قصة شهيد*: براء البوشي... عندما ترجلت الصورة ولحقها الصوت بقذيفة كافرة
"أريدُ أن أكون مراسلاً ميدانياً فأنا أحب التواجد مع الناس" كانت هذه أمنية الشهيد براء البوشي في حياته المهنية كصحفي سوري تخرّج من كلية الإعلام في جامعة دمشق.
ولأن براء آمن أن سلاح الكلمة الحرة يرعب طواغيت الأرض ويهز أركان عروشهم ويفضحهم، اتخذ قراراً هو الأجرأ في حياته وهو يدري أنه سيضع حياته على المِحك، فانشق عن صفوف الجيش العربي السوري في رتبة ملازم، وأعلن حينها بأنه سيمارس دوره كصحفي ضمن صفوف الجيش السوري الحر، ليفضح ممارسات قوات النظام أمام الرأي العام.
اذاً .. انشق الشاب الوسيم ذو الـ 26 ربيعاً، ولكنه واجه مشكلة أنه لا يملك المبلغ الكافي لشراء أدوات إعلامية تمكنه من نقل الحقيقة، فسارع لبيع سلاحه وما يملكه من مقتنيات واشترى ما يحتاج إليه للعمل كمراسل حرب.
لم يكن براء يعلم أنه سيحفر اسمه في قائمة شرف الصحفيين السوريين الأحرار ويسجله في صفحات تاريخ سوريا الجديد ويدخل المجد من أوسع أبوابه شهيداً بطلاً يروي بدمائه أرض الوطن، ليُلهم الناس من بعده، ويعلمهم معنى التضحية والبذل في شهرين وبضعة أيام فقط.
كان ذو البشرة الحنطية أول ناشطٍ يخرج بالصوت والصورة من قلب العاصمة السورية دمشق، وهي المدينة المخنوقة من جميع جوانبها أمنياً وعسكرياً، ورغم ذلك كله كان هو الأسبق والأشجع بين الجميع، ليعلن حربه الخاصة به ضد الظلم.
تنقل أبو عمر كما يطلق عليه أصدقائه بين أحياء العاصمة لينقل مجريات "معركة دمشق" فغطى أحداث الميدان والقابون والتضامن واليرموك والحجر الأسود وغيرها الكثير واضعاً روحه بين كفيه رخيصة في سبيل الله ومن ثم الوطن، وكان يتواجد حيث ما تتواجد المعركة وأحياناً يسبقها ويتجهز لها، لتراه في مقدمة الصفوف، دائم الابتسامة، شاحذاً للهِمم، رافعاً للمعنويات.
ومع كثرة ترحاله وتنقله كانت منطقة التل بريف دمشق التي تشهد حملة عسكرية عنيفة هي محطته الأخيرة، وعقده الأخير الذي وقّعه بدمائه ليكون بطاقة عبوره إلى الجنة، فكان براء أحد ركائز نقل الحقيقة وإخراجها عن حدود منطقة محاصرة طوال أيام عدة.
اشتد القصف .. واشتدت عزيمة براء معه .. كيف لا وهو صاحب قضية اسمها "وطن" .. أسرع الشهيد لنقل الحدث ولكن الموت كان أسرع منه مرتقياً به إلى الله شهيداً، إثر القصف الذي استهدف المدينة.
فُجع الجميع بالخبر وتذكروا وجهاً جميلاً كان يظهر على شاشات الإعلام ينعي إليهم أسماء الشهداء ويخبرهم ما حال سوريا ويشرح لهم أنينها ونزيفها المستمر.
براءٌ لم ينعي نفسه .. بل نعاه أصدقائه في مقاعد الدراسة والثورة، متألمين على شاب كان يشتعل طموحاً وإرادةً وتحدياً، وشهدوا له أيضاً بعشقه للشهادة وصدق نواياه ورقة قلبه.
ويكون بذلك براء قد ختم مسيرته في الحياة بشهادة أغلى من جميع الشهادات التي توضع على الجدران، كيف لا وهي شهادة في سبيل الله، ويكون أيضاً قد حقق طموحه بأن يكون في الميدان ومع الناس، التي تصدح باسمه وسيرته على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي منذ علمهم بالخبر.
• قالوا عن الشهيد
- أحد مدرسي براء البوشي في كلية الإعلام:
" أعددناه للمستقبل.. لصحافة أصدق.. لإعلام أنقى.. فعرف كيف يجاري رحلة المتعة في البحث عن الحق .. ويروض كلمتها.. وبكل هاتف كان يذكرني أنه الأمين على الغد.. والماضي برحلة هزيمة العتمة.. فكيف بعده لا يترمل الإعلام.. وينشرخ المستقبل.. رحمك الله يا براء البوشي.. يا خير خريجينا.. وزهرة أملنا.. كسرت ظهر القلم.. وحرقت تشبثنا بالصبر.. كل المراثي لا تكفي لنعي حيويتك وشبابك.. صبر الله قلب والديك وأنفس كل من يحبك..صبر الله صور ذكراك في مقل عشاقك.. وأنحني على قبر وداعك.. .رافعا راياتي السوداء.. أنا نكستها لأجلك رايات قلبي.. نكسوا يا أهل وطني العلمين.. بنجومهما الخمس.. والأفضل أن تنكسوا كل رايات السماء.. رحمك الله بعد رحيلك.. رحمنا الله من بعدك.. يا حبيب مقعدي المفضل.. براء البوشي.. بحة صوتك لن تموت بداخل كل من عرفك".
- نضال معلوف (رئيس تحرير موقع سيريانيوز):
"براء احترمت قرارك عندما قررت الانشقاق وقدرت شجاعتك وفي نفسي خشيت عليك كثيرا، كل الطلاب الذين دربتهم في سيريانيوز وعملوا معنا شاركونا الفرح والنجاح ولحظات العمل المضني الطويل كانو اهل واخوة لي .. آلمني خبر استشهادك كثيرا يا براء .. رحمة الله عليك".
- الإعلامي هاني الملاذي:
"بالأمس حدثته عبر الهاتف، كان صوته مفعماً بالحيوية والنشاط والتحدي، رغم ترافقه مع دوي عشرات القذائف الثقيلة التي تنهال في محيطة ضمن مدينة التل شمال العاصمة.. هو أول من أكد سلامة طاقم فريق الإخبارية وأنهم بجواره بعد أن تخلت عنهم ميليشيات الإجرام فور بدء الاشتباكات... وكان شاهداً على إسعاف الجيش الحر لمساعد مصور فريق الإخبارية الذي طالته إحدى الشظايا...!
براء البوشي الذي كان يتحدى المخاطرة قال لي إنه يخشى على حياة زميلته على مقاعد الدراسة يارا الصالح مذيعة الإخبارية إن طالت قذيفة ما مكان إقامتها...!
شاءت الأقدار أن يستشهد البوشي ويبقى فريق الإخبارية بعناية التنسيقيات !
• بطاقة الشهيد
براء يوسف البوشي، من أبناء مدينة حماة ولد عام 1987
يحمل إجازة من جامعة دمشق كلية الإعلام عام 2009-2010.
عمل مراسلاً لموقع سيريانيوز الإخباري وكان له مقالات عديدة وولقاءات صحفية مع وزير التعليم العالي السابق الدكتور غياث بركات.
يحمل عدداً من شهادات الدورات والخبرات الإضافية، منها:
- شهادة في التصوير الفوتغرافي والتلفزيوني
- شهادة في إعداد التقارير الصحفية التلفزيونية
- شهادة في التخطيط للتحقيقات الصحفية، وتنفيذها وكتبابتها
- شهادة في كتابة القصة الإخبارية.
- شهادة في صياغة الخبر الصحفي والتحرير الصحفي.
*قصص لشهداء تنشرها "زمان الوصل" تباعاً ضمن قسم خاص لتؤكد وتذكر أن الشهداء ليسوا أرقاماً
عماد موصللي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية