في بداية هذه الحملة من خلال مقال لنزار عادلة حمل عنوان: (الرئيس الأسد: إلغاء الدعم تشويش وإشاعات. ولكن بعد شهر: الحكومة السورية تدرس إعادة النظر بالدعم) حيث استشهد الكاتب بما جاء في خطاب القسم للرئيس الأسد في بداية الولاية الدستورية الثانية له حين قال: (هناك حالة وحيدة لكي نلغي كل هذا الدور ونلغي الدعم عن المواطن.. ربما إذا صدر قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع عندها... لا تستغربوا أن يأتي يوم ويقولون إن دعم الفقراء هو دعم للإرهاب) ثم علق الكاتب في مقالته بالقول: (هذا ما جاء في خطاب القسم للرئيس بشار الأسد وقد استبشر السوريون بهذا الوعد بأن الدعم لن يلغى إلا إذا صدر قرار من مجلس الأمن.. هو وعد جاء من أعلى المستويات من السيد الرئيس.. ولكن لم يمض شهر على خطاب السيد الرئيس إلا وصدرت تصريحات من وزير المالية ووزير النفط والنائب الاقتصادي تؤكد في مجملها على إعادة النظر بدعم المشتقات البترولية وإعادة النظر بأسعارها، تحت يافطة باتت معروفة للمواطن من كثرة تردادها في السنوات الأخيرة تقول أن تكاليف الدعم قد تجاوزت مئات المليارات، 300 مليار حسب التصريحات، والدولة لم تعد قادرة على تحمل ذلك).
وقد تابعت نشرة (كلنا شركاء) الإلكترونية، بالتعاون مع مجلة (بورصات وأسواق) هذا الموضوع عبر استطلاع حمل عنوان: (استطلاع: السوريين يتركون أمرهم لله في رفع الدعم) حفل بآراء عينة عشوائية من الشارع، قال 70% منها، إنهم لا يثقون بالإجراءات التي تقوم بها الحكومة.. و21% أنهم يعتقدون أن الأسعار سترتفع أكثر مما تعتقد الحكومة) في حين حذر الخبير الاقتصادي د. نبيل مرزوق مما أسماه: (صدمة اقتصادية ستطال الأسعار وستنعكس على المواطنين وعلى قطاعات الإنتاج وستخلق مشكلة في اقتصادنا الذي يعاني أساسا من ضعف القدرة التنافسية وارتفاع التكاليف... فكيف سننتقل فجأة لنطبق علاجات من هذا النوع).
ورغم أن جريدة (الثورة) شبه الرسمية، نشرت في الحادي والثلاثين من آب الماضي خبراً يؤكد حسب (مصدر حكومي مطلع) أن: (مقترحات إعادة توزيع الدعم التي يجري النقاش حولها في الساحة الإعلامية والشعبية لن تكون موضع التطبيق خلال الأيام أو الأسابيع القادمة، بل سيستمر هذا النقاش والحوار التشاركي والتفاعلي حولها ريثما يتم الوصول إلى الصيغة الملائمة والحل الأمثل الذي يرضي كافة المواطنين ويحقق عملية التوازن ويدفع بمسيرة التنمية ويحافظ على الموارد الوطنية لتكون في خدمة آمال وتطلعات ومصالح أبناء شعبنا) إلا أن هذا التأجيل، لم يخمد السجال، ولم يكبح جماح الأسعار... وقد عادت وكالة الأنباء السورية (سانا) لتبث تقريراً نشر في صدر الصحف السورية الرسمية الثلاث بتاريخ الخامس من أيلول، يؤكد على لسان رئيس الحكومة المهندس محمد ناجي عطري أن (الحوار الجاري حول آلية دعم المشتقات النفطية بين الأوساط الشعبية والإعلامية سيستمر خلال الفترة القادمة، بين مختلف الجهات، وسوف يتواصل هذا الحوار بهدف إغناء التصورات والمقترحات المتداولة في هذا الجانب، والوصول إلى رؤية مشتركة وآلية مناسبة لإيصال الدعم على مستحقيه بما يوازن بين مصلحة الوطن وتطلعات ومصالح المواطنين).
وقد حفل التقرير المذكور، بالكثير من العبارات الإنشائية التي تحدثت بشكل روتيني عن ترشيد الإنفاق، ومكافحة الهدر وتشجيع الاستثمار... وسوى ذلك من العبارات التي تتكرر بمناسبة وغير مناسبة.
وقد تساءل الكاتب سمير الصارم في زاويته (خارج السرب) في جريدة (الثورة) في عدد الخامس من أيلول أيضاً: (أين غرف التجارة والصناعة في الحوار الدائم حول قضية الدعم؟!) مكيلاً المديح للإعلام الذي ينتمي إليه، والذي أشاد بإلحاحه بـ(نقل شكاوى الناس من فوضى الأسعار والأسواق وفلتانها والخوف القادم من اشتعال أزمة الغلاء بأكثر مما هي عليه الآن) وقد اتخذ الكاتب من تغيب غرف الصناعة عن الحوار الدائر، وسيلة لرمي الكرة خارج ملعب الحكومة، متناسياً وضعية غرف التجارة والصناعة والنقابات المهنية في سورية، المملوكة كلها للدولة والأجهزة الأمنية!
وقد تبارى كتاب الزوايا الاقتصادية والمحليات في الصحف السورية في كتابة الزوايا الصحفية، حول ارتفاع الأسعار غير المسبوق، كما فعل عارف العلي في صحيفة (تشرين) في (5/9) في زاويته: (أسعارنا أكثر من سوداء) وسناء يعقوب في العدد نفسه: ( وطارت الأسعار وبقيت التعاميم) وعادل حديدي في عدد (8/9) من جريدة (تشرين) أيضا: (سعار الأسعار)... وقد أرجع العديد من الزملاء الأمر إلى جشع التجار، وضعف الرقابة التموينية... فيما طالب بعضهم بـ(حملة مكاشفة في منابرنا الإعلامية توضع من خلالها النقاط على الحروف)، على حد تعبير عادل حديدي... لكن أحداً من هؤلاء أو غيرهم، لم يستطع أن يقول شيئا من الحقيقة حول مسؤولية الحكومة على هذا الارتفاع، حين أطلقت أخبار رفع الدعم، على أبواب مواسم افتتاح المدارس، وحلول رمضان، ومن بعده موسم العيد.. وهي مواسم تجارية لا يجوز مواجهتها بأخبار صادمة ومثيرة للقلق من هذا النوع، مادام رفع الدعم سيؤجل للتشاور؟!
وربما عبر عماد نصيرات عن تململ المواطن الشعبي البسيط، حين كتب في زاويته ( إلى من يهمه الأمر) في صحيفة (تشرين) عدد (5/9) يقول موجهاً كلامه للحكومة في مسألة رفع الدعم: أريحونا وارفعوها!
أما ناظم عيد في جريدة (البعث) الناطقة باسم الحزب الحاكم، فقد طالب في زاوية له (فليبق المواطن مدعوماً) بمحاربة الهدر عبر تقسيم الدعم إلى شرائح، فإذا تجاوز المواطن الحد المسموح من الاستهلاك فليدفع الثمن بالسعر العالمي وبلا دعم... وقد رصدت جريدة "البعث" في تحقيقين صحفيين نشرا في (6/9) و(9/9) مسألة ارتفاع الأسعار والغلاء، مشيرة إلى أنه (بسبب الفجوة الكبيرة بين دخول المواطنين ونفقاتهم انقلبت المناسبات إلى نكبات) وفي حين رأى علي حمرة في صحيفة (الوطن) الخاصة، عدد (9/9) أن (طمأنة المواطن من أبسط الأفكار التي يمكن العمل عليها وإخماد القلق الداخلي لديه من خلال العمل الجاد والخطوات التنفيذية الرادعة للمتلاعبين والمخالفين والمتهربين) فإن صحيفة (الثورة) خصصت صفحة خاصة أسمتها (على مائدة حوار الدعم) في عدد (9/9) أوضح فيها د. جمعة حجازي لماذا قررت الحكومة فتح الحوار مع المواطنين؟! مؤكداً (أن تهيئة المواطن السوري للمشاركة عبر مرحلة جديدة في صنع خياراته وتحديد أولوياته والمكاشفة معه ومصارحته مسألة غاية في الأهمية، وإن هذه المكاشفة ستكون مقدمة مهمة كي نتجاوز في قراراتنا الكثير من الهنات والهفوات التي كنا نقع فيها سابقا) في حين رأى حسن سباهي عضو اتحاد غرف التجارة السورية في الصفحة نفسها، أن (توقيت المعالجة غير موفق... ورفع أسعار المشتقات تدريجي وليس كما اقترحته الحكومة) واعتبر المهندس عصام تيزيني عضو مجلس إدارة غرفة صناعة حمص أن (المسألة لا تختصر بتعويض ألف لتر مازوت وعبوة غاز) وتساءل المحرر الاقتصادي منير الوادي: (لنفكر معاً: إذا استمر الدعم ما هي البدائل العاجلة لتأمين الإيرادات؟)
التلفزيون السوري من جهته، غطى معركة رفع الدعم على المشتقات البترولية، عبر استطلاعات تقليدية مع المواطنين عن ارتفاع الأسعار، وتصريحات رسمية أو وجهات نظر خاصة في النشرة الاقتصادية اليومية، أو مواكبة للمقالات التي تنشر في الصحافة السورية، ومحاورة كتابها لملئ الوقت كما حدث في البرنامج اليومي الصباحي (نهار جديد) على القناة الأولى.
إن الإعلام السوري في تغطيته لمسألة رفع الدعم، لم يتجاوز الخطوط الحمر، فالشكوى من ارتفاع الأسعار، وتحميل الأمر لجشع التجار أو التقصير في الرقابة التموينية المسؤولية، وحتى انتقاد أداء وزارات بعينها، هو أمر مسموح به جداً، مادام يمارس على هذا النحو الذي يبدي انحيازه الظاهري لمصلحة المواطن، لكنه لا يقسو على الحكومة.. ولا يتحدث عن منابع الفساد التي تنهب المال العام، وتصنع العجز الحقيقي في الميزانية، وعن غياب المشاركة الحقيقية في صنع القرار الاقتصادي من خلال برلمان لم يقم بحجب الثقة عن وزير خلال الثلاثين سنة الماضية!!
رفع الدعم عن المشتقات البترولية في الإعلام السوري:
محمد منصور - عمان نت
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية