أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

يوميات صحفي حمصي نازح إلى دمشق

" يا حبيبي اللي صار بحمص مش موجود بالشام".... صرختُ بالعبارة عبر الهاتف لرئيس التحرير منهياً نقاشاً أعياني، سأبدأ معكم من "الأول" كما يقول الحمامصة أو من البداية كما يحلو للمثقفين لفظها .
يوميات صحفي من حمص، نشرتها الشرق الأوسط كمجموعة مشاهدات من المدينة التي يدكها الآن جيش وشبيحة النظام السوري، مشاهدات عن بدايات الثورة والتشبيح، وانتشار الأمن والقناصة والحواجز اختلط فيها الموت بألعاب كرة القدم بعد قمع الأمن للتظاهرات، واختلطت البسمة فيها بقفشات مجاذيبها على ظهور المدرعات ودبابات الجيش مع ظرافة أهلها .
مؤيدات "ستيرينغتل":
نزحنا من حمص المنكوبة لمدينة القطط واليمام، كما أحب أن اسميها "دمشق التي كانت آخر قلاع الأسد" مروحة الجعفري وكنز أحلامه –بالإذن من روح نزار قباني– تلك العبارة التي أسقطها الجعفري ليجعلها من مفردات الشارع الدمشقي الساخر (منه) الثائر (على النظام (دمشق ليست حمص، فلا مجاذيب هنا في شارع بغداد أو ساحة البرلمان أو عرنوس، فحفلات الشبيحة والمؤيدين التي كانت تملأ تلك الساحات شبه انعدمت ليحتلها الأمن وحواجزه، لتتحول المليونيات -كما يحب إعلام النظام تسميتها- لعشرات، ثم لمسيرات طيارة لا تتعدى أصابع الكف الواحد، فمن الراقصات الصابغات المتصابيات في الساحات لباصات الأمن التي تخرج من نوافذها الرشاشات وهي تهتف بحياة الأسد!
لا يمكنك أن تتكلم عن المليونيات إلا وتتذكر مسيرات السيارات التي كانت تخرج مؤيدة لنظام الأسد ليلاً، مسيرات "السترينغل" والكلمة هنا من ابتكار فنان الكاريكاتير السوري علي فرزات والتي أضاف للفظ "سترينغ" حرفا الـ "تل" وهي نهاية كلمة "سيرياتل" شركة الخليوي المملوكة لرامي مخلوف، والسبب أن السيارات التي كانت تخرج مؤيدة ليلاً هي ملك للمخلوف محشورة حشراً بموظفي سيرياتل، البنات على نوافذ السيارات وأسطحها يحملون أعلام النظام والمسجلات تصدح بالأغاني الوطنية الحماسية التي تمجد القائد الخالد البطل، طبعاً لم نكن نلتفت إلا لتلك البطون وأسفل الظهور التي يظهر منها "السترينغتل" والصدور المكشوفة، التي تحمل صور القائد الخالد مع عبارة "منحبك".
تظاهرات عرنوس والسبع بحرات الخالية إلا من سيارات الأمن والشبيحة والحواجز، والتي يقف فيها البرلمان شاهداً على مسيرات الشبيحات باللباس العسكري (المموه) راقصات متقاعدات وربات بيوت، لا يمكنك إلا أن تضحك عندما تشاهدهم بالعتاد الكامل مستعدات دائماً للركض والانبطاح عند أي نداء من "شبيح" المسيرة (العفوية طبعاً).

تحولت كل تلك "السترينغات والمنبطحات" لبضعة عشرات تتجمع بكسل وخوف أمام باب محافظة دمشق محاطين بمئات رجال الأمن والشبيحة، يحملون صور القائد الشاب، ولكن للأسفل هذه المرة ترافقهم كاميرات الإعلام السوري التي سرعان ما يستسلم مصورها "لسندويشة المرتديلا والخيار" على باب المحافظة برفقة عناصر حفظ النظام وبعض الشبيحة.
ليل دمشق الخالي إلا من عناصر الأمن ورواد مقهى الحجاز والهافانا تحول بين ليلة وضحاها ليشبه ليالي معظم المدن المحاصرة، فلا تستطيع أن تتأخر في مكتبك أو محلك أو مع أصدقائك وإلا فإن الاتصال الذي اعتدته في حمص سيذكرك بالرجوع فوراً، لأن "الدبكة رح تبلش".
الدبكة في دمشق:
الدبكة كلمة متعارف ومتفق عليها بين السوريين على هواتفهم الخلوية المراقبة من قبل فرع المعلومات، وتعني أن الاشتباكات ستبدأ الآن بين عناصر الجيش الحر وأمن النظام، إلا أن الدبكة مختلفة في دمشق" فالدبك" بدأ في الريف الدمشقي "قصفاً" ومن العيار الذي لا يستطيع معه راقص ضبط الإيقاع، فلا مجال للدبكة في آخر قلاع الأسد وعلى مسرحه الخاص، وإلا فإنك ستقصف بمضادات الطائرات والهاون والمدرعات، كما حدث في دوما والحجر الأسود والميدان والغوطة..
لا تستطيع في دمشق الاقتراب من المباني الحكومية أو الأمنية أو حتى تلك المخصصة لفنادق المتعة –إلا إذا كنت حمصياً أو من درعا أو إدلب- في بعض مناطق العاصمة، فالسواتر الترابية والإسمنتية وأكياس الرمل في كل مكان، تسمع طقطقة وتلقيم البنادق فوراً إن دخلت بطريق الخطأ أو لم تنتبه للحاجز، وأحياناً يخرج إليك بعض العناصر بالعتاد الكامل لتبدأ جولة الاستجواب والأسئلة.
وكما روى لي صديقي الدرعاوي الذي يسكن في منطقة ألغام، فأفرع الأمن وقيادات البعث في كل مكان، الدرعاوي تأخر على موعده الغرامي في أحد الأيام، فلم يجد حلاً إلا أن يقترب من أحد الحواجز لتوقف له إحدى سيارات الأجرة. قال لي: اقتربت من الحاجز والذي يقف على باب أحد أفرع الأمن الشهيرة في دمشق، في اليوم الثاني من رمضان، شاهدت دراجة نارية وعليها عنصر أمن مدني، وسألته أن يقلني لشارع الثورة، الغريب أنه استجاب بسرعة وبدون تفكير، ووصلت موعدي بدون أن أتوقف ولا على أي حاجز من حواجز التفتيش التي تقطع المدينة .
حادثة أطرف حدثت معي شخصياً، فبعد انتهائنا من الاجتماع الدوري في أحد مناطق دمشق، خرجت للشارع كانت الساعة الثالثة فجراً، الشوارع فارغة، "حمصي وفي الثالثة فجراً" النومة اليوم بالمخفر أكيد إن أوقفني أحدهم وطلب البطاقة الشخصية... وصلت ساحة المرجة وخرجت للشارع الذي يصل القصر العدلي بالحجاز، أصوات إطلاق نار وقصف من بعيد، لمحت سيارة شرطة النجدة القادمة من سوق الحميدية، فقلت في نفسي (يا ولد وقفهم إنت أفضل ما يوقفوك هني). وقفت في منتصف الشارع وأوقفتهم سألني الضابط بجانب السائق: فيك شي..؟ أجبت: شوف حواليك لا سيارات ولا الطير الطاير بالشوارع إلا أنا.. شو أعمل، بدكم توصلوني؟.

وبعد جهد ومماحكة أقنعته بأن يقلني لأقرب منطقة للبيت..
هذه هي دمشق بعض مما رأيت وعايشت بعض مما أجرؤ على كتابته والكثير الذي أخاف تسجيله الآن.
 

دمشق - زمان الوصل
(129)    هل أعجبتك المقالة (121)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي