في تحول سياسي لافت طلبت السلطات التركية من اللاجئين السوريين الابتعاد عن الحدود، فإما الإقامة في المخيمات أو السكن في المدن الرئيسة كأنقرة واسطنبول، أو طلب اللجوء السياسي من أي بلد آخر أو العودة إلى سوريا.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية سلجوق أونال -وفقاً لصحيفة واشنطن بوست- إن تركيا كأية دولة في العالم من حقها ضبط ملف الهجرة والحدود لتعرف من يقيم على أراضيها.
ومع نهاية الأسبوع الماضي بدأ الأمن التركي بقرع أبواب الآلاف من اللاجئين السوريين، وطلب منهم الابتعاد عند الحدود المشحونة بتوتر طائفي إلى المدن التركية، وذلك لمن يحمل جواز سفر ودخل الجمهورية التركية بطريقة شرعية، أو العودة إلى المخيمات لمن دخل الحدود من قرى إدلب والمناطق الحدودية، أو الخروج من تركيا لمن يستطيع الحصول على لجوء سياسي في دول أوروبية أو عربية.
الحملة التركية المفاجئة خلقت حالة من الهلع والخوف لدى أكثر من أربعين ألف سوري يقيمون في جنوب تركيا، ممن استأجروا بيوتاً وبعض الأثاث، مثل هنادي محمود التي اشترت قطعاً من الأثاث ومايكروويف وأنجبت مولوداً، وبدأت باعتياد العيش وهي الآن تحزم أمتعتها وتستعد للرحيل.
وتظهر هذه الإجراءات القاسية من قبل حكومة رجب طيب أردوغان -وفقاً لواشنطن بوست- تحوَّلاً كبيراً في الموقف التركي بوصفه داعماً للحركة الثورية في سوريا، وترى أيضاً أن ذلك رسالة إلى الأميركيين والأوروبيين والأمم المتحدة بأنهم تجاهلوا اللاعب الأكبر وجبهة القتال المستعرة على الحدود السورية التركية.
واعتبر مسؤولون أتراك أن القرار التركي جزء من سعي اسطنبول للسيطرة على حدودها أولاً، ولطمأنة وتلطيف الأجواء مع سكانها الذين لا يدعمون الثوار وإنما نظام الرئيس الأسد.
وشهدت مدن تركية في إقليم هاتاي-لواء اسكندرونه ذي الأغلبية العلوية في الأسابيع القليلة الماضية مسيرات تأييد ودعم للرئيس الأسد، ومنددة بالثوار بوصفهم "إرهابيين"، حتى إن بعض المعارضين منهم طالبوا بطرد كل اللاجئين السوريين بشكل علني. وكان إقليم "هاتاي" -المحاصر اليوم- في عام 1938 جزءاً من سوريا، اللواء الذي لم ينساه السوريون لليوم، والذي انتهى رسمياً وسلخ عن الخارطة السورية بعد اتفاق أضنه 1998 بعد مساومة سياسية وعسكرية انتهت بتسليم قائد حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، وتسوية وضع اللواء نهائياً.
ولعل المعلومات التي بحوزة حكومة أنقرة عن محاولة المخابرات السورية إثارة القلاقل في اللواء من خلال تنشيط خلايا نائمة تطالب بعودة اللواء تحت غطاء قومي، فضلاً عن إشعال التوتر الطائفي، واحتمال نشوب نزاع طائفي في لواء اسكندرونه ما بين علويين أتراك وسنة سوريين وأتراك، وذلك بعد تبادل المسيرات والمظاهرات والتي شارك فيها مواطنون أتراك، حتى إن إحدى المظاهرات طالبت بقتل العلويين الأتراك المؤيدين للرئيس السوري.
وهذا ما يبرر الإجراءات التركية لتطويق الأزمة قبل تفاقمها من خلال السيطرة على الحدود وعلى الوضع داخل إقليم هاتاي-لواء اسكندرونه في حال سقوط النظام السوري لمواجهة أية ردود أفعال من شأنها فتح جبهة جديدة في الخاصرة التركية، فضلاً عن جبهة الصراع مع حزب العمال الكردستاني.
وصرَّح مسؤول تركي رفيع المستوى بشرط السرية لـ "واشنطن بوست" نحن لا نرغم أي أحد على الرحيل، ولكن لحساسية القضية علينا أن نأخذ التوترات المحلية -لا سيما في هاتاي- بعين الاعتبار. ونحن هنا لا نتكلم عن بضعة سوريين وإنما عن الآلاف منهم".
وبلغ عدد اللاجئين السوريين وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة حوالي 80000 آلاف لاجئ على طول الحدود التركية، نزح أغلبهم من قرى إدلب والمناطق الزراعية الحدودية، بينما يتوزع أكثر من أربعين ألف لاجئ على المدن التركية وفقاً لوكالتي غوث اللاجئين التركية والأممية.
العودة ولا المذلة
وطالبت الحكومة التركية كل لاجئ سوري لا يملك أوراقاً ثبوتية كاملة أن يذهب إلى المخيم، فهناك يستطيع الحصول على الطعام والمأوى والطبابة، وأن يدخل أولاده للمدرسة.
خيار العيش في المخيم دفع بعض السوريين لوضع الخيارات الأخرى في الحسبان، وهي العودة إلى سوريا أو البحث عن لجوء إنساني لدولة أخرى.
زياد عليوي وهو مقاتل شاب يقيم مع ستة ثوار آخرين في شقة تملؤها أعقاب السجائر وكؤوس الشاي. يقول: "إني لأفضل الموت تحت قصف المدفعية في مشق على أن ألقى معاملة غير حسنة هنا".
وأما رفيقه أحمد شرف الدين فعندما قرع رجلان من الشرطة باب الشقة منذ يومين في أنقرة وطلبا منهم الرحيل لم يكن بمقدوره حتى فتح الباب بسب رجله المهشمة المثبتة بمسامير وصفائح بعد إصابته بشظية دبابة.
"ورغم أنهم رأوا جراحي لكنهم طلبوا مني الرحيل في كل الأحوال" قال شرف الدين، قمت بحزم أمتعتي ولكني أقسمت أنا والرجال ألا نذهب أبداً لمخيم النازحين لأن الحركة محدودة ومقيدة".
وعائلات أخرى ممن قرعت أبوابها رأت الحل في الابتعاد عن وجه الشرطة، كالعيش في القرى التركية الطيبة أو الاختباء في زحمة الناس في اسطنبول.
الطبيب نمير الناصر مدير إحدى العيادات الجراحية على الحدود التركية يقول: "لن نغادر، بإمكانهم أخذنا للسجن إذا أصروا، نحن هنا مرابطون".
الناصر صاحب العيادة المكتظة بالجرحى يزيد عددهم عن ستين جريحاً من الثوار المستلقين على أسرَّتهم بضماداتهم المليئة ببقع الدم الحمراء.
تركيا الشريان الحيوي للثورة
ولا تبعد الحدود التركية عن أرض المعارك في سوريا سوى ساعات مثل حلب، والتي تبدو منطقة آمنة للثوار السوريين وباستطاعتهم إرسال عائلاتهم إليها، لتكون بأمان ولإرسال الجرحى وللحصول على المؤن والعتاد من العالم الخارجي.
الدكتور عمار مارتيني العائد للتو من رحلة أسبوعية لسوريا أوصل فيها الطعام والدواء، يعتبر تركيا الشريان الحيوي الذي يغذي الثورة السورية. يقول الطبيب إن دور السوريين على الحدود من لاجئين ومقاتلين بإمداد الثوار بكل متطلباتهم أمر مفصلي وعالي الأهمية.
"لن أستطيع فعل شيء إذا كنت بعيداً 300 كيلو متر عن من هنا. نحن بحاجة البقاء هنا لنكون بالقرب من الحكومة التركية لكي تساعدنا".
وكانت تركيا طلبت من الأمم المتحدة إنشاء ملاذ آمن داخل سوريا؛ منطقة عازلة لا يستطيع جيش النظام القرب منها.
ويبدو مؤخراً أن تذمراً تركياً بات يلوح في الأفق؛ إذا إن الضيافة التركية لها حدود كما تقول "واشنطن بوست" مع قدوم عشرات الآلاف من النازحين السوريين، والثوار والمنشقين عن الجيش والنخب التجارية من رجال الأعمال والتجار. فكل ما لاقاه اللاجئ السوري من تعاطف ومعاملة حسنة أخذ من جيب دافع الضرائب التركي.
يقول أحد الناشطين السوريين ساخراً: "الحكومة التركية تعطينا الهواء لنتنفس فقط لا لنتنعَّم به، وهذا بحد ذاته أمرٌ جيد."
ترجمة: زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية