أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الحياة في زمن الثورة... "إذا ضلينا عايشين"

كنت أستهجن الجملة التي يذيّل السوريون في المناطق الساخنة بها ضروب مواعيدهم: "إذا ضلينا عايشين"، إلا أن امتداد أصوات القذائف ورائحة البارود إلى دمشق -حيث أقيم- دربني على العيش في طقوس الحرب، فصرت كلما حددت موعداً مع أحدهم، أسبقه إلى قول الجملة الأكثر استخدماً في سوريا اليوم: "بشوفك.. إذا ضلينا عايشين"..

السوريون.. يفقدون أحلامهم الفردية

للحياة في زمن الحرب السورية، قوانينها الخاصة التي يمكن لأي سوري مقيم في الداخل أن يختصرها، كما تقول المحللة النفسية سها العبد الله؛ بتعبير (اللاجدوى)، وتنسحب اللاجدوى وفقاً للمحللة على التخطيط الفردي للغد بكل مقاساته، بمعنى أن الأحلام الفردية تفقد قيمتها، أمام الحلم الجماعي، الذي يختصر وجود وهموم الفرد السوري حالياً، هو بالنسبة لأغلبية السوريين يتجسد بـ (إسقاط النظام)، وهو مسعى يستحق بنظر الشعب كل التضحيات الفردية المبذولة، كون إيجابياته ستنعم بها الأجيال القادمة.

 وتضيف المحللة: الأشياء الفردية لا جدوى منها في سوريا في المرحلة الراهنة، كون الفرد لا يستغرب أن يُكتب له الموت بعد دقيقة، مما يجعل حياته ذات أهمية منخفضة، مقابل الهدف الجمعي الذي يجتمع حوله السوريون... فلا أحد يرغب -على سبيل المثال- بإصلاح منزله أو تجميله فقد تأتي قذيفة وتدمره، وكذلك لن تجد من يفتتح مشروعاً جديداً، كما تقل نسبة الفتيات الراغبات بشراء الثياب وأدوات التجميل، لأن الموت بات أقرب إليهن من الحياة، ويُقاس الشيء ذاته على مختلف التفاصيل.

 وتتابع العبد الله: تختزل ملامح وجوه السوريين كآبتهم المخزّنة، لأنهم في الغالب لا يجدون من يفضفضون له بآلامهم، كون الهموم مشتركة بين أبناء الشعب، ولذلك يحتفظ كلٌ منهم بآلامه لذاته، مما يضاعف من مقدرة الألم على أسر صاحبه.

 وتضيف المحللة: حجم الاكتئاب والشعور بالخيبة الذي يعانيه السوريون، لن يظهر إلا بعد سقوط النظام، لا بل وانتهاء مرحلة الفوضى المتوقعة بعد رحيل النظام، لأنه كما ذكرت سابقاً لن يلتفت الفرد إلى ذاته إلا بعدما تستقر ظروفه المعيشية.

يسرقون الابتسامة.. إن استطاعوا إليها سبيلاً

على الرغم من أن طباع السوريين صارت أكثر صلابة وتأقلماً مع الموت، غير أنهم ما زالوا يبحثون عن الابتسامة التي دفنوها في نعوش أبنائهم، يقول الطبيب الميداني والناشط "أيهم": نعمل في أشد الظروف الإنسانية قسوةً، فقذائف النظام لا تستثني حتى الأطفال، ولكننا مع ذلك نحاول اختبار مقدرتنا على الاستمرار بالحياة، من خلال السخرية والضحك.. ويضيف أيهم: نخلق الابتسامة من قلب مأساتنا، فكثيراً ما يكون هروب أحدنا من الأمن واختباؤه في مكان ما مصدراً للسخرية، فقد نتصل به وندعي أننا من الأمن.

ويشير أحد الناشطين في مجموعة فيسبوكية تجمع لافتات "كفرنبل" في متحف إلكتروني:

تحضر السخرية في معظم اللافتات الكتابية أو اللوحات الفنية المرفوعة في المظاهرات السلمية، والتي استخدمت فيما بعد على صفحات إلكترونية متعددة، كدليل توثيقي لأفكار ومراحل الثورة.. ويضيف الناشط: لن يتمكن الموت من إسقاط حب الحياة من حسابات المواطن السوري، الذي تحدى نظاماً دموياً من أجل الحياة بحرية وكرامة.

ويؤكد الشاب دياب الذي عقد مؤخراً قرانه من فتاة أحلامه، على رغبة الشباب السوري بالحياة، مهما قست عليهم الظروف، يقول دياب: بعد أن كان قرارنا بالاحتفال بزواجنا في يوم سقوط النظام، لم يعد بمقدورنا "نحن الشباب" تأجيل لحظات السعادة، لأن الموت بات أسرع بكثير مما نتوقع، ولذلك ارتفعت نسبة الزيجات بين الشباب السوري، وهي عادة ما تكون زيجات بلا احتفال، نظراً للظرف المادي والاجتماعي، ولكن الوحدة في هذه الأوقات تكاد تكون قاتلة لأي شاب أو فتاة.

 

لمى شماس - دمشق - زمان الوصل
(93)    هل أعجبتك المقالة (87)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي