أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تعقيبا على" كارثـة بيئيـّة تحـل بشرق سوريـة سببهـا الفساد وسوء الإدارة"

 


ليس من الذكاء أن نرى ماحدث بالأمس من كوارث ولكن النجاح يكمن في توقع ومعرفة ما يمكن أن يحدث غدا أو بعد غد والعمل على تجنبه. فما نشر مؤخرا في أكثر من موقع إلكتروني عن مصير منطقة جب شعير  في الرقة يدعو للقلق، ويجب أن يدفعنا للعمل من أجل تلافي نتائج التغيرات المناخية وزحف الصحراء بدلا من أن نكون أدوات تساعدها على تسريع عمليات التدمير لمقومات الحياة في بلادنا. وهذا كلام أتمنى من السلطات العليا في وطننا الحبيب أن تقرأه وتتحقق من صحته لتقول لنا إن كانت تتفق مع السلطات المحلية في محافظة حماة على تفضيل الرخام على مستقبل الزراعة والبيئة والبشر في عدد من القرى التي يمكن أن يتزايد عددها كلما سال لعاب لجنة المقالع على ما تدره المقالع من عائدات.
ما أريد قوله ليس شخصيا وإنما يخص مئات العائلات وآلاف الدونمات من الأراضي الزراعية التي تحولت وسوف تتحول إلى مقالع للرخام في أراض زراعية لا تزال تزرع بالقمح والشعير بعلا في بلد بات يعاني من نقص القمح وشح المياه. وهذه الأراضي تعود لتسع قرى في منطقة مصياف اقترحت لجنة المقالع في حماة تحويلها إلى مقالع رخام بموجب محضر يحمل الرقم 50/ص/د/10/4 تاريخ 10/6/2010 وهذا يعني تصحير قرى بكاملها تزرع بمختلف الأشجار المثمرة والحبوب إضافة إلى الأحراج الطبيعية.
 وخلال السنوات القليلة الماضية تم تحويل مساحات كبيرة من أراضي قرى عنبورة والمحروسة وبقراقة ومشتى ديرماما وجوبة الكلخ إلى صحراء وحفر بأعماق تزيد عن 15 مترا. وكل ذلك طمعا بالرخام الذي يقولون إنه فاخر جدا. وللعلم استمرت شكاوى الأهالي على مدى السنوات الماضية وكان آخرها معروض يحمل أكثر من 250 توقيعا.

وحتى الآن لا نعرف عن مصيرها سوى الرد بأنه لا يوجد أضرار، علما بأن قناة الدنيا الفضائية ردت على ذلك بتقرير مصور في 26/ 9/ 2010 أظهر الأضرار على المزروعات والبيئة وتشقق البيوت المجاورة في قرية المحروسة نتيجة التفجيرات كما اعترف فيه مستثمرو المقالع بالمخالفات العديدة التي يصر المسؤولون في حماة على نفي وجودها، ومنها قطع الطرق الزراعية وتدمير قناة أثرية وضخ المياه المتجمعة في الجور العميقة على المزروعات ما أدى إلى موت بعض الأشجار.
 
ما أريده من كلامي ليس " كيدياً" ولا شخصيا كما تقول مديرية الجيولوجيا والثروة المعدنية في حماة بكتابها الموجه إلى وزارة الإدارة المحلية برقم 387/ص تاريخ 4/ 8/2010. فما أسعى إليه يمثل حقا  لأهالي هذه القرى الذين يريدون حماية مزروعاتهم من جشع عشاق الرخام المصيافي وأن لا يصبحوا مهجرين ذات يوم مثل أهالي جب الشعير في الرقة نتيجة" الفساد وسوء الإدارة". وهو ما حاولوا التعبير عنه في عدد من الشكاوى موجهة إلى جميع الجهات المعنية مرفقة بمئات التواقيع.
 أنا من الذين يمكن أن يكسبوا كثيرا من هذا الرخام لو قبلت بتحويل أرضي إلى مقالع. فقد عُرض علي وعلى غيري ثمن يفوق الثمن الحقيقي لأراضينا عشرات المرات، لكن كثيرا من الناس يرفضون البيع لأنهم يعرفون قيمة الزيتون والتين والعنب والقمح. ويعرفون أن عشرات الأجيال عاشت من خير هذه الأرض، ويريدون أن تعيش منها أجيال المستقبل بدلا من التحدث في يوم ليس ببعيد عن كارثة أخرى تطال قرى قد يصل عددها إلى العشرات بفضل حماس المسؤولين في حماة للرخام وما يدر من أرباح وسمعة طيبة  للصادرات السورية حسب أقوالهم.
لكن امتناع المزارعين عن بيع بيوتهم وأراضيهم قد لا يطول لأن أصحاب البيوت القريبة لم يعودوا قادرين على السكن في بيوتهم بسبب الغبار والتفجيرات، وأصحاب الأراضي الزراعية بدأوا يشهدون نتائج الأضرار على أشجارهم التي بدأت تتباطأ في إعطاء الثمار وأخذ بعضها يلفظ أنفاسه على مرأى ومسمع لجنة المقالع في حماة التي تطرب لترديد عبارة" لا يوجد أضرار". أما نحن فلم يعد بمقدورنا سوى عرض ما لدينا من كشوف رسمية تبين هذه الأضرار ودعوة من يريد لمشاهدة الأرض على الواقع في أي يوم بعد منتصف الصيف حيث تتساقط أوراق بعض الأشجار وثمارها قبل أن تنضج.
لقد بدأت بوادر الكارثة بالظهور، ويمكن حتى الآن تفادي وقوعها. ولن يكون مفيدا بعد سنوات القول إن " إن الفساد وسوء الإدارة" أديا إلى قتل آلاف الدونمات وتهجير مئات العائلات في منطقة كانت خضراء قبل فترة ليست ببعيدة.

محمد جمول
(100)    هل أعجبتك المقالة (99)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي