بعد قيام احد المواقع الإخبارية السورية بحذف مقال للكاتب السوري نضال نعيسة " السلف الصالح " ارسل لنا الكاتب التعليق التالي :
لا ننكر أنه كان هناك كثير من التعليقات والرسائل الغاضبة التي أساءت فهم المقال
وقولتني ما لم أقله، ولكن هناك بالمقابل، بوادر إيجابية، وثمة إشعاعات من نور وصرخات
من ألم وقهر وعذاب وسط هذا الركام من العتمة والتزمت والابتذال، تتفتح رويداً رويداً
وبدأت تطرح الأسئلة المحظورة، وتريد التحرر من أغلال الماضي الفكرية وتابوهاته وقيوده
الكثيرة التي عطلت العقل وكلسته وقزمته واختزلته وجعلته على ما هو عليه من عجز في
مواجهة أي استحقاق حضاري حرمها شام برس من فرصتها في التعبير عن رأيها وحقها في
مواجهة ذاك المد الظلامي الفكري الأسود. ولذا، كنا نرجو من شام برس وتوخياً
للموضوعية، والعدالة والمساواة والحياد، أخذ تلك الأصوات المختلفة، وعلى قلتها
وندرتها، بعين الاعتبار، وإعطاءها فسحة موازية للتعبير عن ذاتها وعدم التراجع
والامتثال للابتزاز التكفيري، والضغوطات والإرهاب الفكري، واللغة السوقية والخطاب
المجتر العقيم للجماعات إياها، وعدم الرضوخ لمنطق الغلاة والتكفيرين الذي وضع نفسه
على الدوام في خدمة منظومات الطغيان، ولم يكن له علاقة، يوماً، بأي فكر وقيمة وخلق أو
دين من الأديان. وفي الوقت الذي نفتقر فيه، كالعادة، للمنابر الوطنية التي نوصل من خلالها أصواتنا
المكبوتة والمخنوقة، لأن الاعتقاد ما يزال راسخاً في سورية، وعلى مستويات متباينة،
بأن لا أهمية تذكر للإعلام برغبة كل تلك الجلبة والأثر والضوضاء التي يحدثها. وما
زلنا، من يومنا، وبفضل من الله، نتشرد في المواقع والشاشات العربية والمهاجرة التي
احتضنتنا وآوتنا من إرهاب فكري، وخوف أمني، وجوع معرفي. وما زلنا نرى الأصوات
القومجية السلفية والجهادية والماضوية مـُرحباً بها، وتحتل المواقع والمنابر الوطنية
الرسمية والإليكترونية الرسمية وشبه الرسمية، وتلعلع أصواتها وتسرح وتمرح في كل مكان،
مفسدة الذوق والفكر والعقل الجمعي العام، في عملية سبي واغتصاب للفكر والرأي تكتسح من
خلالها الساحة وتسيطر على السوق الإعلامي. وصار المرء، لا يميز في كثير من الأحيان،
وتختلط عليه الأشياء، بين شاشاتنا الوطنية وبما فيها "الخاصة المستجدة"، والفضائيات
الوهابية البترولية فيما تنشره وتروجه من تقليد وفكر ومضمون سلفي وأصولي. ويحرمنا شام
برس بذلك من فرصة أخرى، وحق للوصول إلى عقول أحبتنا ومواطنينا السوريين بعد أن أغلق
الإعلام الرسمي
والحكومي أبوابه وختم نوافذه بالشمع الأحمر أمام كل الأصوات الليبرالية والتنويرية
الحرة والمستقلة التي ليس لها سوى الله، والأجندة الوطنية السورية الخالصة. وكم أتألم
حين أرى مقالاً أو رأياً تنويرياً وعلمانياً لكاتب سوري في مواقع أخرى ومشفـّـرة في
نفس الوقت الذي تعم فيه الرداءة والسطحية وممالأة ومحاباة ومغازلة الغوغاء والرعاع في
معظم ما ينشر من تعليقات وآراء في مواقعنا السورية الوطنية. وبالعودة للمقال نكرر ونتساءل فيما إذا كان المدعو عمرو خالد بـ"الشويتين دول بتوعو"
التي يرددهم وبالأسلوب المسرحي الفكاهي المضحك، قد أصبح من السلف الصالح، أيضاً،
ويمنع علينا نقده، ويجب أن نؤلهه ونلغي عقولنا أمام هذياناته وفبركاته وشطوحاته وشططه
الفكري، وافي مقارباته لمختلف القضايا بذاك الاستسهال والاستهبال المفضوح؟ وفيما إذا
كان علينا أن نخرس ونصمت فاسحين بالمجال أمام أي متنطع آخر يمتلك بعض المواهب في
الفهلوة والشطارة والإخراج المسرحي والنطوطة واللعب بـ "التلات ورقات"؟
وأكرر أين فضلنا ومساهمتنا في الحضارة والحياة الإنسانية إذا كنا نريد التوقف عند
أروقة القرن السابع الميلادي، ونكتفي بما قدمه أولئك البدو الأعراب في مرحلة مبكرة من
التاريخ الإنساني تجاوزتها التجارب والتطورات ولم تعد ذا نفع ولا بال ولا يمكن
تطبيقها وإعادة إنتاجها بحال من الأحوال؟ والدليل على ذلك أن كل المجتمعات التي ما
زالت تعيش وتتمسك بتلك المنظومة السلوكية والمعرفية فهي في حال يرثى لها وتكابد كماً
هائلاً من الأزمات تعليمياً وصحياً وتنموياً وثقافياً وسياسياً وحياتياً ...إلخ؟
ولِمَ ينبغي عليّ كإنسان أعيش في القرن الواحد والعشرين، أن ألغي ذاتي، وأطمس هويتي
الإنسانية المتجددة، وحقي في الإبداع والعطاء بأن أقلـّد أولئك البدو الأعراب في كل
شيء في المأكل والمشرب وقضاء الحاجات التي كانت تتم في العراء ، أعزكم الله، وكانت
السبب في فرض الحجاب على "الحرائر"، اللواتي كن يتعرضن للتحرش، و"البصبصة" من شذاذ
أولئك الأعراب؟ يبدو أن إعلامنا السوري الرسمي والخاص، والبين بين، ما زال لم يستفق من غيبوبته
الكبرى وسباته الستاليني الطويل، ولم يستوعب، وبكل أسف، الدروس، ولم تصل إليه بعد
مقولة الرأي والرأي الآخر، ويتخلى عن الأمانة المهنية في حمل مشعل التنوير والتوعية
وتحدي المعوقات المادية والمعنوية، ويـُصّر بعناد عجيب على اجترار نفسه وتقديم الصوت
الواحد، واللون الواحد والذوق الفاسد في محاباة ومجاراة الفكر السائد، والذي لم يفلح
في دفعنا خطونا واحدة نحو الأمام، ويتحمل جزءاً من المسؤولية الكبرى فيما وصلنا إليه،
وما نعيشه من أزمات ونكبات؟
لا وألف لا لإرهاب الفكر، ومسخ العقل.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية