أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إرهابيون .. مستنعجون ولسنا انقلابيين ... ثائر الناشف

كثيرةٌ هي الحكم الصينية , يروى في قديم الزمان , أنّ فلاحاً صينياً كهلاً جاوز عمره الثمانين عاماً ونيف , كرس معظم حياته في أعمال الزراعة , وقد تعلم منه آلاف الشباب فنون المهنة , وتحول بنظرهم من فلاح يغرس ويسقي إلى معلم يرشد ويوجه إلى حكيم يعي كل كلمة يقولها .
حكمته أنه في ذات يوم , وبينما كان يسقي إحدى شجيراته الوارفة الظلال , بثمرها الكثير الذي جعل أغصانها تقترب من الأرض حتى كادت تتكسر , وخضرة أوراقها التي تسحر عين الرائي , قصده رجل تبدو عليه علامات القيادة , سأله عن سر قوة ونضارة هذه الشجرة الهرمة , هل الصدفة فعلت فعلها فيها , أم أن ثمة لغزاً يقف حائلاً دون معرفة السبب؟.َ
فهم الفلاح الحكيم قصد القاصد واستدرك قائلاً .. إنّ هذه الشجرة لا يميزها شيء عن باقي الأشجار , كما ولا تقل عنا بشيء , إن أعطيتها جل ما عندك , أعطتك جل ما عندها , وإن حرمتها حاجتها , حرمتك حاجتك .
يبدو أن كلام هذا الفلاح الكهل , لا يزال صداه يتردد على مسامع القادة السياسيين والحزبيين الصينيين , يدلهم على الصواب ويبعدهم عن الخطأ , البارحة عقد الحزب الشيوعي الصيني الحاكم مؤتمره العام وأوصى بضرورة إحداث تغيير جذري شامل في سياسات الدولة , واستبدال الوجوه القديمة بوجوه جديدة أكثر حيوية .
مهما قيل عن تجارب الشيوعيين وإخفاقاتهم بالحكم في شتى أنحاء العالم الشرقي بشقيه الآسيوي والأوروبي , تبقى التجربة الصينية فريدة من نوعها , ومن المتوقع أن تشكل بحلول العام 2025 قوة منافسة على المستوى الاقتصادي – المستوى الذي فشلت فيه التجربة السوفيتية – للقوة الأميركية الأوحد في العالم , والسبب يرجع أن الصينيين يعيشون تاريخهم المليء بالحكم الحية بروح الحاضر .
الصين كأمة تعدادها يفوق المليار نسمة مثلها مثل أمة العرب والإسلام (كتلك الشجرة الباسقة لا تختلف عن نظيراتها ) لكن الاختلاف أننا لم نسمع حتى الآن أن اتهمت بالإرهاب مثلنا , أو شارك أحد أبنائها من بين المليار إنسان بعملية إرهابية , حسب المعايير الأميركية المحددة لطبيعة الإرهاب ونوعه , ولا عرفنا قط , أن الصينيين يأكلون ليذهبوا إلى النوم أو لإغلاق أفواههم فقط , إنما لاستمرار ماكينة إنتاجهم في الليل قبل النهار, وستعطيهم عما قريب ما تحلم الشعوب نيله .
أمامنا ثلاث حالات ترتبط بخيط واحد , وتشتمل المقاربة بين واقعنا بآفاقه المسدودة وواقع جيراننا المفتوح على أهله والمحيط , أولها صبغة الإرهاب التي صبغنا أنفسنا بها أو صبغوها بنا , لا فرق طالما ظللنا منطوين على ذواتنا , رغم عدالة قضايانا
– فلسطين كمثال- مع خصومنا الخارجيين , لكننا وللحق لا نعرف كيف ندافع عنها , أبقوة الحجة المرتكزة على العمل الغير موجود لدينا , موجود عند الصينيين , إذا ثبتنا أقدامنا وركزنا عيون عقولنا على أول الطريق بدأنا ننتصر لقضايانا , أم بقوة البارود ؟ لا نملك منها إلا ما يعمي أبصارنا حين نشرع باستخدامها , فلسنا من شارك بصنعها .
ثانيتها ,حالة الاستنعاج التي أصبحنا أسراها , من حيث نعرف أو لانعرف , إمّا لكثرة اجترارنا وبلوغنا مرحلة التخمة التي شلت حركتنا , أو لقلة مواردنا وشحها , بما جعلنا نسير صعوداً وهبوطاً بحثاً عن قوت يومنا , وفي الاتجاهين الحال سواء , إن زاد علفنا أو قل , نحلنا أو ثخينا .
ثالثتها ,أهم صفة وأفضل شيء يقدسه رعاتنا فينا , بأننا لسنا انقلابيين عليهم , أي لسنا تغيريين للقديم على حساب استقدام الجديد , ولا حتى رعاتنا بقادرين على استنساخ النموذج الصيني المنافس عالمياً بكليته , الذي يكفل بقاءهم مع تماثيلهم وصورهم إلى ما قدر الله صاحب الملك , شريطة اقتداءهم بالطريق الصيني القويم المصحح لكل اعوجاج والتواء والممقت لكل شعار وتدجيل , مشكلتنا في شعاراتنا الجوفاء الواهية , بحيث جعلتنا نعيش المستقبل كأمة عظيمة على أساس أننا شيدناها في الماضي , ونسينا الحاضر أو تناسيناه لأنه لا يعنينا بشيء .


(123)    هل أعجبتك المقالة (127)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي