أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"شباب ثورة سوريا" وحربهم الافتراضية ضد النظام

«آباؤنا وأجدادنا عاشوا في الذل والمهانة والخوف بسبب حكم الحزب الشمولي.. ونحن إذا سكتنا اليوم نكون قد شاركنا في الحكم على أبنائنا بمثل تلك العيشة».
بهذه الكلمات بادرني محمد الفيزو (31 عاماً)، أحد الناشطين في انتفاضة الحرية التي تعيشها مدن وبلدات وقرى سوريا اليوم، عندما سألته عما إذا كان متفائلا بما ستؤول إليه الأوضاع في بلاده، بالرغم من كل ما يحدث.
ومحمد كان من أوائل من حرّض وشجّع على التظاهرات الاحتجاجية التي انطلقت في جسر الشغور. وكان أيضا حريصا على تنظيم تلك التظاهرات ونقلها الى القرى المجاورة. فقبل بدء حركة الاحتجاجات كان محمد من سكان اللاذقية. وعندما بدأت المواجهات في مدينته عاد الى مسقط رأسه في جسر الشغور، لإيمانه بأنه من بلدته يستطيع أن يقدم للـ «الثورة» أكثر مما يستطيعه من أي مكان آخر، وفق تعبيره، خصوصا بعدما قطعت السلطات عن اللاذقية خدمات الهاتف الأرضي والنقال وأيضا الانترنت، وفرضت حصارا أمنيا وعسكريا.
وهكذا، أصبح محمد يمثل اليوم مجموعة من الشبان أطلقوا على أنفسهم اسم «شباب الثورة السورية»، ردا على التسميات «المهينة» التي يستخدمها النظام بحقهم، كما يقول محمد. ويضيف «ليسمّنا ما يشاء: إرهابيين، خارجين عن القانون، مرتزقة، جماعة فلان وعلان.. لكننا في النهاية نحن أبناء سوريا وأصحاب حق في العيش بكرامة وحرية.. والنظام الذي يطلق النار على أبنائه ليس عبرة لنا لنأخذ بما يقول. فالعبرة أخذناها من الشعب المصري وقبله التونسي ولن نفعل أكثر مما يفعله اخواننا اليمنيون والليبيون.. ولا أقل مما فعلته شعوب أخرى عبر التاريخ من أجل كرامتها ومستقبلها.. فنحن لن نقبل بعد اليوم إلا أن نكون عبرة ايجابية لمن يريد أن يعتبر..».

الحرب الافتراضية

إلا أن مهمة محمد الفيزو «النضالية» الرئيسية (المصطلح الذي يحب أن يستخدمه) ميدانها «العالم الافتراضي». فهو واحد من هؤلاء الذين نجحوا أخيرا في نقل صورة عن واقع ما يجري اليوم في سوريا بعيدا عن آلية الإعلام الرسمي. فقد اختاروا «تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات» في إدارة ما يسميه محمد «الحرب الافتراضية» لكشف ممارسات النظام وأساليب القمع التي يستخدمها مع مواطنيه ويقول إنها «حوار».
وعندما سألت محمد (خريج الأكاديمية البحرية) عن تعليقه على ما يطلقه الإعلام الرسمي عنه وعن زملائه بخصوص أنهم «مندسون.. ومدججون بتكنولوجيا خطرة ومعدات تدمر المجتمع»، أخرج من جيبه هاتفا نقالا صغيرا وبسيطا ذا مزايا متواضعة، وقال: «هذا هو كل أسلحتنا».

سلاح الصوت والصورة

كيف يعمل هذا «السلاح» (جهاز الهاتف الذي ليس بهاتف ذكي ولا بقمر صناعي ولا كل ما يشبه ذلك) وسط التدابير الأمنية والاستخباراتية ووسائل القمع المفروضة في البلاد؟ وكيف يحقق أهدافه فيما السلطات قادرة على قطع وسائل الاتصالات؟ وكيف نجح محمد وأمثاله رغم كل هذه الظروف في بث الحدث بالصوت والصورة على العالم أجمع، وأرسل عصر فرض الرأي الواحد الى خبر كان؟
التقيت بمحمد في منطقة غوتيشتشي الحدودية في محافظة هاتاي التركية، المطلة على بلدات جسر الشغور وخربة الجوز ومعرة النعمان وبداما في الجانب السوري، والتي أصبحت اليوم «نقاط ساخنة» في محور المواجهة الدائرة بين النظام السوري والمطالبين باسقاطه.
تبعد غوتيشتشي عن آخر نقطة حدودية سورية مسافة ساعة سيرا على الأقدام وسط الأحراج (حوالي 5 كيلومترات)، يقطعها محمد يوميا تقريبا قادما من مقر اقامته الحالية في بلدة خربة الجوز المحاذية لجسر الشغور. فبعد المواجهات العنيفة التي شهدتها قرى المنطقة وفرار الأهالي الى تركيا والحدود والقرى البعيدة قرر الفيزو ورفاقه انشاء نقطة تجمع تضم ممثلين عن أهالي جسر الشغور وخربة الجوز والبيضاء وغيرها. وأطلق على هذه النقطة اسم «تجمع خربة الجوز». وفيها يتواجد متطوعون توزعوا على لجان شعبية وتقاسموا مهام باختصاصات مختلفة: من توزيع المؤن وتأمين الحاجات الضرورية الى الحراسة وفض الاشكالات التي تحصل في مثل ظروفهم. والى جانب هذا هناك لجنة اعلامية مهمتها توثيق كل ما يحدث على ارض الواقع من تظاهرات واحتجاجات ومواجهات وحوادث وآراء وما الى ذلك، بعد تسجيلها على أجهزة الهاتف النقال، يتولى بعدها محمد الفيزو وعدد من رفاقه نقلها وحفظها على أشرطة مدمجة أو ما ينوب عنها، يتحمل محمد مسؤولية نقلها الى أقرب نقطة داخل الاراضي التركية يتواجد فيها خدمة انترنت.
ومن قرية حاجي باشا التركية، حيث له أقارب، يعمل محمد على بث ما سجل بالصوت والصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي الالكتروني، مثل الفيسبوك واليوتيوب والتي لهم فيها صفحات خاصة، وأحيانا كثيرة الى وكالات الأنباء ومعارف معنيين يقيمون في الخارج ويتولون بدورهم تطوير المهمة وتعزيز أهدافها.

مهمة وطنية

وعن مهمته «النضالية» يقول: «مهمتنا وطنية. اذا لم يعرف العالم الخارجي حقيقة ما يجري على أرض الواقع ستبقى الحقيقة مخيبة في ظل ما تبثه وسائل الاعلام الرسمي. هدفنا توصيل الحقيقة الى العالم الخارجي وقبله الى شعبنا في الداخل، الذين لا يتسنى لهم الاطلاع على مجريات الواقع الا من خلال التلفزيون السوري فيما السلطات تمنع الصحافيين والاعلاميين من دخول البلاد وتغطية الاحداث.
وتركيز محمد ورفاقه لا يقتصر فقط على تصوير التظاهرات وممارسات القمع والاعتداءات فقط، ولو كان العمل بدأ بتصوير اسكتشات التظاهرات وتطورها، وبثها كما هي على مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك واليوتيوب. فخلال المواجهات التي شهدتها بلدة جسر الشغور على وجه التحديد حدث أن أخلى رجال الأمن عددا من المفارز الأمنية ومراكز الشرطة والسجون. فسارع «الثوار» لاستغلال الفرصة وتجميع ما ملكت أيديهم من مستندات ووثائق ومحاضر. وكان من بينها العديد مما يثبت التجاوزات التي ارتكبها جهاز الامن بحق المواطنين المدنيين العزل وأيضا تورط عناصر من جهازي الأمن والمخابرات «بالصوت والصورة والوثائق الرسمية» في ما يعرف داخل سوريا بـ»الشبيحة». ويؤكد محمد أن تلك «الممتسكات قد جرى تسليمها الى عناصر من لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الانسان وعناصر من منظمات انسانية وحقوقية أخرى.
ومن بين تلك الوثائق المصورة والمكتوبة أيضا ما أثبت للعالم صحة حركة الانشقاقات داخل الجيش السوري وهو الأمر الذي لا ينفك النظام ينفي وقوعها.
ويضيف محمد «معلوماتنا وما لدينا يؤكد أن عدد المنشقين عن الجيش السوري حتى اللحظة بين 5 الى 10 آلاف، ومن بينهم ضباط.. ونحن كنا وراء بث انشقاق المقدم حسين هرموش ونقلنا نص انضمامه للثوار بالصوت والصورة الى العالم الخارجي».
لدى محمد الكثير مما يخبره عن تفاصيل المواجهات التي حصلت في جسر الشغور، ولديه أيضا الكثير من التفاؤل بأن الأمر سيكون على أكمل ما يرام». ويؤمن بان ما كان سائدا في الأمس لن يعود، وأن التغيير الايجابي حاصل لا محالة. «فالخوف انكسر وانطلقت شرارة الشعور بجمال طعم الحرية.. وعاشقو الطعم الحلو لن يتخلوا عنه بعد اليوم»، بحسب تعبير محمد ذي الجسد النحيل والوجه المتعب والعينين الناعستين لكن الحالمتين بغد أفضل له ولأبنائه ولوطنه «حتى لا يعيش أطفال سوريا ما عاشه الآباء والأجداد».

شيوخ جسر الشغور بكوا على درعا

يروي محمد كيف تطورت التظاهرات الاحتجاجية وصارت تضم عشرات الآلاف بعدما بدأت بعشرة أشخاص فقط. ويقول: عندما اتفقت مع رفاقي على إطلاق الحملة الالكترونية كنا خائفين من عدم تجاوب الاهالي ومن ضحكهم علينا.. الذين هم في طبعهم مسالمون الى اقصى الحدود ولم يدخلوا في اي مواجهة من قبل كونهم مزارعين بسطاء يعملون بعرق جبينهم ليؤمنوا قوت يومهم.. لكنني تعلمت أن هؤلاء القرويين المزارعين هم أيضا اصحاب نخوة وشهامة.. فعندما سمعوا منا ما جرى في دمر على سبيل المثال بالصوت والصورة بكى الشيوخ والرجال قبل النساء.. وهكذا وبعدما كان عدد المشاركين في التظاهرة الاولى التي خرجت في جسر الشغور لا يتعدى العشرة أشخاص كانت التظاهرة الخامسة بعد ثلاثة ايام تضم خمسة الاف شخص وبعدها 15 ألفا وهكذا.. شعرت وكاننا كنا نزداد كل ساعة.

الشعور بالحرية أطلق عنان التمرد

الى جانب أهمية طبع الشهامة التي يتحلى بها أهالي جسر الشغور، إلا أن حادثة معينة كانت بمنزلة الشرارة التي أطلقت الانتفاضة هناك.
هذه الشرارة كانت عبارة عن هتاف ضد ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد، والمعروف عند الأهالي على أنه رمز العنف والبطش بالنسبة لهم.. الهتاف يقول «يا ماهر يا ديوس على راسك بدنا ندوس». والديوس هو الشخص الذي يفعل كل المكروهات من دون ان يرف له جفن... ولما سمع الأهالي هذا الشعار من بعض المحتجين لم يصدقوا عقولهم بانهم في العلم.. ومن تلك اللحظة عرفوا أن للخوف حاجزا يمكن أن ينكسر. وبعد أن يتحطم حاجز الخوف تنقشع شعاعات الحرية. وللحرية طعمها الحلو الذي لا يمكن إزالته بسهولة.

لا نريد سجونا بخمس نجوم بل واحات حرية بنجوم السماء كلها

تعرض محمد الفيزو للاعتقال على موقع المواجهات التي جرت في اللاذقية، واودع سجن فلسطين. ولكن المفاجأة بالنسبة لمحمد كانت التحسينات التي أدخلت على عنابر السجن المعروف بأساليب التعذيب الرهيبة التي تمارس خلف جدرانه وفي أروقته. فمحمد كان قد قضى عاما كاملا من عمره في هذا السجن الذي قال انه أصبح يشبه الفندق «بالقياس والتشابيه» نسبة الى ما كان عليه قبل انتفاضة الحرية. والمفاجأة الثانية أن محمد الذي ذاق مختلف أنواع التعذيب والترهيب في ذاك العام لم يتعرض لضربة كف من مسؤول أو جندي خلال الأسبوع الأخير الذي قضاه بعد أحداث اللاذقية. لكنه يؤكد أنه التقى بأطفال تعرضوا للتعذيب وشاهد آثار ذلك على أجسادهم ووجوههم.
وعن مفاجآته قال: عرفت لماذا اختاروني ورفاقي ليأخذونا الى هذا السجن دون غيره. أرادوا أن يوصلوا رسالة من خلالنا بأن النظام بدأ يتغير الى الأحس وبانه يعمل على التحسين.. هم يعتقدون أننا أغبياء ويصرون على معاملتنا على هذا الاساس.. شباب اليوم لا يريد سجنا بخمس نجوم.. شباب اليوم لا يريدون سجونا بالأصل بل واحات حرية لا نرضى إلا أن تكون إلا بعدد نجوم السماء الصافية.

القبس
(105)    هل أعجبتك المقالة (98)

فدوى

2011-06-21

شو هالمحمد الفيزون هيدا... طلع في أذكى من ........


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي