أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

العامل السوري يسهم في مراكمة الثروة اللبنانية رغم "الاستغلال"


الجزء الثاني

يقول المحلل الاقتصادي اللبناني المقيم في باريس "فيصل جلّول": إن رخص اليد العاملة السورية وفرت أرباحاً هائلة للبنانيين في مرحلة إعادة الإعمار، فكلفة بناء ما دمرته الحرب كان يمكن أن تكون مضروبة بثلاثة، لو أن اللبنانيين أرادوا حصر مشروع إعمارها بالعمالة اللبنانية". وعليه يضيف: "لعب تضخم العمالة السورية وفيضانها عن حاجة السوق في زيادة العرض على الطلب، وبالتالي انخفاض الأجور وارتفاع أرباح كثير من اللبنانيين". والمعنى ذاته يكرره رئيس المجلس السوري اللبناني الأعلى "نصري خوري" عند التطرق لموضوع العمالة السورية؛ حيث يؤكد أنهم وفَّروا على لبنان 2 مليار دولار سنوياً، فضلاً عن أن الاقتصاد اللبناني الحر تضاعف نتيجة وفق قناعة "الجلول" فالعمال السوريون يسهمون بمراكمة الثروة اللبنانية، خاصة أنه لا يترتب عن قوة عملهم كلفة اجتماعية أو صحية، ما يجعلها باختصار "فرصة نادرة للنمو اللبناني".
ويبقى المثال اللبناني ليس فريداً من نوعه وفقاً لجلول، فنهضة النمور الآسيوية قامت أصلاً على اليد العاملة الرخيصة والنهضة الصينية الراهنة متصلة برخص العمالة المحلية، وما يسمى بالسنوات الثلاثين المجيدة في فرنسا تدين للعمالة المغاربية المهاجرة والرخيصة، ونهضة الاقتصاد الألماني متعلقة جزئياً بالعمالة التركية الرخيصة. 

في تجربة النمور أسوة حسنة 
يبقى المثال اللبناني ليس فريداً لنوعه وفقاً لرأي "الجلول" فنهضة النمور الآسيوية بنيت أصلاً على اليد العاملة الرخيصة، فوقوف الصين الراهن على قدميها متصل برخص العمالة المحلية، بالمقابل تدين فرنسا للعمالة المغاربية المهاجرة الرخيصة، فيما يسمى بالسنوات الثلاثين المجيدة، بينما تعد نهضة الاقتصاد الألماني متعلقة جزئياً بالعمالة التركية الرخيصة.

العقد شريعة متعاقد وحيد 
وفقاً لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، يشبِّه نديم حوري، العمالة السورية على أرض لبنان "بزواج مصلحة" بين البلدين الأمم؛ حيث تمكِّن هذه الظاهرة العديد من الشركات اللبنانية، توفير مبالغ مالية كبيرة عن طريق توظيف عمال سوريين تستطيع إنهاء عقودهم في أي وقت، لا سيما أنهم يستطيعون دخول لبنان دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرة كما يقول الواقع ويوصِّفه "الحوري".

نفخ في طبل العمالة
يطالب رئيس المجلس الأعلى السوري اللبناني اقتصاديي لبنان بقراءة أعداد عمال سوريا في بلادهم وفق حجمها الحقيقي، دون مبالغة أو تحديد رقم معين، فوفقاً لصحيفة الأخبار اللبنانية، يقول: "هناك تضخيم لحجم العمالة السورية في لبنان؛ إذ يُعتقد أن العمالة السورية كلها دائمة، وهذا غير صحيح"، مؤكداً تراجع عددها بسبب ما يحدث في سوريا، "ما يرتب أعباء إضافية على الاقتصاد اللبناني"، الذي انتعش عبر تبادل تجاري قياسي بين سوريا ولبنان وصل إلى 100% منذ عام 1994 حتى عام 2011، بحجم تبادل بلغ ملياري دولار، بعدما كان مجموع الصادرات اللبنانية عام 1994 قليلة للغاية، لكنها تجاوزت نصف مليار دولار في 2010، وهذا يشير لتوازن في حركة التبادل.

الأعداد لسوريا والأجور للبنان 
يشير "خوري" في المقابل أن السوق السورية أصبحت تستقطب العمال اللبنانيين وخصوصاً في القطاعات التكنولوجية والاتصالات والمصارف والتأمين والسياحة والنفط وغيرها، والعمل في هذه القطاعات يعد ذا مردود مرتفع، وبالتالي "ما يدخله العمال اللبنانيون من أموال إلى لبنان من خلال عملهم في سوريا يوازي ما يدخله العمال السوريون إلى بلدهم من خلال عملهم في لبنان"، رغم اختلاف العدد لصالح السوريين، وتفوق الأجور لصالح اللبنانيين؛ إذ تتحدد أعمال أغلبهم في سوريا بمتوسط يصل 3000 دولار شهرياً، وهي تساوي 15 ضعفاً لدخل المواطن السوري في بلده، ومن هنا كشف تقرير رسمي صادر عن "هيئة الأوراق المالية السورية" أن جنسية المدير التنفيذي في 15 شركة سورية منها 14 مصرفاً، ينتمون إلى جنسيات أخرى غير السورية وخاصة الأردنية واللبنانية، وبالتالي ليس غريباً أن يشاع في المجتمع السوري أن المدير التنفيذي بشركة اتصالات سوريا "القلعجي" يتقاضى كلبناني مليون ونصف ليرة سورية!

عتب على قدر العتب
يأخذ اللبنانيون على العمال السوريين أنهم يحولون ملياري ونصف دولار من أجورهم إلى سوريا، دون أن يذكروا مليارات الدولارات التي نتجت عن الأجور المصروفة والمحولة، هذا ما يؤكده "الجلول"، مستغرباً عدم التذمر من تحويل مليارات الدولارات من قبل نظراء السوريين من العمال السيريلانكيين والإثيوبيين والفلبينيين، ومن الجنسيات العربية الأخرى، في وقت بلغت فيه قيمة تحويلات العمالة اللبنانية إلى بلدها 8,5 مليار دولار لعام 2011.

العامل شبح خفي 
من مزايا العامل السوري التكيف تبعاً لتقلبات الوضع اللبناني، اقتصادياً وسياسياً، يساعد في ذلك القرب الجغرافي، والعلاقات الثنائية لشعب واحد في بلدين؛ حيث يسجل رسمياً مع بداية الحرب اللبنانية نزوح قرابة 750 ألف لبناني إلى سوريا، كانت الدولة السورية تخشى على إمكانياتها عدم القدرة الاستيعابية لهم، ومع ذلك لم يلجأ لبناني إلى طلب مساعدة الحكومة، لوجود أهل وأقارب ومعارف تكفلوا به في سوريا، ومن هنا ليس غريباً أن يسمح للسوري بالإقامة ثلاثة أشهر في لبنان دون طلب إجازة عمل، وعند انقضاء المهلة، يكفيه الرجوع إلى الحدود في رحلة لا تستغرق من قلب العاصمة دمشق 50 دقيقة، لتجديد إجازات إقامته، في وقتٍ ينبغي على حاملي الجنسيات الأخرى شراء تأشيرة دخول، ثم الحصول على إجازات عمل تعطيهم الحقّ في بطاقة إقامة، إضافة إلى ما يفرضه ذلك من إلزام أرباب العمل في لبنان دفع تكاليف أخرى، كالضمان الصحي والتأمينات، والتي لا تشمل العامل السوري الخفي، فضلاً عن الأجور المتدنية بمعدل وسطي 350 دولاراً، أي ما يعادل 17.500 ليرة سورية، ولولا حذاقة العامل السوري، بجلب مؤونته وغذائه معه من سوريا، لمواجهة تكاليف الحياة المرتفعة لبنانياً، لما استطاع فتح دفتر توفير بين جنبات نفسه، وهو ما يعترف به العامل "محمد خلف" الذي يقول: "يضحك علينا سائقو الحافلات حين نشحن متاعنا وأكلنا وحتى شربنا، وكذلك موظفو الجمارك، ولكن من يعرف يعلم، ومن لا يعرف يقول كف عدس". 

على الموت لا يخلو السوري من الحسد 
"لعلاء محمد/25 سنة" الشاب اللبناني المقيم في بيروت رأي آخر؛ حيث يقول: "إن ما يشاع حول الأجور القليلة للسوريين غير صحيح، فالعامل السوري يتقاضى أجراً مثل اللبناني وأكثر، وما انعكس عليه إيجاباً وفقاً لدراسات لا يعرف لماذا لا تنشر حسب قوله، بالمقابل فإن البحث والتقصي عن أحوال العمالة السورية في لبنان يتبيّن أن: "76% منهم أصلحوا أحوالهم إذ استطاعوا إنشاء منازل في قراهم السورية، كما أنهم تمكنوا من الوصول إلى بر الاكتفاء الذاتي، ومن هنا قد يبدو ربط سن الزواج لدى السوريين بوفرة الكسب غير مستبعد؛ إذ انخفض لديهم إلى 24 سنة، مقابل ارتفاعه عند اللبنانيين إلى 35 سنة"، ولعل هذا أحد الأسباب التي دفعت مجموعة شباب لبنانيين بالتعبير عن رفضهم عمل السوري دون دفع ضريبة، من خلال إنشاء صفحة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أطلق عليها: "لماذا لا تفرض الحكومة اللبنانية ضريبة إقامة على العمّال السوريين."
وتقول الصفحة إن السيريلانكيين والإثيوبيين والمصريين وجميع العمّال الأجانب من مختلف دول العالم يدفعون إلى وزارة العمل للحصول على رخصة للعمل في لبنان، وكذلك يدفعون للأمن العام اللبناني للحصول على الإقامة في بلادنا، بينما العامل السوري لا يدفع أية التزامات، رغم أنهم يشكلّون النسبة الأكبر من العمالة في بلاد الأرز.
منذ آيار 2005 اتخذت الحكومة اللبنانية إجراءات تحد من دخول العمّال السوريين إلى أراضيها، بغية توفير فرص عمل للبنانيين. كإلزام حيازة العمال السوريين الحصول على إجازة عمل، لكن هذا الإجراء لم يُطبَّق بسبب ضغوط أرباب العمل، ولا سيّما في الزراعة والبناء، كما لجأت وزارة العمل اللبنانية عام 2006 إلى تنظيم العمالة السورية الموجودة على الأراضي اللبنانية، معلنة إنشاء "دائرة تنظيم العمال السوريين في لبنان"، بعد محادثات مع الجانب السوري، إلا أن هذه الدائرة الجديدة لم تتمكن كذلك حتى اليوم، من الانطلاق في مهماتها، مع التذكير أن المادة الرابعة من اتفاقية العمل الثنائية الموقعة بين سوريا ولبنان عام 1991 تشير إلى تمتع العمال المشتغلين في الدولتين بنفس المعاملة والمزايا والحقوق والواجبات نفسها التي يستحقها عمال البلد، وفقاً للقوانين والأنظمة والتعليمات المرعية في كل منهما.

هموم عالية بلا جدران 
رداً على ما عاناه الكثير من العمال السوريين خارج وطنهم، أنشأت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية جمعية أهلية في دمشق باسم "جمعية الدفاع عن العمال السوريين في الخارج" تهدف لدعم العمال السوريين خارج بلدهم، وفق الحقوق التي تكفلها لهم الاتفاقيات والقوانين الدولية، ما يعني مرة جديدة عدم متابعة شأن العامل السوري في لبنان كونه غير مرئي، أي بلا تصريح، ولا يتبع لاتفاقيات أو قوانين، لتبقى هموم العامل السوري مشرعة للهواء، ومعلقة بلا جدران على روافع الجدران ضمن الأبنية الشاهقة في سماء لبنان، وتحت وطأة أقدارها تترجم الآمال أو تغيب في ضبابية الحظ وربما الظلم، كأحلام "محمد خولي"، وفي أحسن الأحوال تبقى مخاوف على خط النار، في بلدٍ عاش ظلال الحروب، ويعرف معاني ظلمها، "كعدنان حسين" الذي يعمل بيد، والأخرى دائماً يضعها على قلب مخاوفه.

الجزء الأول

يُقتل بصمت... العامل السوري يوفر على لبنان المليارات ويمسي ضحية لـ"العنصرية"


رضا علي - زمان الوصل
(108)    هل أعجبتك المقالة (118)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي