منذ أن قرّر الرئيس السوري بشّار الأسد الأسبوع الماضي دخول مرحلة الانتقال من «الحلّ الأمني» إلى «الحسم الأمني» ضدّ معارضيه المسلّحين، في مواجهة الانتفاضة المستمرّة ضدّه منذ 15 آذار 2011، دخل في ورطة مُربكة تصطدم بها باستمرار كلّ محاولة لحسم عسكريّ تبغي المحافظة على تماسك النظام، وهو يتوخّى استعجال إنهاء النزاع الدموي، ويُراهن على عامل الوقت.
مصادر سياسية تلفت إلى أنّ الرئيس السوري يعيش حالةً من القلق والتردّد مردُّها إلى أنّ النظام سيكون في مواجهته ثلاثة أفرقاء يملكون السلاح، هم التيّارات السلفيّة والإخوان المسلمون والمنشقّون عن الجيش، فضلاً عن مجموعات مطلوبين وفارّين من السجون وعصابات، ولاعبين آخرين في النزاع الداخلي يُموّلون شراء السلاح ويهرّبونه من الحدود مع لبنان وتركيا، وجزئيّاً مع العراق.
كما أنّ النظام بحسب المصادر عينها يعاني من ضعف الماكينة الأمنيّة السياسية لا العسكرية في فرض الحلّ الأمني كما فعلت الحكومة الإيرانية في مواجهة الثورة الخضراء إثر الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة عام 2009.
وتبدو المعارضة في حسابات الأسد أضعف خصومه نتيجة تناحرها الداخلي أو مع الخارج، إذ لم تتمكّن حتى الآن من الحصول على شرعيّة دوليّة، حتى إنّ الأميركيّين والاتّحاد الأوروبّي غير مرتاحين لأدائها، ولديهم شكّ وقلق حول قدرتها على خلافة نظام الأسد.
ونقلاً عن المصادر، فإنّ الأسد ومعاونيه على اقتناع كامل بأنّ خيار الإصلاح أو المرحلة الانتقالية للسلطة غير وارد، وبالتالي فإنّ فرص زيادة عمر النظام أو بقائه تكمن في استخدام النظام كلّ قوّته الأمنيّة والعسكرية وبطشها، وأسوأ احتمالات النظام هي الدخول في نفق الحرب الأهلية، خصوصاً بعد دخول المدفعيّة والسلاح الثقيل وآليّات تدمير البيوت إلى لغة تخاطب النظام مع المحتجّين ومعارضيه، ولكن ما يؤخّر هذه الخطوة هو أنّ الأسد قد سمع من كبار ضبّاط الاستخبارات والجيش تأكيداً أنّ الحلّ الأمني لا يوفّر ضماناً ولا ينهي الأزمة برُمّتها، لكن في المقابل لا خيار للنظام إلّا مقاتلة المسلّحين وتصفيتهم.
وتعتبر المصادر نفسها أنّه في حال نجاح الأسد في هذه الخطوة سيمنع المسلّحين من السيطرة على مدن وبلدات وقرى، ويحول دون تكرار تجربة بنغازي في سوريا، ويدور في فكر المعارضين مشروع جعل حمص منطقة عازلة، يُساعدها اتّصالها بالحدود السورية ــ اللبنانيّة في شمال لبنان، كي يشكّل منفذاً لإمدادها بالمال والسلاح والمسلّحين، وتوفير ملاذ آمن للفرار عند الاقتضاء إلى داخل القرى في الشمال، وتمثّل حمص مركز انطلاق الحملة المضادّة على النظام لتقويضه بالقوّة، وإيجاد منطقة عازلة تحظى بحماية خارجية تمنع الجيش من مهاجمتها.
وحسب المصادر فإنّ الأسد يشعر بالندم حيال التسرّع من دون حسابات على المدى الطويل للدور الذي لعبه في عملية الوقوف الى جانب "القاعدة" في صراعهم مع الأميركيّين إبّان احتلالهم العراق منذ عام 2003 حتى السنة الماضية، ما أدّى إلى تشكيل المقاومة السنّية المسلّحة التي تلعب دوراً كبيراً في تصعيد الفوضى والاضطرابات في سوريا.
وتتخوّف المصادر من تكرار التجربة مع الأسد الابن كما حصل مع الأسد الأب عام 1983 في معركته في حماه مع الإخوان المسلمين عندما تدفّق عدد كبير من هؤلاء في الثمانينيات الى طرابلس ما أدّى الى حصول "معركة طرابلس" بدعم من ياسر عرفات الذي كان في حينه غادر بيروت إثر الاجتياح الإسرائيلي. 
الجمهورية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية