لم توفر الازمة السورية أيا من مفاصل الحياة، إذ ان المواطن السوري يطحن اليوم امنيا من جهة ومعيشيا من جهة أخرى، و يضيق الخناق تدريجيا حول عنقعه واسرته والمترافق مع تآكل الكيان الاقتصادي ككل، بعد اكتشاف عيوه، وبدأ يتبدى الواقع الاقتصادي المتردي بشكل واضح من خلال العديد من المؤشرات أهمها مؤشر "الأسعار" الامنطقية و الغير خاضعة لأي من أدوات التحليل الاقتصادي.
و في محاولة فهم الواقع الاقتصادي في سورية، وفهم دلالات التفاوتات في الأسعار، لابد من النمذجة وتعتبر مدينة حلب مثالا مناسبا، خصوصاً وأنها "العاصمة الصناعية " للدولة، التي تمكنت من وضع "أبجد هوز " اقتصاد البلاد، بعلاقة متبادلة بين صناعيين كبار ورجال سلطة متنفذين.
و قبل الخوض في ملامح الأزمة الاقتصادية -المعيشية في حلب ، تجدر الاشارةإلى النزيف البشري من مختلف المدن المنكوبة إلى حلب والتي حملت في طياتها أثرا مزودجا شديد التباين على الواقع الاقتصادي فيها.
و كما أسلفنا ، يعتبر أبرز المؤشرات المعتمدة في تحليل الواقع الاقتصادي للمدينة هو الأسعار وذلك بدءا من المواد التموينية مرورا بالعقارات و وصولا إلى المحروقات وكل ماتصل بها من مصادر الطاقة .

و المتتبع لمؤشرات الأسعار في مدينة حلب يدرك أن عاملا اضافيا للعقوبات الاقتصادية على النظام السوري يُسهم في التحكم بها ارتفاعا أو انخفاضا ، وهو استثمار صناعيي و تجار حلب للواقع الأمني في المدينة والنزيف البشري إليها من جهة، ومن جهة تجيير العقوبات الاقتصادية لتصب في خانة الاستفادة و مضاعفة معاقبة المواطن السوري.
و الأسعار عموما ارتفعت بنسبة 100 % كحد أدنى ، ويصل الارتفاع في بعض المواد و السلع إلى 300 % خلال الشهرين الماضيين ، لتصل إلى أرقام كبيرة بما يتعلق بالمحروقات مثلا، حيث بلغ سعر ليتر المازوت 40 ل س بعد رفع الحكومة سعر الليتر إلى 20 ليرة، وجرة الغاز وصلت إلى 3000 ل س ، هذا إن توفرت، وخصوصا بعد التصريحات الرسمية التي جاءت على مبدأ " المواطن يدبر حالو "، محملين العقوبات على سورية السبب الرئيسي وهنا يبرز التساؤل التالي : إذا وصلنا إلى عنق الزجاجة لجهة فقد المواد المشار إليها اعلاه، فلماذا تظهر فجأة بعد استقرار الاسعار عند أرقام عالية ؟ .
وكان في وقت سابق، صرح مدير جمعية حماية المستهلك في حلب بحسب صحيفة شبه رسمية أن" شريحة لا وجدان لها وتستغل حاجة المواطن تحت أي مسمى أو مبرر وفي كل الأوقات، وأوضح أن دخل المواطن لم يعد يتناسب مع الأسعار المرتفعة لتلبية احتياجاته الأساسية، وخاصة مع ديمومة رفع الأسعار، ومن المطلوب مراعاة مصالح وشعور بعضنا بعضاً".
ولن تبلغ الشجاعة في المسؤول الحكومي المذكور إلى اصابة كبد الحقيقة ، حيث أن مدينة حلب على اتساعها يتقاسمها رجالات التجارة والصناعة ، اذ تكفي الاشارة إلى مادة بعينها لتعرف التاجر او الصناعي المتحكم بها والمحتكر لها ، وهذا التوزيع دأب النظام على دعمه و حمايته حتى قبل الأزمة .
وفي هذا الاطار، نقلت الصحيفة ذاتها عن باحث اقتصادي تاكيده على أن هناك "توجه " للحكومة - وضمنيا النظام - يقوم على دعم المقتدرين (تجار وصناعيين ومستوردين وكبار المتنفذين) على حساب المواطن العادي .
وحول ارتفاع الاسعار، أشار ارتفاع الأسعار جاء نتيجة تخبط الحكومة و ترك السوق للتجار و الدفاع عن مصالحهم بدلا من الدفاع عن المواطن، وانعكس ذلك أيضا على سعر الصرف و التخبط في ادارة التجارة الخارجية ، لينال التاجر مزيدا من الاعفاءات و المواطن مزيدا من العقوبات .
و السلطات في سورية تتجه لافتعال أزمة جديدة برزت في رفع أسعار المازوت، مدركة انعكاسه على كافة القطاعات ومهددا حتى بضرب حصول القمح لأن السيناريو نفسه تكرر في عام 2008 عندما قامت الحكومة السابقة برفع سعر المازوت إلى 25 ليرة سورية بداية شهر أيار الأمر الذي أدى إلى تكبيد المزارعين أموالاً طائلة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى ان قرار رفع أسعار المشتقات النفطية يعد قرارا استراتيجيا ليس من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال اتخاذه، وهو مايؤكد كون القرارات لا تأتي من تحليل للواقع الاقتصادي قدر انها مرتبطة بالقرار السياسي في سورية، وهو ماظهر جليا في رسالة "الجعفري" حول وصف العقوبات على سورية بأنها "ارهاب" بحق الشعب السوري .
و في أسواق حلب اليوم ، تشهد المواد التموينية استقرارا يصل وسطيا إلى الضعف عند مختلف اصناف المواد، بعد انخفاض ملحوظ عن الأسعار الخيالية التي بلغتها شهر نيسان الماضي والتي وصلت إلى 300 % وخصوصا البيض و الزيوت والمواد التموينية كالـ سكر و الرز .
والجواب الجاهز لدى التجار، حول أسباب هذا التفاوت في الأسعارهو " سعر الصرف" و " الشحن الغير مؤمن" ، و تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 30 % من المواد المتواجدة في السوق مصدرها "حلب" حيث أن حلب تساهم بنسبة 55 % من مجمل التجارة الداخلية في سورية.
وسام خياط - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية