يخشى السوريون الذين يفرون من القتال في حلب احتمال أن يوجه الرئيس بشار الأسد آلته العسكرية نحو المدينة التي بقيت لفترة طويلة بمعزل عن الانتفاضة المستمرة ضده منذ 17 شهرا.
ويقول البعض إن قرار الأسد باستخدام الطائرات الحربية وطائرات الهليكوبتر والدبدبات والمدفعية ضد المعارضة المسلحة الساعية للسيطرة على حلب يمكن أن يشكل ضربة قاضية لفرصه في النجاة.
وقال نبيل نجار (72 عاما) ويعمل نجارا بينما كان يجلس على حشايا في شقة من غرفتين قليلة الأثاث بمدينة انطاكية التركية "لم أتوقع قط أن يفعل الأسد هذا."
وأضاف "حلب هي نهايته. لقد حذره والده (الرئيس الراحل حافظ الأسد) .. إذا اردت البقاء في السلطة فعليك أن تكسب حلب.. لقد خسرها والآن بدأ عرشه يتداعى."
وبالنسبة لنجار فإن معارك الشوارع تعيد إلى ذهنه ذكرى حملة عسكرية شنها الأسد الأب قبل نحو 30 عاما لسحق انتفاضة مسلحة قامت بها جماعة الاخوان المسلمين في حماة وحلب. وقتل الآلاف كما سوي الحي القديم في حلب بأكمله بالأرض.
وربما أغضب الأسد الإبن الآن الكثيرين من سكان حلب البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة لكن الصراع للسيطرة على المدينة الكبيرة يبدو أبعد ما يكون عن نهايته.
وقال ارفيه لادسو الأمين العام المساعد للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام في نيويورك "كان التركيز قبل نحو اسبوعين على دمشق. التركيز منصب الآن على حلب حيث يوجد حشد كبير للعتاد العسكري وحيث نرى مبررا للاعتقاد بأن المعركة الرئيسية توشك أن تبدأ."
ويصعب على اللاجئين السوريين الذين يقيمون في شقق رخيصة في حي حاجي عمر في انطاكية إلى جانب اتراك من أصل عربي تصور أن الحرب التي أطبقت فجأة على مدينتهم التجارية القديمة يمكن أن تكون أسوأ مما هي عليه.
وفر الخياط موسى حريري إلى تركيا يوم الأربعاء بعد ساعات من دفن ابنته سما التي كانت تبلغ من العمر ست سنوات وقتلت في قصف شنه الجيش واصاب منزلهم في حي صلاح الدين في حلب.
وقال الرجل البالغ من العمر 42 عاما "دفنا سما رحمها الله وهرعنا إلى هنا. على الأقل لا يوجد هنا جيش الأسد .. لا يوجد قصف .. لا توجد أصوات غير اصوات الناس."
وقال عبد الرحمن صباغ (34 عاما) ويعمل لحاما إنه غادر مع زوجته وخمسة اطفال هربا من اطلاق النار والانفجارات.
وقال "على مدى أيام لم نسمع شيئا غير اصوات الرصاص والقصف العشوائي. كان يتم إطلاق صاروخ كل 30 ثانية. لم نقدر على تحمل القصف."
وعلاوة على الغضب هناك شعور بالصدمة الشديدة بسبب العقاب الذي تلقاه حلب المركز الاقتصادي بسوريا والتي طالما اعتبرت معقلا للولاء لحكم الأسد.
وتذكر بعض اللاجئين عندما قضى الأسد اسبوعين في حلب قبل بدء الانتفاضة في مارس اذار 2011 لمعالجة الاستياء المحلي. وأقال الأسد في ذلك الحين المجلس المحلي الذي كان مكروها لفساده ووعد بتلبية المطالب بتحسين الخدمات.
وعندما اندلعت المظاهرات المناهضة للأسد في انحاء البلاد ظلت حلب هادئة حيث كانت عائلاتها التجارية السنية الثرية ما زالت تشعر بارتياح مع نظام يهيمن عليه العلويون سمح لهم بالازدهار أكثر مما يحيط بالتغيير من غموض.
وبقي التأييد للأسد باعتباره ضامنا للاستقرار قويا بين سنة حلب وأقليتها المسيحية حتى عندما سعت قوات الأمن لسحق احتجاجات مطالبة بالديمقراطية في مدن اخرى مثل درعا وحماة وحمص.
وجندت السلطات الآلاف من رجال ميليشيا الشبيحة الموالية للأسد في حلب لمواجهة الاحتجاجات وسحق المعارضة.
وبعد شهور وعندما بدأ معارضو الأسد حمل السلاح وبدأ الجيش قصف المدن المعارضة كان الكثيرون في حلب لا يزالون يشككون في التقارير بشأن القمع.
وقال عمر جليل (50 عاما) وهو سباك لا يزال مصدوما من القصف العنيف الذي افلت منه لتوه "نحن في حلب لم نصدق هذا ... إلا عندما شاهدناه بعيوننا."
واضاف في أنطاكية "الجميع ضد الأسد الآن."
وفي حين كانت حلب على هامش الانتفاضة ضد أربعة عقود من حكم أسرة الأسد كان التوتر يتصاعد وقوبلت الاحتجاجات المتفرقة للمعارضة برد قاس.
وقتلت قوات الأمن بالرصاص عشرات المتظاهرين في حلب هذا العام مما أضعف التحالف الذي كان قائما بحكم الأمر الواقع بين الطبقة التجارية السنية في المدينة ونظام حكم الأسد الذي يرتكن إلى الأقلية العلوية الشيعية.
لكن كان المقاتلون من الريف هم الذين اقحموا حلب في الصراع عندما حاولوا السيطرة على المدينة في 24 يوليو تموز وشجعهم على ذلك هجوما للمعارضين في دمشق أعقب تفجير قنبلة في 17 يوليو تموز قتل فيه أربعة من كبار مسؤولي الأسد الأمنيين.
والأحياء التي كانت في السابق تجارية وتعج بالناس باتت ساحات معارك الآن حيث يحتمي المعارضون بالمباني المهجورة أو يديرون نقاط تفتيش وسط قلة من السكان بقوا هناك يهيمن عليهم الخوف.
وقال لاجيء في انطاكية يدعى أسامة الأشقر وهو يحمل طفله الصغير عمر البالغ من العمر أربع سنوات "في شارعنا يوجد عشرة مبان ولم يبق شخص واحد. فروا جميعا .. بعضهم إلى المزارع والبعض إلى قرى أخرى أو إلى تركيا."
واضاف الأشقر "كل واحد مضى بغريزته. عندما ترى الخوف في عيون أطفالك فأنت لا تفكر سوى في شيء واحد وهو المغادرة." وقال إن أكثر من 300 أسرة في ضاحية بستان القصر بوسط المدينة غادرت خلال 24 ساعة عندما اشتدت هجمات طائرات الهليكوبتر.
وقال لاجئون إنهم كانوا يحزمون أمتعتهم ويرحلون أثناء فترات هدوء القصف في النهار ولا يأخذون معهم سوى النقود والحلي.
وغادر عمر بلال وهو عامل بمصنع للبسكويت حي سيف الدولة فجرا عندما خفت حدة القصف الليلي.
وقال "لا يمكنك اثناء الليل أن تفتح نافذة وتنظر إلى الشارع لأن قناصة الجيش في كل مكان."
رويترز
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية