فكانت معادلة حمص حماه تثير فضول الكثيرين من الأفارقة ربما ليعمموها على نهر النيل, في مقال نشرته مجلة المصور المصرية في العام 1954 لسعيد تلاوي يسلط الضوء على خفت دم الحماصنة وتفاعلها مع الحمويين وهذا نص المقال:
يقولون أن الخلاف بين حمص و حماة يرجع الى عهد الفتح الاسلامي و نزوح القبائل العربية في الجزيرة الى بلاد الشام و استيطانها هذه البلاد الجميلة الساحرة فقد حمل الحمصيون و هم من اليمن و حمل الحمويون و هم من قيس ما كان بينهم من خلاف في وطنهم الأول و القوة في وطنهم الجديد و تعهدوه بالعناية حتى نما و ترعرع و أصبح في بعض الفترات ثورة او فتنة أو حربا
و ساعدت الطبيعة أيما مساعدة الحمصيين على انماء الخلاف فأقامت بينهم نهر العاصي الذي سمي بهذا الاسم لعصيانه القواعد الطبيعة في سيره الأنهار من الشمال الى الجنوب و سيره من الجنوب الى الشمال فهو ينبع في أراضي لبنان و يتجه شمالا الى حمص و يجتازها إلى حماه و منها يتابع سيره حتى يصب في بلدة السويدية القائمة على البحر الأبيض المتوسط .
أحد عوامل الخلاف : نهر
و يعد نهر العاصي عاملا مهما في عوامل الخلاف بين الحمصيين و الحمويين ذلك أن مائه يظل نقيا صافيا حتى يغادر حمص فإذا غادرها اتسخ و تلوث و تغير لونه و طعمه و من المؤكد أن الحمويين لا يرتاحون الى ادخال التعديلات على ماء العاصي و يحتجون احتجاجا صارخا و لكن ما ينفع الاحتجاج و ما
يستطيع الحمصيون أن يفعلوا للقضاء على أسباب الاحتجاج و إذا تجاوز الحمويون التعديلات التي تدخل على ماء العاصي في حمص فهل يتجاوزون غرف الماء بكثرتها ووفرتها في حمص حتى لا يصل منه إلى حماه الشيء الكافي للري و السقاية ماذا يفعلون إذاً ؟
هنا يدخل دور الطرف و التنكيت و القصص يقول الحمويون أن العقلاءتدخلوا ذات مرة لحل الخلاف على الماء و جاءت وفود الحمويون الى حمص و اجتمعت مع وفود الحمصيين لهذه الغاية و درست موضوع الخلاف في جميع الوجوه فاهتدت الى خير وسيلة للحل هي أن تقسم بحيرة قطينة و هي مستودع ماء العاصي بحبل و يأخذ كل فريق ما يخصه من الماء دون زيادة أو نقصان و لكن الحمصيين انقلبوا على الحمويين إذا أرسلوا خلسة في إحدى الليالي بعض الشباب القبضايات و راحوا ينقلون الماء في الصفائح من الطرف الحموي إلى الطرف الحمصي ,و ليس العاصي كل شيء في موضوع الخلاف فهناك الجوار القريب إذ لا تبعد حمص عن حماه أكثر من خمسة و أربعين كيلو مترا و هنالك العلاقات الاقتصادية و التجارية و السياسية بين البلدين و هناك الطريق من حمص الى حلب للحمصيين و مرورهم بحماه و الطريق من حماه الى دمشق للحمويين و مرورهم بحمص و لابد أن تتحرك العواطف القديمة الدفينة و ان تحدث حوادث الجدال و الأخذ و الرد و المناقشة و المفاخرة بالكرم و السخاء و المنافرة باذود عن حمى الوطن و جاءت عهود الفتح لتجعل من حماه أيالة لحمص حينا و تجعل من حمص أيالة لحماه حينا آخر و لا يخفى ما في هذا من ايالم للنفوس خصوصاً إذا كان الحاكمون و المحكومون يضمرون الخلاف لبعضهم بعضا ً من قبل !
ثم جاءت عهود العثمانيين و ارتقى عدد كبير جدا من الحمويين إلى احتلال المناصب السامية و المراكز العالية في دولة الخلاف العثمانية , و كان ان جعلوا من حمص قضاء تابعا لمتصرفية حماه في الشؤون الإدارية و المالية و القضائية و أصبح لزاما على الحمصي أن يسافر لقضاء حماه ليحل ما يعرض له من أمور في دوائر الحكومة ثم جاءت عهود الفرنسيين فقلبت الآية و جعلت حمص محافظة و حماة محافظة كذلك و لكن حماه تابعة في الكثير من العلاقات الرسمية لحمص, و إذا قال الشاعر (لا بد مما ليس منه بد) فلا بد من ان تكون علاقات الطرفين المتحاربين ببعضهما أوثق مما يخطر في بال انسان كعلاقات المصاهرة مثلا فقد كان الأتراك يعفون ذوي الزوجات الأغراب من الخدمة العسكرية و ما أسرع ما يقدم الحمصيون و الحمويون على التزاوج و التصاهر من بعضهم و يرون هذا أهون شرا من الموت في خنادق قلعة أو الأناضول أو اليمن أو في احدى المقاطعات التي كانت تابعة للدولة العثمانية كالبوسنة و الهرسك أو بلغاريا أو غير ذلك و اذا كانت الزوجة الحموية أو الحمصية لا تلقى شيئا من العذاب لما ينطوي عليه الرجلان الحموي و الحمصي من خلق عال و روح طيبة فلا ضير على الولد إذا عيره أبوه بقوله : يا حيف خالك حمصي أو خالك حموي !!!
نهاية الخلاف :
و قد خففت هذه المصاهرة من حدة الخلاف المزمن بين حمص و حماه شيئا فشيئا حتى قضت عليه بمرور الزمن و غدا حديثا من أحاديث التندر و الفكاهة ثم تطورت العلاقات فاصبحت علاقة الأخ بأخيه إذا سلم كل منهما بالأمر الواقع و عندما اندلعت نار الثورة السورية الكبرى على الاستعمار الفرنسي عام 1925 في حماه و أشعل الفرنسيون النار في هذه المدينة المجاهدة خفت جماهير الحمصيين لنجدتها و نصرتها و أشهد أن الحمويون من أشجع أبناء الأمة العربية و يعلل الحمصيون هذه الشجاعة بان أرواحهم رخيصة لأنهم لا يعرفون معنى الحياة !
و قد رد الحمويون الجميل للحمصيين في حوادث العدوان الفرنسي عام 1945 و ألحقوا أضرارا بالغة بقوات الاستعمار و بقوا يتبادلون عواطف الود و الولاء في كل مناسبة و مرةشاء بعض الشباب من الحمويوم المندفعون أن يتفاخروا فجاءوا إلى حمص بعد ان هزموا القوات الاستعمارية و اتنشروا في المقاهي و الملاهي يرسمون شارة (7) كما كان يفعل تشرشل ابان الحرب العالمية الأخيرة !
هذا طرف من أطراف الخلاف بين حمص و حماه و هناك أطراف شتى اعتذر عن عدم الاشارة اليها لأنني اكتب هذه الكلمة في حلب و أود أن أعود الى دمشق و طريقي في العودة من حماه و أخشى أن أنال الجزاء من أخواني الحمويين و الشماتة من أخواني الحمصيين و أصبح مثل فقراء اليهود لادين و لا دنيا.
انتهى..
الخلاف الحمصي الحموي يصل أفريقيا عام 1954
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية