ويتناول التقرير جهود باسل الأسد لدحر الشبيحة قبل مقتله، ومواصفات الشبيح...
«الشبّيحة» في سوريا... لا سلطة فوق سلطتهم!!
منذ أن اندلعت الثورات في إطار ما يسمّى بالربيع العربي، تعرّف الرأي العام،
ومن خلال وسائل الإعلام إلى ألفاظ وتعابير متعدّدة، منها البلطجيّة (في مصر)، والشبّيحة
(في سوريا)... على الرغم من أنّها ليست جديدة أو مستحدثة، فقد حملت إشارات ومفاهيم
ترمز إلى جماعة معيّنة تعمل في خدمة الأنظمة العسكريتارية، وتنتفع من خدماتها وتقديماتها.
"الشبّيح" وفق المنطق اللبناني يعني تارة ذلك الـ "دون
جوان" الذي يصطاد النساء، ويبرع في علاقاته النسائية والغرامية، وتارة أخرى الرجل
الذي يعرف من أين تؤكَل الكتف، ويصطاد رزقه بطرق متنوّعة لا تخلو من الدهاء والحنكة
مستخدما في اكثر الأحيان سطوته ونفوذه. إلّا أنّه ومع تطوّرات الوضع في سوريا، بات
تعريف "الشبّيح" مختلفا كليا وفق المنطق السوري، فإذا به واحد من أزلام وجماعات
النظام، الذين يستخدمون القوّة في قمع المتظاهرين، ويعملون كميليشيا مساندة للأجهزة
المخابراتية، ويشاركونها في ملاحقة المعارضين وقمعهم واعتقالهم.
وصار لقب "الشبّيحة" من المصطلحات المحلّية السوريّة إذ أطلقه
الناس على مجموعات من الشباب من المنطقة الساحلية في سوريا، وفي هذا الصدد يؤكّد محمود
ر. (ناشط في الثورة السوريّة في حمص - منطقة الوعر) "أنّ الشبّيحة كناية عن مجموعات
مسلّحة غير نظامية، بمثابة ميليشيا مدعومة من الأجهزة الأمنية السوريّة، ولها صلاحيّاتها
الأمنية الواسعة ويُحسَب لها ألف حساب، وسبق أن أسّسها نمير الأسد (ابن شقيق الرئيس
حافظ الأسد)، ويصل عدد عناصرها الى حوالى 11 ألف عنصر، يخضعون لدورات تدريب في القتال
المتقارب والكاراتيه والجودو وتدريبات على طرق استخدام المسدّسات والأسلحة الفردية،
وينقسمون الى مجموعات تتوزّع في المدن والأحياء السوريّة، ويترأس كلّ مجموعة شخص يتمتّع
بقدرات بدنية وقتالية".
باسل الأسد: القضاء على الشبّيحة
وحسب المصادر أنّ الرائد الراحل باسل الأسد (نجل الرئيس حافظ الأسد) كان بدأ بتنفيذ حملة تطهير واسعة ضدّ هذه الظاهرة لكنّ الموت كان أسرع، فقضى في حادث سيارة على طريق مطار دمشق الدولي، ووجد الأسد أنّ هذه الظاهرة لم تكن لتناسب المناخ العام لتوجّهه يومذاك في مجالات الإصلاحات والتغيير، وأنّ الوقت ملائم للحدّ من مظاهر "التشبيح" و"البلطجة" في مقابل تقديم التسهيلات الحكومية لا بل حتى إلغاء كلّ القيود الحكومية والجمركية عن تجارة وأعمال العائلة والمقرّبين في مقابل الحصول على تنازلات منهم بالحدّ من مظاهر العصابات والتشبيح.
وأكثر مواقف باسل الأسد ضمن هذا الإطار تمّت في أثناء الدورة العاشرة لألعاب
البحر الأبيض المتوسط، حيث أعلن عن سباق درّاجات نارية، التحق به عدد كبير من الشبّيحة
ومجموعات من عائلات الأسد ومخلوف ونجيب وغيرهم، ويقول البعض ممّن حضروا هذه الدورة
أنّ باسل الأسد قام بجمع كلّ تلك الدرّاجات في نهاية السباق ثم مصادرتها وإتلافها.
ومن يومها باتت الدرّاجات النارية ممنوعة داخل المدن في سوريا منعاً باتاً تحت طائلة
مصادرة الدرّاجة وسجن سائقها. وكانت الدرّاجات التي تجول في شوارع اللاذقية وجبلة وبانياس
وطرطوس هي سمة وشعار الشبّيحة الأساسية لأنّه لا يمكن لأيّ شخص عاديّ امتلاك درّاجة
ما لم يكن فرداً في مجموعة أحد الشخصيات أصحاب النفوذ.
مواصفات الشبّيح
أمّا عن الوسائل والطرق المتبعة لاختيار عناصر الشبّيحة فيقول محمود ر.:
"إنّ هناك مواصفات معيّنة لاختيار عناصر "الشبّيحة"، أهمّها الولاء
المطلق للنظام، إضافة الى تمتّع العنصر بمواصفات بدنية معيّنة وقدرات قتالية واستعداد
للموت في سبيل "المعلّم". وعلى الرغم من أنّ أكثرية عناصر الشبّيحة من منطقة
وطائفة معيّنة، إلّا أنّه في الفترة الأخيرة، وبسبب تطوّرات الوضع الأمني المتسارعة،
ضمّت فصائل الشبّيحة عناصر من مناطق وطوائف أخرى موالية للنظام وللرئيس الأسد، وربّما
ضمّت عناصر من جنسيّات غير سوريّة كما تردّد، ومُنح هؤلاء صلاحيّات مطلقة خلال عملهم
في قمع التظاهرات والمواطنين، وقاموا مثلا باقتحام البيوت في حمص ومصادرة أجهزة التلفزيونات
لمنع المواطنين من متابعة أخبار القنوات العربية التي يعتبرها النظام معادية له، واعتقلوا
المئات من الشباب وتعرّضوا للكثيرين بالضرب".
إغراءات
وروت سيّدة من آل الأتاسي "كيف أنّ الشبّيحة عمدوا الى إغراء عدد
من الشباب للانضمام اليهم من خلال تسليحهم بالبنادق والمسدّسات ومدّهم بالمال ومنحهم
صلاحيّات وضمانات، وانتم تدركون نقطة ضعف الشباب في هذا المجال خصوصا أولئك العاطلين
عن العمل، لذا فإنّ حمص اليوم مليئة بالشبّيحة. فقد زرع هؤلاء الرعب في قلوبنا بحيث
لم نعد نستطيع الخروج من منازلنا، وخصوصا في ساعات الليل، فلا سلطة فوق سلطتهم، ربّما
الرئيس نفسه "لا يمون عليهم"، فهم يأتمرون بأوامر محمد الأسد الملقّب بشيخ
الجبل ومعه عدد كبير من شباب من آل الأسد".
ميليشيا نظامية
وفي نظر الناشط السوري عمار ط. (من مدينة حماه) أنّ "الشبّيحة أشبه
بميليشيا مسلّحة تعمل الى جانب الجيش النظامي طالما انهم يتلقّون رواتبهم من خزانة
الدولة ومعترف بهم من قبل الأجهزة الأمنية، يخضعون لدورات تدريب في القتال المتقارب
والكاراتيه والجودو وتدريبات على طرق استخدام المسدّسات والأسلحة الفردية، وتفوق صلاحيّات
بعضهم صلاحيات كبار ضبّاط الجيش، بدليل انه خلال الأحداث التي جرت في حماه وحمص وسد
الرستن مؤخّرا لاحظنا أنّ الجيش لم يتدخّل أبدا لوقف أعمال الشبّيحة واعتقالاتهم لعدد
من المواطنين وضربهم وسط الشارع وأمام عيون الجميع، حتى أنّ بعض عناصر الشبّيحة في
منطقة الوعر في حمص، "صادروا" معتقلين كانوا ينقلون في شاحنات لدورية عسكرية،
من دون أيّ تدخّل من مسؤولي الدورية.
وأكّدت مصادر سوريّة أنّ بعض عناصر "الشبّيحة" سبق وأن أجروا
دورات تدريب عسكرية متقدّمة في الماضي في دول عديدة كروسيا، وكوريا الشمالية، وإيران.
وهذه الدورات متواصلة ومستمرّة.
ولم يستبعد أحد المطلعين أن يكون "للشبّيحة" تواجدهم ونشاطهم
غير المعلن أيضا خارج سوريا، في لبنان مثلا، وهم يؤدّون في الوقت نفسه دورا امنيا مميّزا
ويقومون بأنشطة معيّنة في مناطق تواجدهم، خاصّة وأنّ لديهم علاقات وطيدة مع بعض المحسوبين
على الجاليات السورية واللبنانية في أميركا الجنوبية، وخصوصا في البرازيل وفنزويلا
ودول أخرى في أفريقيا من ضمنها ساحل العاج.
فمِن "البلطجيّة" الذين هاجموا الجموع المحتشدة في ميدان التحرير
في مصر وهم يركبون الجمال والخيول، إلى "الشبّيحة" في سوريا، إلى كتائب القذافي
في ليبيا... تستمرّ عمليّات الكرّ والفرّ بحثاً عن ربيع عربي مفقود.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية