أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مراكز إعلامية في مرمى نيران النظام السوري

 

اتبع النظام السوري سياسة واضحة في استهداف الصحافيين ومراكزهم الإعلامية منذ اندلاع الثورة السورية. وقصف أربعة مراكز إعلامية في المدن والأرياف السورية التي تشهد حراكاً شعبياً ضد نظام الحكم، لاسيما

حمص حيث قصف مركزيين إعلاميين على الأقل، الأول في بابا عمرو راح ضحيته الصحافية الأمريكية ماري كولفن والمصور الفرنسي ريمي أوشليك، والثاني في الخالدية، إلا أن الأضرار اقتصرت على الأجهزة التقنية.

يتعقب الجيش السوري إشارات البث الصادرة عن الأجهزة الفضائية في المراكز الإعلامية، لتحديد موقع المركز، والحصول على احداثياته ثم قصفه بالطائرات العامودية أو بالصواريخ. وشوهدت طائرة استطلاع من دون طيار في بابا عمرو في حمص، قبل قصف المركز الإعلامي بوقت قصير، ما يدل على أنها كانت في مهمة استخباراتية لتحديد موقع المركز الصحافي.

أجهزة أغلى من الحياة

أكثر ما يشغل بال الإعلاميين الحفاظ على الأجهزة وإن كلفهم الأمر حياتهم. باسل سليمان مصور صحافي التقط صورا هامة لمناطق القصف في حمص. قام سليمان وغيره من الإعلاميين في المدينة باتباع طرق جديدة لتفادي قصف المراكز الإعلامية، إذ لم يعد بالإمكان تحمل خسارة أجهزة تقنية أخرى. يعمل سليمان حاليا في منطقة حمص القديمة التي تعرضت لقصف شبه يومي. يقول: "نظرا لتجاربنا السابقة والخسائر التي ترتبت جراء قصف المركز الإعلامي في بابا عمرو والخالدية، قررنا توزيع أنفسنا على أقبية المنازل وعدم وضع الأجهزة بمكان واحد حفاظا عليها، والعمل على تغيير مكان أجهزة البث الفضائي والإنترنت كل فترة لعدم كشف مكانها. كما نعمل على إطفاء جميع الأجهزة ما إن نسمع صوت تحليق طائرة استطلاع."

ويضيف: "بدأنا نركز على الأدوات التي لا تصدر ذبذبات، والعمل على أجهزة البث في أضيق إطار ممكن. كنا مثلاً نصطحب معنا الكاميرا فقط أثناء الجولات الميدانية، من دون أجهزة البث المحمولة. وبالتالي نؤجل بث الصورة حتى العودة إلى مكان أجهزة البث. صحيح أن في ذلك تأخير لوصول الصور لكنها طريقة تضمن الحفاظ على الأجهزة والأمان. كنا نستخدم سابقا الأبنية العالية لالتقاط الصور والعمل على أجهزة البث، لكن الأمر بات الآن غير ممكن أبداً بسبب انتشار القناصة واستخدام النظام السوري سلاح المروحيات لملاحقة الناشطين".

نظام يصطاد الصحافيين

من جهته، يقول بلال الحمصي الناطق باسم تجمع أحرار الخالدية إن "خلال الأشهر الماضية تم استهداف أكثر من مركز إعلامي في منطقة البياضة والخالدية ووادي العرب ودير بعلبة وبابا عمرو. وكان من أول الأهداف مكتبنا الإعلامي الموجود في منطقة البياضة تحديدا. كنت موجودا مع مصور وبعض النشطاء وكنا نعمل على إحصاء عدد الشهداء وتوثيق الأضرار التي نجمت عن القصف، ونستعد لبث حي لرسالة مصورة لإحدى القنوات الفضائية. فجأة بدأ القصف. في البداية ظننا أنه عشوائي، لكن سرعان ما أدركنا أنه يستهدفنا بشكل مباشر، إذ سقطت قذيفة على الجدار الفاصل بين درج المنزل والغرفة التي يقف فيها المصور الذي استطاع الهرب بسرعة ليتحول مكان وقوفه إلى كومة من الحجارة. فررنا من المكان تاركين الأجهزة، ونزلنا إلى الطابق السفلي لنحتمي من القذائف. لكن القصف استمر لحوالي نصف ساعة تقريبا مستهدفا المركز وما يحيطه به من أبنية. الحمد لله أننا نجونا. غير أن النظام السوري يعمل بكل طاقته على اصطياد الصحافيين وتعطيل المراكز الإعلامية بأي طريقة حتى لو بواسطة الصواريخ.

الموت يحيط بنقل الأخبار والصور

الناشط الإعلامي عبيدة السالم في حمص واحد من الإعلاميين الذين اختاروا منطقة خالية من السكان ليقيموا فيها المركز الإعلامي في حمص على أن تصلح في الوقت ذاته لمبيت الناشطين والصحافيين الأجانب الموجودين في بابا عمرو. المركز الإعلامي كان قريب نسبيا من المستشفى الميداني. لا يفصله عن المركز إلا عدة مباني لتسهيل مهمة الصحافيين والنشطاء في المنطقة.

ويقول السالم: "لم نكن نفصح لأحد عن مكاننا الحقيقي خشية الاختراقات لأن النظام كان يمطرنا بالقذائف والصواريخ قصيرة المدى. اخترنا في البداية منزلا قريبا من منطقة الإنشاءات لسهولة كشف منطقة بابا عمرو بواسطة الكاميرات المنصوبة على السطح".

ويتابع: "كان الجميع في بداية حصار منطقة بابا عمرو وقصفها يعتقد أننا داخل المنطقة، لكننا كنا على تخومها نتنقل بكاميراتنا وهواتف الثريا لتصوير ونقل ما يجري. كانت تجهيزاتنا كاملة تقريبا. لم نعان من المشاكل التي عانت منها بقية المناطق من نقص في أجهزة الإنترنت الفضائي أو هواتف الثريا. كنا مجهزين قبل الحملة العسكرية التي جابهناها لأن منطقة بابا عمرو تعرضت لعدة حملات سابقة علمتنا أن نكون على أهبة الاستعداد".

ويستذكر السالم عملية القصف التي طالت مركز الاسعاف أولا ثم سقوط قذيفة قريبة أصابت المبنى بشكل غير مباشر إلى أن بدأ الاستهداف الفعلي في ما بعد حين عرضت الأفلام التي فضحت قصف المستشفى وأظهرت الشهداء والمصابين.

صور السالم الجرحى والقتلى الذين نقلوا إلى المستشفى الميداني حين سقطت القذيفة. وأصيب الناشط الإعلامي خالد أبو صلاح أثناء قيامه بتوثيق الأضرار. عاد الناشطون الإعلاميون إلى المركز الإعلامي لتحميل الصور والأفلام التي لم يستطيعوا بثها على الهواء لصعوبة وخطورة التحرك في المنطقة المحيطة بالمركز لأنها تتعرض للقصف.

ويشير السالم إلى أنه عندما وصل إلى المركز الإعلامي كان الجميع خارجا يستعدون للرحيل لمكان آخر.  "لا أعرف لما اخترنا التقدم والتغلغل في منطقة بابا عمرو. خيار الانسحاب لم يكن واردا أبدا. كان الصحافيون الأجانب ومجموعة من النشطاء يقفون متفرقين بين الأبنية المحيطة وسيارة صغيرة تحمل المعدات وجهاز البث. القذائف كانت تحاصرنا لكن المبنى لم يطله أي ضرر. وردتنا أنباء غير مؤكدة عن اقتحام الجيش السوري النظامي منطقة الانشاءات القريبة. أحداث متسارعة، أذكرها بدقة لكن التفاصيل تلتحم بترقب لحظات الخوف. من بين هذه اللحظات لحظة مقتل المصور الفرنسي ريمي اوشليك والصحافية الامريكية ماري كولفن. أنا الآن حي لكن ربما ألحق برفاقي في أي لحظة خلال عملي.

مركز الدوحة لحرية الاعلام
(104)    هل أعجبتك المقالة (96)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي