أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إنغمار برغمان «1918-2007» أعظم أيقونات السينما الحديثة

في الثلاثين من تموز من هذا العام، يكون مضى على مولد السينمائي والمسرحي السويدي «إنغمار برغمان» تسعون عاماً. وبغيابه العام الفائت يكون العالم قد ودّع شاعر الشاشة الأعظم، وراويها الأكثر إبداعاً ومقدرة على الإدهاش المتجدّد، خالقاً عوالم بصرية بأكبر قدر من المشاعر، وأقل قدر من الكلام.

هذه القامة الإبداعية، عملاق الصورة، الذي يحضر بغيابه أكثر من وجوده، سوف يتذكره العالم لرمزيته، لشفافيته، لوضوحه المتأتي من غموضه، لشخصياته التي تثقل الشاشة بحجم ألمها ويأسها وضياعها وأوزارها الوجودية.
ولعل ما يميّز تجربة برغمان السينمائية، ويُضفي عليها خصوصية مفرطة في الفردية، ذلك الارتباط، حدّ الالتحام، بينه وبين أفلامه، كأنه في أفلامه كلها أو كأن أفلامه فيه، حتى استحقت تجربته أن يطلق عليها «البرغمانية» بسبب النسق البرغماني ذاته، الذي يمكن تلمّسه في كل فيلم.

في هذا الخصوص، قال «إنغمار» ذات مرة معترفاً: «إن أفلامي جزء من تفكيري ومن عواطفي، كما أنها جزء من توتراتي وأحلامي ورغباتي. في بعض الأحيان قد تأتي من ماضِ، وفي أحيان أخرى قد تنشأ من حياتي الخالية». وإلى جانب إرثه السينمائي الضخم، كمّاً ونوعاً، كان برغمان أحد أبرز رموز المسرح السويدي الحديث، خاصة أنه كان قد انطلق من المسرح إلى السينما، قبل أن يعود إلى المسرح، عشقه الأول، في ختام مسيرته الفنية الطويلة.
وعلى مدى أكثر من ستين عاماً، هي عمر مسيرته السينمائية، حقق برغمان 62 فيلماً، وضع سيناريوهات لمعظمها، صّور أغلبيتها في السويد وتحديداً في جزيرة «فارو»، التي اتخذها السينمائي مستقراً له، وعاش فيها منذ الستينيات حتى وفاته. كذلك أخرج برغمان 170 مسرحية، واللافت أن السينمائي صاحب الروائع، مثّل «صرخات وهمسات» و«الختم السابع» و«الصمت» وغيرها من الأفلام التي دخلت كلاسيكيات السينما الأشهر. لم ينل أي «أوسكار» كأفضل مخرج، وإن رشح لتسعة أوسكارات، في حين فاز ثلاثة من أفلامه بـ «أوسكار» أفضل فيلم أجنبي.
إبداع.. من الصغر

ولد إيرنست إنغمار برغمان، في مدينة إبسالا، في السويد في الرابع عشر من آذار، عام 1918، والده إيريك برغمان وهو رجل دين لوثري محافظ، فرض تربية صارمة على الابن، لعبت دوراً كبيراً في صوغ أفكاره. بل إن الوالد كان من القسوة بحيث إن الصغير كان يُعاقب بالحبس في الخزانة، على أقل غلطة يرتكبها. ولّما كانت علاقة والده بأمه كارين، التي تنحدر من أسرة ثرية، دائمة التوتر، فإن الحياة الأسرية ضمن مفهوم المؤسسة الزوجية لم تكن لتقترن بالنسبة إلى الصغير «إنغمار» بالسعادة، وهي فكرة حملها معه لاحقاً، ليشكّل تفسخ العلاقة الزوجية وانهيارها، «تيمة» أساسية في العديد من أفلامه.
درس «برغمان» الأدب والفنون في جامعة «ستوكهولم»، مطوراً منذ الصغر، اهتماماً غير عادي بالمسرح والسينما، التي أدمنها باعترافه منذ أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، أي في أولى سني مراهقته.
بعد الجامعة، مضى برغمان جدياً نحو احتراف الفن، لتلبية شغفه بالمسرح، فعمل كمخرج متدرب في مسرح ستوكهولم. في تلك الفترة كتب ونشر عدداً من القصص القصيرة، ومجموعة من المسرحيات، من بينها مسرحية «موت كاسبرز» عام 1942. وفي السادسة والعشرين من عمره، أصبح برغمان أصغر مدير مسرح في أوروبا، حيث تولى إدارة مسرح مدينة هالز نيغبورع في السويد، وهو منصب لم يكن ليتبوأه في تلك السن، لولا تقديمه مجموعة كبيرة من النتاجات المسرحية التي حظيت باستحسان نقدي وجماهيري.
انتقل برغمان بنجاح من إدارة مسرحية لأخرى، فبعد عامين أمضاهما في مسرح هالز نيغبورع من عام (1944 ـ 1946) انتقل إلى مسرح مدينة غوتنبيرغ، كمدير، وذلك في الأعوام من (1946ـ 1949)، ثم تولى إدارة مسرح مدينة مالمو من عام ( 1953ـ 1960) قبل أن ينتقل إلى مســــــرح» «دراماتن» في «ستوكهولم»، في الفترة من (1960ـ 1966).

نجاحاته السينمائية:
توالت نجاحات برغمان السينمائية، من خلال مجموعة أفلام قُدّر لها مع الوقت أن تستحيل روائع بصرية ومرجعاً لكل شغوف بالإبداع السينمائي. ففي العام 1957، حقق برغمان فيلم «الفراولة البرية»، الذي عُدّ علامة فارقة في مسيرته الفنية. وجاء «الختم السابع» في العام 1957، ليعزز نجاح برغمان على الصعيد العالمي، ويشرّع أهليته لعرش الإبداع السينمائي. فالفيلم الذي صُوّر في 35 يوماً فقط، نال العديد من الجوائز الدولية، من بينها جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان، وتدور قصة الفيلم والتي كانت أحداثها في القرن الرابع عشر للميلاد، حول فارس يتحدّى الموت في لعبة «شطرنج».
واللافت في مسيرة «برغمان» السينمائية، أن المخرج المبدع، طور ما يُعرف بـ«ذخيرة» من الممثلين السويديين الذين كان ينتخبهم مراراً وتكراراً في أفلامه. وكانت النجمة النرويجية «ليف أولمان» آخر من انضم إلى هذه الذخيرة، حيث ظهرت في تسعة أفلام سينمائية لبرغمان، وفيلم تلفزيوني واحد له. وتكتسب علاقته بها أهمية خاصة على الصعيدين المهني والشخصي، فإلى جانب كونها نجمته الأثيرة و«ملهمته» على الشاشة، تولدت بينهما علاقة عاطفية استمرت سنوات، وأثمرت ابنة، هي «لين»، التي أصبحت روائية.
تجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أن «برغمان»، تزوج خمس مرات. زواجه الأول كان بالراقصة ومصممة الرقصات «إلسي فيشر» من عام 1943 ـ 1945. أما زواجه الثاني فكان بالمخرجة ومصممة الرقصات «إلين لون ستورم» حيث استمر زواجهما من العام 1945 ـ 1950 وفي العام 1951 دخل «برغمان» قفص الزوجية للمرة الثالثة، وذلك بارتباطه بالصحافية «غون غرات» قبل أن يترك القفص في العام 1959، ليدخل القفص للمرة الرابعة في العام نفسه، بزواجه بعازفة البيانو «كابي لارتي» ويغادره في العام 1969، ثم جاء الزواج الخامس والأخير في العام 1971 حين تزوج «برغمان» الكونتيسة «إنفريد فون روزن» وهو الزواج الوحيد الذي لم ينته بالطلاق، كالزيجات الأربع السابقة، حيث توفيت «إنفريد» في العام 1995، جراء إصابتها بالسرطان ليظل برغمان أرمل حتى وفاته. وفي المجموع كان«برغمان» أباً لتسعة أبناء جميعهم باستثناء ابنته «لين أولمان»، من زيجاته الخمس. لكن «برغمان» لم يكن «رجل زواج» فقط! فإلى جانب علاقته العاطفية المعلنة مع «ليف أولمان» التي استمرت من العام 1965 وحتى العام 1970، تورّط في علاقات غرامية مع الممثلة «ها ربيت أندر سون» ومع الممثلة «بيبي أندر سون».
أمضى «برغمان» آخر سني عمره فيما يشبه العزلة، في منزله في جزيرة «فارو» محاصراً بذاكرته الشخصية، وبذاكرة أفلامه من جهة ثانية، وكلتا الذاكرتين: الشخصية والسينمائية، وجه لحقيقة واحدة، فيها من الحلم والخيال بقدر ما فيها من الواقع.. فيها من الإحباط بقدر ما فيها من الدهشة والإبداع.

(152)    هل أعجبتك المقالة (148)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي