أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ما أهون دمائنا عليكم ...أيها البِيض!! ... د. عوض السليمان - فرنسا

مائة وثلاثة أطفال أفارقة، ليس رقماً كبيراً في حسابات المستعمرين وقاتلي الإنسانية. ففي فلسطين يموت كل شهر واحد أربعة أضعاف هذا الرقم. وفي العراق الأسير استشهد في عدة سنوات أكثر من مليوني طفل. والحية لا تلد أرنباً، والاستعمار هو الاستعمار.

يختبئون في ثوب الديموقراطية وحقوق الإنسان، فقط لقتل غيرهم والتلذذ بمنظر دماء المسالمين. في عيد رأس السنة الميلادية الذي يأتي فيه بابا نويل بالهدايا للأطفال، يرسل به إرهابيو الإدارة الأمريكية هداياهم إلى أطفال العراق من الصواريخ البالستية والقنابل الذكية، ولا ينسون أن يكرموهم في بعض الأعياد بإرسال الفوسفور الأبيض، وقليلاً من اليورانيوم المشع.

عيد رأس هذه السنة ربما كان سيكون مختلفاً على أولئك الأولاد الذين يثيرون الشفقة حتى في قلوب الحيوانات المتوحشة، ربما كانوا سيباعون في سوق النخاسة، أو ربما احتاج بعض البيض إلى أعضاءهم لترميم صحة أبنائهم. ربما عيد رأس السنة هذا العام لو مر عليهم، لأخذ منهم كلية أو عيناً أو قلباً. ولكان الأبيض وضع لولده في الحذاء هدية مختلفة هذه المرة، عضواً بشرياً لطفل إفريقي، ولربما قال الأبيض لولده، هذه هدية جاءتك باسم الحب والإنسانية من طفل تشادي عمره سنة واحدة.

أي حضارة هذه التي يتكلمون عنها، منظمة أوروبية، تعمل منذ سنوات لتهجير أطفال أبرياء لا حول لهم ولا قوة من موطنهم الأصلي في تشاد، إلى فرنسا. ويكون لها القدرة بأن تدعي أنها تعمل ذلك لأسباب إنسانية. تماماً كما قتل صناع الموت الأمريكان أطفال العراق وأفغانستان لأسباب إنسانية ولتخليصهم من الظلم الواقع عليهم. وتماماً كما فعلت بريطانيا عندما استقدمت الصهاينة إلى فلسطين فيقتلوا أبنائها ويشردوا أهلها لأسباب إنسانية.

ثم يكتشف القوم، أن هؤلاء الأطفال ليسوا أيتاماً وأن لديهم أباءً وأمهات يحبونهم ويفدونهم بأرواحهم، ثم تظهِر بعض التحقيقات أن المتواطئين في هذه الجريمة أخذوا هؤلاء الأولاد عنوة أو احتيالاً أو إغراءً. فقد ذكرت امرأة تشادية أن فرنسيين جاءوها وطلبوا أن يذهبوا بأولادها إلى المدرسة في أبيتشي وسيعودون بعد أسبوع، هذا في الوقت الذي خطط به هؤلاء الرجال ومنذ زمن طويل للاستيلاء على هؤلاء الأولاد والذهاب بهم إلى بلاد البيض.

أ ليس حقاً علينا، نحن والمتأمركين والمتصهينين، وعبيد أوروبا المدافعين عنها وعن دراساتها في اللواط والميل للفطري نحو الأطفال، أن نقف احتراماً لحقوق الإنسان فيها. وأن نرفع القبعة ونحني الهامات. فهم يريدون، أن ينقذوا أطفالنا من ويلات الحروب، وربما أرادوا أن ينقذوا أطفالهم أيضاً من الأمراض والعاهات. أ ليس علينا أن نشكرهم، لأنهم ربما يجربون على أولاد إفريقيا بعض أدويتهم وبعض جراثيمهم.

جريمة قتل أطفال ليبيا تتكرر مرة أخرى في تشاد، وكما حدث في الأولى حدث في الثانية، فقد اهتزت أوروبا كلها دفاعاً عن قاتلي أربعمائة طفل ليبي، وتوالت الضغوط على طرابلس، لإنقاذ القتلة باسم الديموقراطية وحقوق الإنسان. وبالنتيجة ولضعف الدول المسالمة أطلقت طرابلس قاتلي أولادها ليحاكموا أو يسجنوا في بلادهم، ولكنهم أطلقوا قبل أن تهبط الطائرة إلى أرض المطار، بل ونالوا الأوسمة وأصبحوا نجوماً تقابلهم الفضائيات ويتحدث عنهم أطفال البيض بوصفهم أبطالاً. وهذا ما حدث تماماً في مسألة الأولاد التشاديين إذ تحركت أوروبا لإنقاذ خاطفي الأطفال وهاهي تظفر بإعادتهم إلى بلادهم معززين مكرمين وليذهب أطفال تشاد إلى الجحيم بل لتذهب كل إفريقيا إلى الجحيم. فهي ليست أكثر من قارة ننهب ثرواتها ونستغل خيراتها ونجرب فيها دوائنا وسلاحنا.

لا يحزنني ما يفعله الغرب بنا، ولا تبكيني أنباء الإرهاب الأمريكي في العراق أو الصهيوني في فلسطين أو الإيراني في عربستان أو الإثيوبي في الصومال. إنما يحزنني موقف ما يسمى القادة العرب، الذين لا يجرؤون على رفع رؤوسهم، بل لا يجرؤون على النظر من النافذة إلا بإذن البيض. ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وباءوا باحتقار الشعوب وكراهيتها. وإلا كيف لا يثور هؤلاء القادة العبيد، وهم يسحقون كل يوم تحت الحذاء العسكري الأبيض. وكيف يقبل من في قلبه ذرة كرامة كل هذه المهانة وكل هذه العجرفة من العالم المتمدن الذي يقتل ربيع حياتنا ويسرق فلذات أكبادنا.

نعم قالها رئيس تشاد وصدق، إنهم يعاملوننا كالحيوانات، وأزيد: بل أسوأ من ذلك ألف مرة، ولربما تسقط حكومة بيضاء من أجل كلب قتل، حتى إنهم لا يتوقفون عن إهانتنا والتهكم على عقائدنا لأننا نذبح الخراف في عيد الأضحى فنحن قوم لا شفقة في قلوبنا ولا رحمة على تلك البهائم المسكينة ولكن حكومات البيض تلك تحصل على أرفع النياشين كلما غزت بلداً وسحقت شعباً وقتلت عدداً أكبر من أبناء الأمم الفقيرة.

منظمات حقوق الإنسان تنام عند الحديث عن أولئك الأبرياء من الأطفال والنساء الذين سقطوا في العراق وفلسطين ولبنان، لكنها تستطيع أن تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان التي قام بها حزب الله ضد الصهاينة. وتقوم القيامة ولا تقعد لو قامت دولة إسلامية بسجن لواطي أو عابد شيطان، ولكن الألسن تخرس وتكم الأفواه عند الحديث عن أطفال ونساء جنين وبيت حانون.

أما منظمات حقوق الإنسان العربية، فحدث ولا حرج، بعضها مشغول بتحرير المرأة من قطعة القماش التي على رأسها، "ويقوم الليل ويصوم النهار ويجاهد سراً وعلانية ليسقط ذلك المنديل". وبعضها مشغول في إثبات حق الفرد بالميل للجنس نفسه أو بالميل لأطفال إفريقيا. وبعضها يجادل في " وللذكر مثل حظ الأنثيين" أما بعضها فلم يسمع بواقعة تشاد ولا بواقعة ليبيا. بينما ذهب بعضها للنوم عند سماع الأخبار فهذه القضية لا تعنيه ولا تدخل في جهاده لإدخال الفاحشة إلى البلاد المحافظة.

بئس ديموقراطية البيض تلك، وبئس منظمات حقوق الإنسان تلك. وبئس الزعامات العربية المهزومة الذليلة. وإذا كان من أمل، فأرجو أن يكون في هذه الشعوب المقهورة التي ستنتفض يوماً ضد الطغاة والظالمين وضد المتاجرين بدماء الأبرياء. "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".

(128)    هل أعجبتك المقالة (124)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي