أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

غليون لـ «العرب»: علينا استيعاب الهجمة الشرسة للخروج من مملكة عبودية نظام الأسد

اعتبر المفكر السوري برهان غليون أن الحملة العسكرية الحالية على مدينتي حماة ودير الزور، هي الأقسى على الشعب السوري، وأن على السوريين الاحتفاظ بأكبر قدر من قواهم واستيعاب هذا الهجوم، وتجنب الصدام مع القتلة والعصابات.
وأوضح غليون أن النقاش اليوم ليس على نظام الأسد. فالجميع يتطلع إلى ما بعد نظام الأسد؛ لذا على المعارضة أن تتوحد وتتفق على برنامج واضح، لخلق لجنة مبادرة وطنية تقوم على عدة مبادئ تلزم الجميع، خاصة أن الوضع لم يعد يسمح بالتردد وتضييع الوقت أكثر من ذلك.
هذه النقاط وغيرها، كانت محور الحديث مع المفكر السوري برهان غليون، مدير مركز دراسات الشرق المعاصر بجامعة السوربون، الذي التقته «العرب» على هامش ندوة «سوريا بين خيارات ومصالح القوى السياسية والاجتماعية واحتمالات التغيير»، التي نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يومي السبت والأحد الماضيين.


 دكتور برهان، ونحن نتحدث الآن، يشن النظام حملة أمنية عسكرية على حماة ودير الزور، كيف تفسر هذا التصعيد الخطير من قبل النظام؟
- الشعب السوري بدأ ثورته من أجل تغيير النظام ونقل سوريا من نظام استبداد وفساد إلى نظام ديمقراطي. هذا جوهر الموضوع. تطورت الثورة السورية خلال أربعة أشهر تطورا كبيرا، وانتقلت المظاهرات البسيطة إلى مدن كبيرة، حتى أن مدنا عديدة مثل حماة وحمص ودير الزور خرجت عن سيطرة النظام، ومن قبلها كانت حوران كلها.
في كل مرة كان النظام يرد بعنف شرس من أجل كسر دائرة الاحتجاجات، ورغم هذا الشيء حققت الثورة تقدما كبيرا، وشملت مدنا وأحياء جديدة، وازداد عدد المتظاهرين، في المقابل شن النظام هجوما معاكسا وبشكل شامل، بكل ما يمتكله من قوة، لسحق الثورة وتكبيدها خسائر كبيرة، وهو يكبدها خسائر، ليكسر شوكة الشعب السوري ويخضعه، وهذا جزء من الصراع، لكنني أعتقد أنها الحملة الأخيرة للنظام، وهي أقسى حملة علينا.
هنا على المتظاهرين وقادة الاحتجاجات أن تستوعب هذا الهجوم المعاكس، وأن تحتفظ بأكبر قدر ممكن من قواها، وأن تتجنب الصدام مع هؤلاء القتلة والعصابات التي تدافع عن «سيارات المرسيدس»، والأموال التي يغدقها النظام على الشبيحة ورجال الأمن. علينا استيعاب هذه الهجمة حتى نستعيد قوانا، ويكون ذلك بالهجوم المعاكس في المرحلة القادمة، وربما في الأسبوع أو الأسبوعين القادمين، بحيث تنتشر المظاهرات بشكل واسع، لتخرج مدن عديدة عن سيطرة النظام. اليوم نتلقى ضربة أليمة لا شك، ولكنها لن تستطيع أن تخرس صوت الشعب السوري في كفاحه من أجل تحقيق أهدافه بالحرية، والخروج من مملكة العبودية التي خلقها نظام الأسد.

 جمعة «صمتكم قتلنا» الماضية، كان الهدف منها إيصال رسالتين: الأولى لمن لم يلتحق بالمظاهرات بعدُ في سوريا، والأخرى إلى المجتمع الدولي والعربي وصمتهما حيال جرائم النظام، كيف تفسر هذا الصمت العربي والإقليمي على ما يحدث في سوريا؟
- لن نراهن كثيرا على التصريحات الخارجية أو التأثيرات الخارجية، الشعب السوري سيحسم مصيره بنفسه، لن يحسمه أحد، وليس للسوريين مصلحة في أن يحسم الآخرون الوضع بدلا عنه. إذا كانت هنالك قطاعات كبيرة من الشعب السوري لم تحسم أمرها بالنسبة للثورة، لكنها ترفض النظام لأنه لم يعد مقبولا حتى من جماعات داخل النظام، وهذا أيضا مسؤولية المعارضة التي لم تنجح بعد أشهر على تنظيم برنامج واضح وجبهة قادرة على أن تكون ذراعا سياسية حامية للثورة.
هذا سمح للبعض ممن يخرجون على الإعلام لأن يكونوا موجهين أيضا؛ حيث إنهم يعطون صورة غير متسقة في كثير من الأحيان عن أهداف الثورة، فأهداف الثورة واضحة، وهي الانتقال نحو الديمقراطية، لكن يخرج شخص من هنا وآخر من هناك ليتحدثوا بلغة طائفية أو دينية وهكذا. هذا الشيء شوش علينا، وجزء من المسؤولية يقع علينا كتنسيقيات وكمعارضة. حتى التنسيقيات يجب أن تنسق فيما بينها بشكل أكبر.
ليس من المنتظر أن يؤيدنا العالم العربي ولا حتى العالم الآخر قبل أن نفرض نحن ميزان القوى. متى أيدوا الثورة في تونس ومصر؟ الرأي العالمي والعربي أيدهما عندما أصبح من المستحيل الحفاظ على مبارك وبن علي. الآن ينتظرون أن نخطوا نحن الخطوة القادمة وأن نقلب ميزان القوى لصالحنا، بحيث نخلق وجها وعنوانا واضحا للمعارضة، يمثل فعلا البديل المقبل، حتى نستطيع أن ننتزع من هؤلاء موقفا أفضل مما هو عليه اليوم.
خرجت مواقف تنديد من فرنسا وأميركا، هذا الكلام يريح قليلا، إضافة إلى أن واقع الأمر يقول إن الدول العربية والأجنبية فقدت ثقتها بنظام الأسد، ولا تؤمن بأن النظام سيستمر. ليس النقاش اليوم على نظام الأسد. الناس تتطلع إلى ما بعد نظام الأسد. نحن ما لم نقدم صورة عما بعد الأسد لن تتحرك الدول العربية، ولا حتى المجتمع الدولي خطوات أخرى. يجب أن نقدم الصورة التي لدينا عما بعد الأسد، بحيث تكون واضحة وإيجابية ومستقلة، حتى ننتزع مواقف أفضل مما انتزعناه إلى الآن.
وهنا أود القول: إن ورقة الطائفية فشلت في حمص ولو لم تفشل لما اضطر النظام إلى الهجوم على حماة وحمص ودير الزور، الهجوم العسكري شامل على المدن السورية، لأنه ليس لدى النظام حل ثانٍ، فلا إثارة الطائفية نجحت ولا الحديث عن مؤامرة خارجية نجح، الآن وعلى المكشوف يريد قمع المظاهرات.

 في ظل هذا التصعيد من قبل النظام، متى تستطيع المعارضة الاتفاق على برنامج سياسي واضح يعبر عن مطالب وتطلعات الشعب السوري؟
- عندما تحل الخلافات والحساسيات الشخصية فيما بينها. هذه الخلافات نابعة من غياب الخبرة السياسية ومن القمع الطويل، الذي خلق نوعا من انعدام الثقة المتبادلة بين أطراف المعارضة. إضافة إلى نوع من الحساسيات الشخصية التي ولدت نتيجة القمع والسجون، وتهديد النظام للناس. أعتقد أن هذه الخلافات وهمية ولا قيمة لها، خاصة أن المعارضة متفقة على أهم الأهداف، وهي: الانتقال بسوريا إلى الديمقراطية عبر الوسائل السلمية، ورفض التدخل العسكري الأجنبي، ورفض العنف والطائفية، يعني يوجد اتفاق على أمور أساسية؛ لذا لا بد أن يحصل لقاء بين أقطاب المعارضة لنزع فتيل الحساسيات الشخصية.

 الأكراد مثلا في مؤتمر الإنقاذ الوطني الذي انعقد مؤخرا في اسطنبول طالبوا بنزع «العربية» عن اسم الجمهورية العربية السورية، هل هذا وقت مثل هذه المطالب؟
- الأكراد ليسوا دائما صوتا واحدا، الأحزاب الكردية الرئيسية تتعاون مع الائتلافات السياسية الموجودة في سوريا مثل إعلان دمشق وهيئة التنسيق الوطنية، وهي موجودة في تيارات أخرى، هم متفقون معنا على المبادئ الأساسية لثورة الديمرقرطية، بالنهاية يوجد بعض المثقفين الذين يثيرون المشاكل، ودائما لديهم حساسية معينة عند إثارة القضية الكردية، وذلك ليؤكدوا على حقوق الأكراد وهي حقوق تؤمن بها وتؤكد احترامها جميع قوى المعارضة الوطنية السورية.

 هل تعملون على توحيد قوى المعارضة للخروج، ما الجديد في هذا المجال؟
- نحاول الاتصال مع جميع قوى المعارضة والشخصيات الوطنية المستقلة من أجل التحرك لخلق لجنة مبادرة وطنية تقوم على مجموعة مبادئ تلزم الجميع قبل الثورة وبعد الثورة، نتمنى أن نتوصل إلى هذا البرنامج، وهي مسؤولية وطنية على الجميع. الوضع لا يسمح بالتردد وتضييع الوقت أكثر، فالنظام يشن هجوما عنيفا على الثورة الشعبية. ولا بد من الإسراع في توحيد قوى المعارضة على برنامج واحد.

 هل يعتبر غياب هذا البرنامج أحد أسباب الإحجام العربي والدولي عن إدانة النظام السوري ونزع الشرعية عنه؟
- هو أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الموقف العربي والدولي ضعيفا ومشوشا.

 هل توصلتم لرؤية معينة بخصوص الأوضاع في سوريا من خلال هذه الندوة التي تشاركون فيها؟
- ليس الهدف من الندوة الوصول إلى رؤية معينة، ولكن من خلالها اتضح لدينا رؤية معينة، وهي الإجماع على أن ما يحدث في سوريا ثورة شعبية من أجل الديمقراطية، وهي فقرة وفصل من فصول ثورة عربية كبرى تدفع الشعوب العربية إلى تغيير أنظمتها الفاسدة والاستبدادية، وهذه الرؤية تجمع على أن الثورة ترفض العنف والطائفية والتدخل الأجنبي العسكري، وهي أيضا ترى ضرورة إيجاد إطار سياسي يجمع أطراف المعارضة، لكي نقدم للعالم صورة حقيقية عن سوريا ما بعد الأسد.

 البعض وصف هذه الندوة بأنها مؤتمر للمعارضة، فيما تساءل آخرون عن الغاية من سماح النظام لبعض المعارضين بحضورها؟
- هذا جزء من نفسية التشكيك وعدم الثقة التي زرعها النظام عند أطراف من المثقفين والمعارضة. بعد عقود من القهر وعزل الناس والفئات الاجتماعية عن بعضها البعض.
هذه أمور يجب التغلب عليها في النهاية، ولا نستطيع أن نتقدم إن لم نبن الثقة فيما بيننا، ونفكر بأن الآخرين لهم مصالح في التحول مثلنا، إذا شككنا كل مرة في كل فرد. هذه وظيفة مخابرات وليست عناصر من قلب الثورة. هذا مؤتمر علمي للتفكير في موضوع الثورة لا يصدر عنه بيان أو أي شيء. ناقشنا وفكرنا وتداولنا الرأي حول ما يحدث في سوريا. هو مؤتمر لتعميق التحليل بما يحصل.

 بعد نحو خمسة أشهر على الثورة في سوريا، ما السيناريوهات التي تتصورها لما يمكن أن يحدث مستقبلا، وكيف يمكن إسقاط النظام والانتقال إلى نظام ديمقراطي؟
- أتصور أن النظام سيستمر في القمع، لكنه لن يستطيع أن يربح أو يقمع ثورة شعبية عارمة تغطي جميع أنحاء البلاد. سوف يستمر في القمع طالما أن لديه قدرة على ذلك. لدينا خيار واحد ألا وهو ربح هذه المعركة، أي خسارة أو تراجع هي كارثة وطنية جديدة ستجعل النظام وحشا يقتل أكثر من السابق. أمامنا خيار واحد هو أن ننتصر في هذه الثورة، ولكي تنتصر يجب أن تستمر وتتوسع المظاهرات الشعبية وأن تزيد قوة، فبقدر ما تتوسع المظاهرات ويزداد عدد المشاركين فيها يتفكك النظام، لأنه ليس لديه حل ثانٍ، هو الآن بالهجوم على حماة ودير الزور يحاول أن يفككنا، سنستمر ونمتص الضربة ونوسع المظاهرات، ليستمر الضغط على النظام، إلى أن تخرج فئة من النظام: من الجيش أو الأمن أو الحزب تقول: كفى دماء، سوريا لا تستطيع الاستمرار في هذا الطريق، لا بد من حل سياسي يلبي مطالب الشعب السوري المجمع على الانتقال إلى نظام ديمقراطي.
أعتقد أن ما سيحصل ولو متأخرا، سيكون جزءا منه ما حصل في تونس ومصر، بحيث تقف في وجه النظام قوى من الجيش والطاقم السياسي، الذي لا يوافق على الحل العسكري الأمني. وربما الوضع الاقتصادي والمالي أيضا سيضغط على النظام ويكون العامل الأكبر في الضغط عليه مستقبلا، ولكن هذا العامل ليس له قيمة إذا لم نستمر في التظاهرات السلمية وكسب قطاعات الرأي التي ما زالت مترددة في النزول إلى الشارع.

 ماذا بالنسبة للانشقاقات في الجيش، لقد تم تشكيل «الجيش السوري الوطني الحر»، هل سيكون له دور حاسم في مستقبل سوريا؟
- لا نعرف مدى قوة هذه التشكيلات المنشقة، كلنا نراهن على الجيش الرئيس، هذه أمور لا زالت جزئية وجانبية، خاصة أن العناصر انشقت لأنها لم تستطع إطلاق النار على إخوتها. ليس هنالك اتفاق على دعم انشقاق القوات، نحن مع وحدة الجيش السوري ويجب أن نراهن عليه.

العرب - عمر عبداللطيف
(90)    هل أعجبتك المقالة (96)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي