أبلغ ضابط في قوات النظام السوري وكالة رويترز بأنه "إذا أردنا إنهاء مشكلة حمص فعلينا أن نسوي المكان كله بالارض"!
وأصبحت حمص معقل الجيش السوري الحر الذي تشكل من ضباط وجنود انشقوا عن قوات بشار الأسد احتجاجاً على القمع العنيف للاحتجاجات السلمية على حكم عائلة الأسد الممتد منذ 42 عاما.
وقال الضابط الذي لم تذكر الوكالة اسمه: "إذا أردنا إنهاء مشكلة حمص فعلينا أن نسوي المكان كله بالارض. سيموت مئات الجنود".
وأضاف أنه شارك في حصار حي بابا عمرو بحمص عندما أسفر هجوم بالدبابات والقوات عن طرد المعارضين من معقلهم الاساسي. وقال: "نحن قلقون من أن يتم تلغيم المنازل مثلما حدث في بابا عمرو.. هذا الصراع كلفنا عددا من الرجال يفوق ما أعلن عنه.. لذا فإننا الآن نقصف مناطق المعارضة من هنا"، في إشارة إلى الأحياء العلوية التي كان يتحدث منها.
وكتبت رويترز: "حين تتطلع من فوق الأسطح في مدينة حمص السورية يتجلى ميزان القوة بوضوح.. ففي بعض الأحياء هناك حركة دائبة للافراد والسيارات وفي أخرى لم يعد هناك سوى منازل خاوية اخترقتها القذائف".
وتقول الوكالة: "بعد شهور من الهجمات العسكرية الشرسة والكمائن التي ينصبها مقاتلو المعارضة في حمص قلب الانتفاضة السورية على حكم الرئيس السوري بشار الأسد انقسمت المدينة بالفعل إلى مدينتين. فإلى جانب المنازل المحترقة والمتداعية هناك أحياء محمية جيدا تعيش فيها الاقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد".
ويقول أبو علي الذي يبلغ من العمر 60 عاما وهو يجلس في متجره الصغير في حي الزهراء العلوي: "نحن دائماً متوترون لكننا سنظل وسنبقى".
وأضاف أبو علي في إشارة إلى الأحياء التي أيدت الانتفاضة ضد الاسد: "المناطق السنية هي الخاوية.. على الاقل المناطق التي طالبت بالحرية'".
وأصبحت أحياء المعارضة التي كان يعيش فيها السنة في يوم من الايام كمدينة أشباح. وشنت قوات الأسد هجمات عسكرية على أحياء السنة بالمدينة وعددها 16 حياً باستثناء ثلاثة أحياء فقط تقريباً.
ويقول الكثير من العلويين إنهم يشعرون أنه لا يوجد أمامهم أي خيار سوى دعم الاسد خوفاً من أعمال قتل انتقامية لمجرد انتمائهم إلى طائفة الرئيس مع تحول الانتفاضة بشكل متزايد إلى صراع طائفي. وقال أحد أفراد الطائفة العلوية: "السنة تعرضوا للاضطهاد، لكن العلويين سيكونون هم الضحايا" حسب قوله.
جلس أبو علي في مقعده بمتجره وقد علق على الحائط من ورائه صورة للأسد بينما أخذت علب وأوان معدنية تهتز وتصدر صوتاً مع تواصل إطلاق النار والقصف اليومي.
وقال، مشيراً إلى عدة حالات لعلويين تعرضوا للخطف أو القتل: "هؤلاء الآخرون هم الارهابيون.. أستطيع أن أخبرك ماذا يحدث: انها الحرب".
وبدأ المزيد من الاشخاص في الاتفاق على هذا الرأي. وقال مسؤول حفظ السلام في الأمم المتحدة إن الصراع في سورية بدا وكأنه حرب أهلية.
وتصف الحكومة السورية المعارضين الذين يقاتلون الأسد بأنهم "إرهابيون" مدعومون من الخارج، وتتهم وسائل الاعلام العالمية بأنها تسيء تقديم الوضع على أنه انتفاضة شعبية ضد الأسد. لكن النظام السوري لا يسمح كثيراً بدخول المراسلين الاجانب.
وكانت مدينة حمص في يوم من الايام مركز الصناعة في سورية وتقع على الطريق السريع الرئيسي بين الشمال والجنوب وعلى بعد 30 كيلومترا شرقي الحدود مع لبنان.
ومع قصف المناطق السنية وانتشار الدمار فيها لا يجد النازحون الفقراء الذين لا يمكنهم مغادرة حمص أمامهم خيارات كثيرة.
وينتهي الحال بمعظمهم في حي الوعر، وهو عبارة عن مساكن خرسانية كانت تعيش فيها النخبة السنية. وفر السكان السنة الاثرياء من الوعر هرباً من الفوضى في المدينة. وسرعان ما اقتحم النازحون الحي وأقاموا في الشقق التي تركها الاثرياء.
وسيطر نازحون على المتاجر، واقتحموا أيضاً المراكز التجارية التي أصبحت محلاتها الآن مليئة بالأغطية والمواقد.
أمام المتاجر وقف أبو عمر لطلب الصدقة من أجل أطفاله الستة الذين وفر لهم أحد المساجد مأوى. وقال أبو عمر: "نعيش على الصدقة.. نحن محظوظون فهناك أناس في الشوارع".
وكان يعيش في حمص نحو مليون شخص، أما الآن فيقول سكان المدينة إن ما لا يقل عن نصف عدد السكان على الاقل فروا.
وفي تلك الاثناء تبدو أحياء للعلويين مثل منطقة الزهراء كقواعد عسكرية أكثر منها أحياء سكنية. ولم يعد مكان المدفعية ثكنات الجيش على مشارف حمص وإنما وسط أحياء العلويين، وتكون القوات مستعدة لتحريكها وإطلاق النار على مناطق سكنية قريبة للمعارضة.
وقام الجيش بتأمين شوارع تربط بين أحياء العلويين لكن سيطرته على حمص ضعيفة. ولا يجرؤ الجنود على دخول معظم المناطق السنية لأن هناك مباني ملغومة بالقذائف، كما يختبئ مئات المعارضين الذين يطلقون المقذوفات الصاروخية.
وإلى جانب قوات النظام السوري، فإن المئات من الميليشيات الموالية للأسد والتي تعرف باسم الشبيحة تنتشر في مناطق العلويين. ويجوب الشبيحة الشوارع مرتدين زياً عسكرياً للتمويه، ويتحدثون بازدراء عن الجنود ويرون أنهم يتعاملون مع العدو بحذر شديد.
وأشار أحد شبان الشبيحة إلى برج يطل على منطقة للمعارضة اعتاد الجنود استخدامه لقنص المعارضين. وقال: "الآن يستخدمه الشبيحة. لا يمكنك أن ترى الناس من هناك فلا جدوى من القنص.. نأخذ رشاشا ونفتح النار".
ورغم الأوضاع العامة في سورية، يحاول السكان العلويون أن يعيشوا حياتهم بشكل طبيعي. فمعظم المدارس مفتوحة كما يقف الباعة بالخضروات والفاكهة في الشوارع.
وأخذت امرأة تتجول بين متاجر أصبح يطلق عليها اسم "السوق السنية" لأن الشبيحة يجلبون إليها أثاثاً وملابس مسروقة من مناطق سنية يداهمونها بعد أن يقصفها الجيش. وقالت المرأة: "هذه غنائم حرب.. ومن حقنا اخذها".
ويسود التوتر الاجواء دائماً ويقطع الهدوء دوماً صوت تحطم زجاج واجهة متجر بعدما سقطت قذيفة (ار.بي.جيه) في الشارع. ويتلقى أحد المارة الإسعافات الأولية سريعاً وتنقله سيارة إسعاف.
وتحاول الحكومة السورية إظهار الوضع على أنه طبيعي في خضم الفوضى. وفتحت جامعة البعث في حمص أبوابها الاسبوع الماضي بعدما ظلت مغلقة لفترة طويلة ولاول مرة منذ شهور جلس زملاء من السنة والعلويين جنبا الى جنب للدراسة.
لكن الانقسام واضح لأن هناك مدينة منقسمة. ويلتزم الطلبة السنة والعلويون بمناطقهم ويجلسون في اماكن مختلفة في الكافيتريات وفي ساحة الحرم الجامعي حيث يوجد تمثال حجري للرئيس الراحل حافظ الاسد والد بشار.
وقال أحمد وهو طالب هندسة يبلغ من العمر 22 عاماً: "اعتدت أن يكون لي الكثير من الاصدقاء العلويين، لكننا الآن لا نتبادل التحية. ليس لدينا ما نقوله... لكنني لست خائفا.. لا يمكن أن يزداد الوضع سوءا."
لكن زميله حسن وهو طالب هندسة أيضا قال إنه يخشى من أن الأسوأ لم يحدث بعد. وقال حسن: "حتى أقاربي أصبحوا شبيحة الآن، وأنا أكره هذا.. لا يستحق أي طرف السلطة".
ولا يقول حسن قط انه يرى إمكانية للإطاحة بالأسد، لكنه يعتقد أن المستقبل لن يكون رحيماً مع العلويين. وقال: "المذبحة قادمة إلينا".
رويترز
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية