منذ أشعل الشاب التونسي محمد البوعزيزي جسده مشعلا في الوقت نفسه الثورات في المنطقة، ألهب أيضا مخيلة الجماهير المولعة بالنكتة التي كانت أحد أبرز أساليب مواجهة الاستبداد.
وقبل أن تصل الثورة بالفعل إلى سوريا راجت بعض النكات، إحداها تقول أن الحماصنة (أهالي مدينة حمص) حين أرادوا أن يحتجوا أحرقوا تونسيا.
ومدينة حمص (وسط) هي واحدة من أبرز مناطق الاحتجاجات والتي سجلت فيها أعدادا كبيرة من الضحايا. لكنها وباعتبارها معقلا للنكتة السورية شهدت أيضا رغم مشهد الدم، مشاهد وطرائف ودعابات لا تنسى. فتنتشر اليوم على موقع اليوتيوب مشاهد من التظاهرات تصور شبانا في غاية المرح، إلى حد أنهم يستفزون رجال الأمن باستعمال مداخن المدافئ على أنها مدافع، في تهكم واضح من فكرة العصابات المسلحة التي يروج لها النظام. وفي السياق نفسه يظهر شاب وعلى خاصرته باذنجانة، يستلها ويعضها ثم يلقي بها كما لو أنها قنبلة، ويروح الشبان من حوله يضحكون ويقفزون كما لو أنهم يخوضون مجرد لعبة في أحياء مدينتهم. كما يظهر تسجيل آخر مجموعة من الشبان يطلقون ألعاباً نارية فيما ترد قوات الأن بالرصاص.
وفي مديح بطولتهم يستعيد الحماصنة هذه الأيام نكتة قديمة تقول "سئل حمصي عن نسبة البطالة في مدينة حمص، فأجاب: لا أدري بالضبط، لكن ما أعرفه أن الحماصنة كلهم أبطال".
ومن أبرز اللافتات الطريفة التي حملها المتظاهرون واحدة تقول "شكلين ما بنحكي: الشعب يريد إسقاط النظام". حيث الشطر الأول يشير إلى عبارة كانت ترددها إحدى شخصيات المسلسل السوري الشهير "باب الحارة". كما برزت لافتة تطالب الجيش السوري باستخدام الرصاص المطاطي بدلا من الرصاص الحي. أما الأبرز بين اللافتات، فهو أمر لا يمكن أن تجده في أي مكان في العالم.. فإزاء التكذيب المتواصل للفيديوهات التي تبث عن التظاهرات، اضطر السوريون أن يحملوا في كل مرة لافتة تشير إلى اسم المدينة أو القرية بالإضافة إلى تاريخ المظاهرة واسم الجمعة التي تجري فيها.
أما الهتافات الطريفة فهي كثيرة ومبتكرة، ويمكن القول إنها سورية مئة بالمئة، حيث الشعب السوري المستجد في السياسة والتظاهرات بعد انقطاع دام أكثر من أربعين عاما، قد وجد ضالته في ابتكار هتافات يومية ترد في معظمها على الأحداث والتطورات والمواقف التي يتخذها النظام وإعلامه.
من بينها هتاف أهالي دير الزور في افتتاح كل مظاهرة لاستنهاض الهمم الذي يقول "اللي ما بيهتف أمه بعثية". كما لو كانت كلمة "بعثية" توازي شتيمة. ومن بينها أيضا هتاف أهالي تلبيسة في حمص "أردوغان بليز قله (قل له)، شعبك ما بحبك كله".
اما نشاط المحتجين "الكوميدي" الأبرز فهو على موقع الفيسبوك، حيث كل مناسبة وحدث وموقف للنظام تجد له صفحة خاصة للتعليق حوله... بدءا من صفحة "الثورة الصينية ضد طاغية الصين" التي يشاع أن المشرف عليها حمصي، وهي تتناول الأحداث والمجريات بطريقة كوميدية كما لو أنها تجري في الصين، وبأسماء سورية محرفة لتبدو وكأنها أسماء صينية. وغالبا ما يتلقف الناشطون شتائم النظام أو ممثليه كالاتهام بوجود مندسين، حيث انتشرت صفحات باسم "كلنا مندسون" وحيث راح الناشطون يخاطبون بعضهم بعضا بهذه الصفة.
أبرز هذه الصفحات أخيرا، تلك التي بنت على وصف الرئيس في خطابه الأخير للمؤامرة باعتبارها جراثيم. فراحت تتكرر صفحات على الفيسبوك باسم "كلنا جراثيم" و"جراثيم الشعب السوري الحر" و"جراثيم الحرية" و"جراثيم مندسة" و"جراثيم وطنية". وراح الناشطون يضعون على بروفايلاتهم صور لمنتجات الديتول، العدو الأبرز للجراثيم. كذلك فإن لافتة ظهرت في التظاهرات الأخيرة تقول "يا جراثيم العالم اتحدوا".
وتشغل الإعلام السوري حيزا كبيرا من ردود المتظاهرين ولافتتاهم ونكاتهم، ولعل هذه النكتة جاءت لترد على اتهام القنوات الفاضئية العربية بفبركة الصور. تقول النكتة إن محققا يسأل متظاهرا معتقلا لماذا يخرج في مظاهرات، إلا أن الأخير ينفي. يريه صورته، فيقول الشاب "مررت من هناك بالصدفة". يريه المحقق صورته وهو يهتف فيقول الشاب "أخذتني الحمية على حمزة الخطيب". يريه المحقق صورته وهو يمزق إحدى الصور، فيقول "يلعن عرض قناة الجزيرة على الفبركة الاعلامية".
لا ينسى المحتجون والناشطون حتى في أحلك اللحظات أنهم شبان وذي أمزجة حيوية، ولذلك لم يغب عنهم التعليق على زيارة نجمة هوليود الشهيرة انجيلينا جولي إلى مخيمات اللاجئين على الحدود التركية السورية، إذ راحوا جميعا يتشهون أن يتحولوا إلى لاجئين كي يحظوا برؤية نجمتهم الأثيرة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية