بعيداً عن المقدمات
و الكلام المنمق و الشواهد التي كثيراً ما استخدمتها في تقاريري السابقة التي كنت قد
كتبتها عن مدينتي حلب التي كانت ولازالت مظلومة " جدا جدا " من قبل جميع
الأحرار لا المنحبكجية أكتب تقرير مادتي شهادتي هذه اسموها ما شئتم وعيناي تزرف دماً
لا دمع حزناً على شباب حلب الذين كانوا و مازالوا يخرجون بصدورهم العارية ليقولوا
" الــــلــــــه أكـــــــبـــــــر " و يهتفوا لحمص و ادلب و درعا وجميع
سوريا رغم أن الكثيرين منكم كان ولا يزال يستهزء ويسخر كلما سمع أو شاهد مظاهرة من
مظاهرات حلب سواء كانت صغيرة أو كبيرة
.
في تمام الساعة
الثانية من عصر اليوم الأحد 25 - 12 - 2011 وردني اتصال من أحد الأصدقاء أخبرني فيه
أن مظاهرة " حاشدة " ستخرج في المساء و قد تم التجهيز لها و الدعوة إليها
بشكل كبير , و أكد لي بأن الأعداد ستكون بالآلاف و سيكون هناك شباب " قبضايات
" سيتولون مهمة حماية المتظاهرين و التصدي لأي محاولة اعتداء عليهم و قال بأنهم
يعتزمون الثبات فيها و تحويلها لإعتصام طويل قد يستمر أيام
!
انهيت اتصالي معه
وانا ككل مرة ادعى فيها لمظاهرة ما اتخيل الواقعة و استخضر مشاهد كثيرة كنت قد عشتها
في المظاهرات السابقة و اشعر بجوارحي تهتف و تكبر و تردد شعارات الثورة , و بدأت بعدها
باجراء الاتصالات مع الاصدقاء وانا احاول جاهداً أن لا انسى أحد فدائما أنسى أحدهم
و بعد المظاهرة يستلمني كل من نسيته و يبدأ بملامتي و نهري لأني لم أدعوه أو كما يقولون
بالعامية " ما عزمته " .
تأكدت من أني اتصلت
بمعظم من اثق بهم و بدأت أعد الدقائق و الثواني وبدأت الساعة رحلة الوقوف المعتاد وبدأت
الساعة تمر دهر , حتى دقت ساعة الصفر و حان موعد الحرية و توجهت إلى حي صلاح الدين
الذي كان يغص بالحشود التي كانت تنتظر صيحة " الــــلــــــه أكـــــــبـــــــر
" و لاحظت وجود عدد كبير من سيارات من يدعون بأنهم " أمن " و باص شبيحة
كبير ,هذا ما تسبب في تأخر موعد المظاهرة التي كان من المقرر بدأها في تمام الساعة
الثامنة لعدة دقائق .
وقفت أنتظر سماع
" الــــلــــــه أكـــــــبـــــــر " و أنا اشاهد حلب كلها تخفق من خلال
قلوب الحشود المجتمعة التي كانت تنتظر معي لحظة البداية لتقول للظالم " الموت
ولا المذلة " .. ما هي إلا لحظات حتى وقف أحد الأبطال وسط الحشود المنتظرة و هتف
بأعلى صوته " تـــــــكـــــــبــــــيــــــــر " فانتفض الحي بأكملها وردد
ورائه " الــــلــــــه أكـــــــبـــــــر " و بدأنا مظاهرتنا التي كانت
حاشدة بكل ما تعنيه الكلمة أمام أعين كلاب الأمن و شبيحتهم الذين بدأوا يخرجون من أماكن
لا يعلمها إلا الله .
و أطلق كلاب الأمن
في هذه الأثناء على المتظاهرين أكثر من 15 قنبلة غازية و هجموا بكل وحشية وعنف على
المتظاهرين وحاولوا ضربهم وامساك بعضهم إلا أن عدد من الأبطال حالوا دون ذلك و بدأت
مواجهات دامية بينهم وبين كلاب الأمن , و قام الأحرار بإمساك عدد من كلاب الامن الذين
هاجمونا و استطاعوا استخلاص عصيهم و اسلحتهم البيضاء منهم و قاموا بضربهم ضرباً مبرح .
و عاود المتظاهرين
لملمة صفوفهم التي تفرقت بعض الشيء اثناء الهجوم عليهم و ضربهم بالقنابل و بدأوا يهتفوا
ويكبروا و تابعوا مسيرهم باتجاه شارع الثانوية الشرعية بصلاح الدين , هنا وصلت تعزيزات
جديدة من كتائب الأسد و شبيحته و بدأوا بتكثيف هجومهم على المتظاهرين و قنابلهم التي
نزلت على المتظاهرين برداً وسلاماً بإذن الله
.
و تابع المتظاهرين
مسيرهم باتجاه حي المشهد وهم يرددون أروع الهتافات الثورية و يفدون درعا وحمص و ادلب
و يهتفون للشهيد و يرددون " هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه " و رددوا
شعاراً لا ادري حتى اللحظة لماذا هزني و أحسست بأن كلي يطلبه حين قالوا " الشعب
يريد إعلان الجهاد " .
تابعنا مسيرنا
ونحن نهتف ونكبر حتى وصلنا إلى ساحة الخضرة في المشهد ونحن نسمع أصوات سيارات كلاب
الأمن تعوي خلفنا و تحاول إرهابنا إلا أن الجميع كان ثابت ولم يتزحزح أحد عن الجماعة
ما اضطر عصابات الأسد للهجوم علينا من خلفنا بسياراتهم و قاموا بدهس عدد من المشاركين
و هجمت بعدهم عصابات الشبيحة وبدأوا باعتقال وضرب كل من تطاله ايديهم القذرة .
استطعت الابتعاد
عن المكان و اتصلت بمعظم اصدقائي الذين دعوتهم لاطمئن عليهم و اتأكد بأن احد منهم لم
يعتقل أو يستشهد , و توجهت بعد ذلك إلى حي الجميلية لأن مظاهرة أخرى كان من المقرر
بدأها في تمام الساعة الثامنة و النصف لكن لم تتم لأسباب اجهلها .
عدت بعدها إلى
منزلي لأجد أن الكهرباء مقطوعة عن الحي بأكمله و جميع الأحياء المحيطة بصلاح الدين
وعلمت بأن كلاب الأمن قاموا بقطع التيار الكهربائي عن المنطقة بأكملها لتخفي عتمة الليل
قذارة أعمالهم التي استمرت لساعة متأخرة
.
و ما أن عاد التيار
الكهربائي بعد أكثر من ساعتين قرأت على الفيسبوك خبر استشهاد أحد الذين شاركونا في
مظاهرتنا الحاشدة بعد أن تعرض للضرب المبرح من قبل كلاب الأسد و شبيحته , و قرأت بأن
تشييعه سيتم بعد أقل من ساعة فسارعت لمعاودة الاتصال بجميع اصدقائي واخبرتهم بالأمر
وهم بدورهم توجهوا إلى منزل الشهيد و تبعتهم إلى هناك و وصلنا إلى الحي الذي كان يكتظ
بعشرات السيارات التي كانت تقف أمام زقاق منزل الشهيد
.
وشاهدت عشرات الأشخاص
يقفون هناك فاقتربت من احدهم وقبل أن اسأله أي سؤال قال لي " أنتم أحرار
" اجبته بنعم فقال تفضلوا من هنا
.
تبعته في الحي
الحلبي القديم و فوجئت بمئات الأشخاص متواجدين في المكان علمت بعدها ان معظمهم جاء
إلى المكان بعد الدعوات التي اطلقها النشطاء على موقع الفيسبوك للتوجه إلى المكان و
حماية جثمان الشهيد بعد أن أشيع بأن كلاب الأمن يخططون لاختطافه و منع تشييعه .
دخلت غرفة الشهيد
و رأيت عشرات الرجال يجتمعون حول جثمانه يقبلون رأسه و يقرآون القرآن لروحه الطاهرة
و يصبّرون والده الذي كان يستقبل جميع من يدخل عليه بابتسامة عريضة و ترحيب حار وهو
يقول لكل شاب ورجل " أهلين عمر .. انت عمر مو .. كلكم عمر .. الله يخليلي ياكم
" اقبلت إليه وقبلت رأسه و يده وقلت له لا تحزن يا عم فعمر نال الجائزة و هو الآن
مع سيد الشهداء حمزة فأجابني " لا يا ابني مين قلك انا زعلان بالعكس انا فرحان
.. هاد عمر تربايتي .. عجبتكم تربايتي خيو ؟ هيك ربيته ورفعلي راسي "
بكيت كثيراً عندما
سمعت هذه الكلمات من والد عمر و اتجهت نحو جثمان الشهيد الذي كان يشع نوراً و انحيت
نحوه وقبلت رأسه و جبينه , كان مبتسماً منور الوجه تحكي عيناه المغلقتان كثيراً من
قصص البطولة و الشجاعة .
كان مضجع نعم لكن
اقسم بالله كان جثمانه الطاهر الذي ذهبت منه الروح لتسبح في فضاء ربها يقول لكل من
كان بالمكان انا نلت الشهادة انا قبضت اجري انا حققت حلمي و بانتظار أن تحققوا أحلامكم
و تنالوا اجوركم بمتابعتكم ما بدأناه
.
استمرت الوفود
بالمجيء و الاعداد بالتزايد حتى امتلئت ساحة البيت الحلبي الصغير بالناس و غص الحي
بمئات الشباب و الشيب فطلب أحد الموجودين من الحاضرين أن يعودوا إلى بيوتهم ويعاودوا
في الصباح ليتم تشييع الشهيد إلى مثواه الأخير , فتقبل البعض الأمر و انصرفوا و بقي
الكثيرون في المكان مصريين على أن يقضوا ليلتهم بقرب الشهيد لحمايته ومنع كلاب الأمن
من اختطاف جثمانه كما حصل سابقاً في حي الصاخور
.
اضطررت للعودة
مع من عادوا لأقوم برفع تسجيلات الشهيد و وداعه من قبل والده و كتابة هذه الكلمات بانتظار
ان يصبح الصباح و ننطلق لنشييع نظام سنقتله بأيدينا و نقبره بعزميتنا و نزف عريسنا
إلى جنة الخلد و البقاء في أعلى عليين عند الحق الأمين
..
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية