شهدت مدينة حلب اليوم أكبر تجمع ثوري مناهض للنظام منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة السورية قبل أكثر من تسعة أشهر حتى الآن , شارك فيه أكثر من خمسة عشر ألف شخص بحسب تقدير أحد الخبراء .
شييع خلاله المحتجون الشهيد عمر حاوي الذي سقط مساء أمس الأحد بعد أن تعرض للضرب المبرح على يد عصابات الشبيحة عقب مشاركته في المظاهرة الحاشدة التي انطلقت في وقت متأخر من مساء امس الأحد في حي صلاح الدين بحلب .
سأكتفي بهذه الكلمات لنقلي تقرير حراك حلب المدينة كمادة صحفية يعدها صحفي و سأنتقل إلى كتابة روايتي عن مجريات اليوم و تفاصيله و اسردها بطريقة شهادة أحد المشاركين وسأحاول قدر المستطاع أن أنقلكم إلى المشهد بحقيقته و تفاصيله عسى أن تستمعوا به و تعيشونه كما لو كنتم معنا ..
كنت قد تحدثت في شهادتي السابقة عن قصة المظاهرة التي استشهد فيها عريس مدينتي و نقلت لكم بعض ما دار اثناء الساعات الأولى في بيته الحلبي القديم , و تحدثت عن الحشود التي توافدت إلى الحي الذي يسكنه حتى فجر اليوم وذلك بعد أننشرت صفحات الثورة على موقع التواصل الإجتماعي " فيسبوك " دعوة لجميع أحرار حلب للتوجه إلى المكان لحماية جثمان الشهيد من الخطف خاصة بعد أن اشيع خبر محاولة رجال الأمن اختطافه و منع تشييعه .
و علمت بعدها أن أحد أقارب الشهيد اقنع والده أن يقوم بنقل الشهيد للطبابة الشرعية في حلب ليتم تشريح جثمانه و تحديد سبب الوفاة و إخراج تقرير طبي و شهادة وفاة له ليصار إلى دفنه أصولاً و إخلاء المسؤولية عن والده و تجنب اعتراض موكب تشييعه من قبل الأمن أو نبش قبره واختطافه في حال تم دفنه دون أن تستكمل أوراقه من قبل الجهات المختصة , ما اضطر والد الشهيد للموافقة على تسليم جثمان ولده للطبابة الشرعية بعد أن اخذ وعد من قريبه الذي يعمل بالأصل في الطبابة الشرعية كـ " طبيب شرعي " أن يتكفل بإعادته لمنزل ذويه ليتم تشييعه منه كما هو مقرر , وبعد هذا الاتفاق نقل جثمان الشهيد إلى الطبابة الشرعية بحلب في تمام الساعة السادسة من صباح اليوم الإثنين 26 - 12 - 2012 .
نتظرت حتى دقت الساعة التاسعة صباحاً و توجهت بعد ذلك إلى منزل الشهيد و كانت الحشود المتجمهرة في الحي كبيرة جداً لدرجة أن زقاق الحي الضيق كان شبه مغلق من كثرة الحاضرين المنتظرين وصول جثمان الشهيد من الطبابة الشرعية .
استطعت بصعوبة المرور إلى داخل بيت الشهيد و توجهت إلى والده العم ابو بشير و من دون أن اشعر رأيت نفسي منكباً على يده أقبلها حين استقبلني بوجهه البشوش وابتسامته العريضة و قال لي " أهلين عمر .. أهلين يا بطل " حضنني و حضنته و بكينا بحرقة لدقائق و هو يعود و يقول لي " يا ابني هاد ابني يلي ربيته قدمته فدا الثورة الله يوفقكم يا ابني خلوا عرسه متل ما أوصى " و أخبرني بأنه كان قد أوصى بأن يكون له عرس ثوري تحتفل بها حلب جميعها آملاً أن يكون موته سبباً لانتفاضة حلب بأكملها .
حينها علمت بأن رب العالمين كافء عمر بالدنيا قبل أن يكافئه بالآخرة حين حقق له أمنيته, كيف لا و انا أشاهد امام عيناي الحشود التي كانت تتوافد إلى المكان و بكثافة لم أشهدها قط , ولا يحول بين تحقيق وصية الشهيد كاملة وامنيته إلا دقائق قليلة ريثما يصل جثمانه و تنطلق حلب بأكملها لتقول " الـــــلــــــه أكـــــبــــــر " .
بعد لحظات ضج الحي بأكمله بهتافات الحاضرين و تكبيراتهم و هتافاتهم للشهيد الذي وصل جثمانه من الطبابة الشرعية بعد أن استكمل اخوه بشير و بعض ابناء عمومته اوراق الدفن و انطلقت زغاريد الحرائر و علت اصوات بلابل الحرية لتشق صمت مدينتي التي لا يزال الكثيرون يتذمرون منه و ينتقدونه وبشدة .
ادخل جثمان الشهيد إلى سريره الذي كان مسجياً عليه يوم أمس و اخلى الحاضرين البيت الصغير للنسوة ليتسنى لهم و لوالدته العظيمة بصبرها و ثباتها لإلقاء النظرة الأخيرة عليه و توديعه قبل أن يتم زفه إلى جنة الخلد و البقاء بإذن الله .
و هنا اتجهت نحو السيارة واحضرت علم الاستقلال " علم الثورة " لنلبسه لعريسنا و نزينه بجسد شهيدنا الطاهر و نزفه إلى ربه بالعلم الذي أصبح رمز ثورتنا العظيمة , و استأذنت من والده قبل أن أتساعد مع عدد من الحاضرين بلف العلم على جسد الشهيد و رحب بذلك بشدة و قال لي " لك يا ابني انا ابني قدمته فدى الثورة و روحه كانت هدية للثورة معقول يطلع العريس بعلم غير علم الثورة ! " .
و حملنا شهيدنا على الأكتاف و خرجنا به بعد أن دخل عدد كبير من الحاضرين إليه وقاموا بتقبيله و وداعه و سط زغاريد النسوة و هتافات الشباب و وضعناه بالتابوت الذي زين بعلم الثورة بطول ثمانية أمتار و انطلقنا به باتجاه مقبرة الشيخ جاكير حيث تم دفنه و نقله إلى مثواه الأخير .
كانت الحشود كبيرة جداً واستطيع أن اؤكد بأن اعداد المشييعين تجاوزت الخمسة عشر ألف شخص بين رجل و امرأة هتفوا جميعهم للشهيد واقسموا أن يسيروا على دربه و يتابعوا مشواره و مشوار جميع شهداء ثورتنا العظيمة .
لن أتكلم أكثر عن أحداث التشييع لأني اعتقد بأن المشاهد التي شاهدتموها من خلال البث المباشر الذي أمنه شباب حلب الأحرار كان كفيلاً بأن يضعكم بجو الحدث و ينقلكم لقلب العرس الثوري الذي كان بفضل الله ومن ثم أهالي حلب الشرفاء كما أوصى عريسنا عمر حاوي .
مقطع من إحدى المظاهرات التي اجتمعنا فيها بعد أن قمنا بزف الشهيد و مواراته الثرى وددت أن انقله لكم عسى أن ترتاح ضمائركم ونفوسكم و تتأكدوا بأن دم شهيدنا لم ولن يذهب هباء خاصة بعد هذا العرس الرائع الذي كان بحول الله يليق بشهيدنا الذي سبق وأن اعتقل قبل أن ينال الشهادة مرتين
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية