أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا: عندما تتحول الكاميرا الى أداة اتهام!

بأدوات بسيطة استطاع إعلام الثورة السورية، مواكبة الحركات الإحتجاجية التي عمت معظم مدن البلاد، غطى ونقل معظم ما يحدث داخل جدران مايصفه الناشطون بـ"مملكة الصمت".

بكاميرا هاتف نقال واتصالات سيئة بشبكة انترنت لاتتجاوز سرعتها الـ 256 كيلو بايت، استطاع الناشطون نقل وبث معظم ما يحصل من قتل وتنكيل وإطلاق للرصاص الحي على المتظاهرين.

وعلى مدى عام  استطاعت تلك الأدوات أداء المهمة المطلوبة وإيصال صوت الشارع السوري للعالم،  ادوات استبدلها الناشطون لاحقا بأجهزة ثريا متطورة وانترنت فضائي -لايستطيع النظام تعقبه- بسرعات عالية تتجاوز الـ 4 ميغا او الـ 12 ميغا بايت.

حاجز الخوف

البدايات كانت دائما متعِبة كما يقول الناشط الإعلامي في مدينة حمص جاسم عبدالعزيز: "حاجز الخوف من الملاحقة والاعتقال وأحيانا كثيرة التصفية كان هاجس الجميع،  في تلك المرحلة لم يكن مهما الموت بحد ذاته بل كان من المهم جدا وجود الناشط بعيدا عن أعين القناصين والمداهمات الأمنية لصعوبة استبداله بآخر لايزال في طور التدريب.

وقد استطاع رجال مخابرات النظام في الأشهر الأولى من الثورة، وعبر دس الكثير ممن يطلق عليهم شبيحة في غرف برنامج السكايب وصفحات الثورة على الفيس بوك، اعتقال عدد من الناشطين الإعلاميين. إلا أن الحال تغير مع تطور العمل الإعلامي واستخدام الناشطين أسماء حركية وكلمات مشفرة حالت دون اختراق أعمق لعالم النضال الإعلامي".

توثيق

باسل هو الإسم الحركي لأحد أعضاء "اتحاد الأحياء ومجلس الثورة" في حمص، لايتجاوز العشرين عاما من عمره، استطاع توثيق عدة انتهاكات بحق ناشطين الثورة. اشتهر بسرعته في تسلق الأبنية وقدرته على الإنتظار طويلا حتى تصل المظاهرة إلى أقرب مكان تستطيع كاميرته التقاطه ليبدأ التوثيق.

غالبا ما يلتقط باسل صورا مهمة لكيفية تعامل رجال الأمن مع المتظاهرين، يقول باسل: "كنا في الأشهر الأولى من الثورة السورية لا نستطيع الكشف عن هوية المصورين المعتقلين او المقتولين على يد مخابرات النظام السوري حرصا منا على أن لايتعرض أهلهم للإعتقال ومن ثم التصفية.

وقد شهدت بداية الثورة اعتقال الكثيرين منا أو قنصهم عن طريق الصدفة دون معرفة الأمن لأهميتهم وأحيانا بشكل متعمد. ومع تقدم الوقت استطاع الكثير من الناشطين اجتياز حاجز الخوف والظهور علنا على المحطات الفضائية للحديث عن احداث الثورة مثل ابو جعفر الحمصي و عمرتلاوي وبلال الحمصي. لكن بقي أشخاص في الظل، إذ من الضرورة بمكان عدم الكشف عن هوايتهم ووجوهم، ليستطيعوا المرور من حواجز الجيش السوري التي تقطع مدينة حمص. أما إذا عرفت شخصية الناشط الإعلامي فسيبقى حبيس مناطق معينة، أو التحرك بسرية تامة وبنسبة خطر عالية جداً".

اعتقال وتعذيب

تختلف أساليب الملاحقة والإعتقال وحتى التعذيب في أقبية وسجون النظام السوري بحسب الناشط الإعلامي سالم محمد، البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما وهو ناشط إعلامي من حي البياضة بمدينة حمص.

قضى سالم أربعة أشهر متنقلا مابين فرع المخابرات الجوية بحمص وفرع الأمن السياسي الذين ذاق فيهما العذاب بشتى أنواعه كما أوضح لـ"مركز الدوحة لحرية الإعلام".

 يقول سالم: "اعتقلت في منطقة دير بعلبة بحمص خلال حملة مداهمة. ورد اسمي في لائحة باسماء المطلوبين للإعتقال الأمر الذي جعلني أدرك أن هناك من وشى بي من المخبرين المزروعين في المنطقة، فقد كنت أصور المظاهرات وأجهز أعلام الإستقلال السورية ولافتات المتظاهرين.

 اقتادوني من البيت مكبلاً ومعصوب العينين. أذكر حينها أن الحافلة التي كان من المفترض أن تقلني كانت ممتلئة، لذا نُقلت في مدرعة  طبعا مع الرفس والضرب والشتم طوال الطريق الى أن وصلت إلى فرع المخابرات الجوية، الملاصق للمنطقة الصناعية ، وهناك بدأت رحلة العذاب التي يعرفها الكثيرون والتي من أبسط أنواعها الضرب على المناطق الحساسة من الجسم وخصوصا الرأس."

التعذيب بـ" البلنكو"

"كان أبشع أنواع التعذيب "البلنكو" وهوالتعليق من اليدين بالسقف المنخفض للزنزانة، حتى تضطر إلى الوقوف على على رؤوس اصابعك، بحيث يكون جزء من وزنك تتحمله يداك، وجزء آخر تتحملة أصابع قدميك.

كلما مررت به من صنوف التعذيب كنت اتوقعه سلفاً، ولكن لم أكن أدرك مدى عذابه وألمه.  كنت بمثابة تسلية لعناصر الأمن والشبيحة في الفرع، يتناوبون على تعذيبي ليلاً ونهاراً ويتفننون في اختراع آليات ليؤلموني أكثر.

جلسات التحقيق كانت تتخللها عمليات تعذيب. اتهمت بالعمالة والخيانة وقبول الدعم والتمويل الخارجي من كل من يعتبره النظام

عدوا له، فقط لأنني حملت كامرتي وصورت المظاهرات السلمية!

حُولت بعد أيام من الإعتقال في فرع المخابرات الجوية إلى فرع الأمن السياسي، لتبدأ عمليات التعذيب من جديد. وقبل الإفراج عني بأسبوعين،  نقلت إلى السجن المركزي الذي اعتبرته بمثابة منتجع خمسة نجوم مقارنة مع أقبية فرعي الأمن وفي النهاية تم تحويلي للنيابة العسكرية التي احالتني بدورها للمحاكمة أمام محكمة عسكرية وتم الافراج عني مؤقتا في انتظار محاكمتي فاضطررت للهروب من مدينة حمص وانا الآن مطارد."

حالات متكررة

شهادات جاسم وباسل وسالم تتقاطع مع شهادات وثقتها منظمات حقوقية عالمية، لكن الجديد فيها هو استهداف الإعلاميين تحديداً، والتنكيل بهم بالطريقة التي وصفوها. كما أن نهايات تلك القصص مختلفة فمن بين أصحابها من لايزال حبيس السجون ومنهم من خرج خلال زيارة وفد مراقبي الجامعة العربية لمدينة حمص وآخرون شملهم عفو السلطات السورية.

ورغم تلك التحديات الجسيمة فقد حقق الناشطون السوريين وخصوصا في مدينة حمص - التي تعتبر الأخطر- وإدلب ودرعا إنجازا هاما في مجال "إعلام الثورة" بوسائل قد يعتبرها البعض بدائية مقارنة مع الطفرة التي حققتها تكنولوجيا الإتصالات.

مركز الدوحة لحرية الإعلام
(95)    هل أعجبتك المقالة (96)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي