بدأت بشكل واضح بعض أجهزة إعلام الثورة تنحرف عن مسارها الصحيح وتسير بخطا ثابتة على نفس النهج الذي اتبعته أجهزة إعلام النظام السوري في معركة من نوع آخر بين الإعلام المؤيد للثورة والواقف ضدها.
وخير دليل على سرعة الإشاعات "الثورية" وعدم صدقيتها ما بثته بالأمس بعض صفحات "الفيسبوك"، حول قصف دمشق القديمة، وأحياء راقية في مركزها.
ويبدو وكأن بعض أجهزة الإعلام المعارضة قد تململت من طول الثورة وكثرة الدمار الذي لحق بالمدن الثائرة لتبث أخباراً ملفقة عن بعض الانشقاقات وبعض الإنجازات للجيش الحر، علماً أنّها ما تلبث أن تنكشف أمام الرأي العام لتدك مسماراً جديداً في نعش المؤيدين للثورة الذين ما لبثوا أن تخلصوا من استغباء عقولهم من قبل إعلام النظام ليجدوا ذلك في بعض أخبار إعلام الثورة نفسه.
ولعل أسباب ضياع البوصلة يعود لعدة معطيات بحسب بعض الناشطين الذين اعتادوا الموضوعية في بث أخبارهم، فقد يكون مدراء بعض الصفحات هم من الشباب اليافعين الذين لا يملكون خبرة إعلامية وسياسية فيتوجهون نحو تبني الشائعة دون التأكد من مصدرها ماسكين الخبر من أحد أطرافه وهو السرعة طمعاً في البحث عن انتشارٍ أوسع لهذه الصفحة أو تلك في حال كان الخبر صحيحاً، أو وراء سياسة إعلامية سليمة بوجهة نظرهم غرضها التأثير على رأي المواليين للنظام وشحذ همم المعارضين له، وغيرها من الأسباب.
فكان أكثر الشائعات ترويجاً هو خبر مقتل ماهر الأسد شقيق بشار الأسد الذي قتل أكثر من عشرة مرات على بعض الصفحات، ومنها من أزال الخبر ومنها من أبقاه حتى بعد التأكد من عدم صحته في أسلوب وضيع يفرض عدم احترام عقل هذا القارئ أو ذاك.
ومن الأسباب الأخرى وهي الأخطر يأتي دور وسائل إعلامٍ مؤيدةٍ للنظام نفسه التي قد تلفق بعض الأخبار الخاصة بالثورة فتتبناها إحدى وسائل إعلام المعارضة ويشارك فيها عدد كبير من المؤيدين للثورة ليكشف بعد أيام وقوع هذه الوسائل في الفخ الذي صنعته الوسائل الإعلامية المؤيدة التي فقدت مصداقيتها منذ بداية الثورة، ولكن البعض ما زال يستشهد بها إذا ما كانت تخدم اتجاهاته، وخبر مقابلة مصطفى طلاس الذي نشر منذ أيام في بعض المواقع السورية واللبنانية المؤيدة للنظام أكبر مثال على هذه الحادثة، بعد أن ذكرت الجهات الإعلامية أنفة الذكر بأنّ طلاس أدلى بتصريحات لإحدى القنوات الفرنسية والتي لم يرد على موقعها الرسمي أيّ شيء يمس بصلة لطلاس نفسه.
أما الطريقة الجديدة فتأتي من الخيال الواسع لأحد الناشطين والذي قد يظنّ نفسه محترفاً بالالتفاف على قوانين الإعلام فيذكر مصدراً من مخيلته والأكثر ضرراً تناقل هذا الخبر بصورة سريعة باعتبار المصدر أشير إليه بوضوح، ليصدم هذا أو ذاك بعدم وجود المصدر من أساسه في وسائل الإعلام المسموعة أو المرئية وكذلك الإلكترونية.
ومن أجدر الشائعات التي أطلقت بهذه الطريقة كان الهجوم على الممثل نزار أبو حجر بسبب ما ذكر عن مقابلة أجراها على الفضائية السورية لم نشاهد دليلاً لها على اليوتيوب، وكذلك اعتبار نسرين طافش مؤيدة للنظام ولسياسته وهو ما نفته طافش نفسها، إضافةً لخبر تأييد المطربة نجوى كرم للثورة السورية في مؤتمر صحفي بالجزائر وهو مالم نجد له تأكيداً على اليوتيوب وغيره أيضاً.
ولعل جميع هذه النقاط قد ورد عشرات المرات إلا أنّه لم يكن بهذا الوضوح بسبب ما قدمه إعلام الثورة من ألاف الأخبار الصحيحة منذ انطلاقها فأخذ الكثير منها وتمّ توثيقه لمحاكمة القتلة بعد نجاح الثورة بسبب عدم رغبة النظام بالقضاء على السوس الذي ينخر في عظامه منذ البداية، أما إعلام النظام فلا يمكن المقارنة به بأيّ شكلٍ من الأشكال في ظلّ تجاهله لألاف الشهداء وعدم اعترافه بوجود الثورة أساساً إضافةً لنعت أبناء الشعب السوري من المتظاهرين بأبشع الصفات في تحيز واضح تجاوز النظر بعين واحدة، علماً بأنّه مدعّم بمئات الكفاءات العلمية والأجهزة التقنية الحديثة.
إلا أنّ الفترة الحساسة التي تمرّ بها الثورة تدفعنا مع العديد من شركائنا الإعلاميين للوقوف وقفة رجل واحد لنتعدى هذه السلبيات التي من شأنها أن تؤثر على مصداقية الثورة، في وقت لا يقبل فيه الخبر التأويل والتحليل، حيث بات العديد من الناشطين يبحثون في تفاصيل الخبر ومصدره بأكثر من طريقة إلى حين تأكّدهم من مصداقيته، الأمر الناتج عن تسلل بعض العاطفيين إلى عددٍ من الصفحات المناصرة للثورة وخاصةً على موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك).
جورج خوري - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية