كادت مدينة دمشق أن تحتل المركز الأول عالمياً من حيث أعداد الشوارع المغلقة والحواجز الإسمنتية، التي بات منظرها مألوفاً بالنسبة لسكان العاصمة المحرومين من مرور سياراتهم بعدة مناطق ضمنها .
فمنذ بداية الانتفاضة الشعبية في 15 أذار 2011 وحتى شهر آب 2012 كانت الحياة تسير بشكل شبه طبيعي، لا سيما خلال ساعات النهار في شوارع تضج بحركة مرورية كانت اعتيادية .
ورغم الانخفاض الملحوظ في عدد السيارات بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي إلا أن خلوَ شوارع المدينة من الحواجز الأمنية كان يعطي المواطن شيئاً من الحرية في التنقل بين مختلف الأحياء وبشكل خاص قبل منتصف الليل، حيث موعد انتشار الحواجز الطيارة في الشوارع الرئيسية .
أول الغيث في آب !
مطلع آب الماضي بدأ أهل المدينة يشاهدون عناصر مسلحة تابعة لأجهزة الأمن تقف خلال ساعات النهار بالقرب من الساحات الكبرى والشوارع الرئيسية في المدينة، ولكن دون أن تقوم هذه العناصر بأدنى عمل سوى الجلوس على زوايا الشوارع، وربما مساعدة شرطة المرور في تنظيم عملية السير ببعض المناطق .
وفي تطور سريع بدأت هذه العناصر تشكيل حواجز ثابتة في عدة نقاط رئيسية من المدينة تقوم بتفتيش السيارات على مدار اليوم، وما لبث الأمر أن تطور أكثر مع تدعيم الأجهزة الأمنية تلك الحواجز بمتاريس من أكياس الرمل, تزامن مع إغلاق الشوارع الفرعية المؤدية إلى داخل الأحياء لإجبار المواطنين على الدخول بسياراتهم عن طريق الحواجز الأمنية لتجد طوابير من السيارات تقف مدة طويلة، ربما تصل لأكثر من ساعة في بعض الأحيان حتى يأتي دورها بالتفتيش والدخول إلى الكثير من الأحياء كحي ركن الدين في قلب العاصمة .
مفاجأة غير سارة
لم يكتفِ النظام بزرع حواجز الرمل في شوارع وساحات عاصمة الأمويين، بل عمد إلى تعزيز تحصين فروعه الأمنية بالحواجز الإسمنتية التي تستخدم كمنصفات في الطرقات الدولية، وما زاد في الطنبور نغماً أن تلك الكتل الإسمنتية باتت تحتل شوارع المدينة إثر استخدامها في تشكيل درع حول المباني الحكومية أيضاً .
مروان شاب أربعيني يروي لـ (زمان الوصل) عن المفاجأة الكبيرة عندما استفاق وغيره من رواد العاصمة ليجدوا الكتل الإسمنتية منذ أيام تحتل مركز المدينة وساحاتها الرئيسية .
وينقل الشاب الدمشقي المجبر على ارتياد المدينة يومياً بحكم وظيفته الرسمية مشاهداته اليومية حول إغلاق عدد من الساحات والشوارع الرئيسية كساحتي السبع بحرات الشهيرة والمحافظة، وشارع العابد ومنطقة البحصة التي تشكل أهم سوق تجاري في العاصمة، خاصة للإلكترونيات .
"المار في تلك المنطقة يظن أنه ضمن قلعة ضخمة من الكتل الإسمنتية المسلحة" هكذا يصف مروان المشهد سارداً القصص والحكايات عن امتعاض الناس من الانتشار المكثف لعناصر الأمن المسلحين على مداخل الشوارع والساحات .
محمد يبقّ البحصة
بينما يكشف محمد التلاوي عن قرار أمني يسمح فقط للمشاة بالدخول إلى تلك المناطق التي تحوي العديد من المقرات الحكومية، كالمصرف المركزي ومجلس الشعب والعديد من المقرات الحكومية السورية، مشيراً إلى أن ذلك تزامن مع ارتفاع وتيرة الانفجارات التي تشهدها العاصمة، لا سيما خلال الشهرين الماضيين .
محمد العامل في أحد محال البحصة يستهجن الحال التي وصلت إليها العاصمة في حديثه لـ (زمان الوصل)، لافتاً إلى أنه لم يكن يتوقع بيوم من الأيام أن يشاهد بعض الشبان من زملائه في المحال المجاورة بمنطقة البحصة يلعبون كرة القدم في منصف الساحة!!! وهي المنطقة التجارية المشهورة بازدحام السيارات والناس .
ويعزو محمد ذلك إلى انخفاض حاد في عدد الزبائن الذين يفضلون الذهاب لمكان آخر على الدخول في متاهة الحواجز الإسمنتية، فضلاً عن اضطرارهم إلى ركن سياراتهم في أماكن بعيدة عن هذه المنطقة.
دمشق الأسد!
أما أبو علي فيقول إن الأسد يدعم قلعته الأخيرة في محاولة يائسة منه لإيهام مؤيديه أنه ما زال مسيطراً على دمشق وسوريا عموماً .
ويضيف: لقد كانت لافتة أمام إحدى الحدائق بالقرب من جسر المتحلق على طريق المطار موشومة بعبارة "سوريا الأسد" أما اليوم فقد استبدلها النظام بـ "دمشق الأسد" في إيحاء منه على تناقص سيطرة النظام على البلاد .
ويرى أبو علي -وهو سائق تكسي أجرة بدمشق- أن ما نراه في المدينة التي أرهقتها كثرة الحواجز الأمنية والكتل الإسمنتية دليل على أن النظام السوري يجهز نفسه لمعركة العاصمة التي يعتبرها آخر قلاعه بعد سقوط أغلب المحافظات بيد الجيش السوري الحر، كما يوجه بتصرفاته الأمنية تلك -والكلام ما زال لأبي علي- رسالة إلى الثوار أن الطريق إلى دمشق مغلق وأبوابها محصنة، وصعبة المنال.
عمر الأتاسي - دمشق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية