أعرف أن الكلام الذي سوف أكتبه قد لا يعجب الكثيرين، وربما يفتح علي نار جهنم، وأنا الذي كرست ثلاثة أعوام من عملي الصحفي، لفضح طبقة رجال الأعمال المرتبطين بالأسد، من خلال سلسلة "أثرياء سوريا" التي تم نشرها على موقع "اقتصاد مال وأعمال السوريين" أحد مشاريع "زمان الوصل"، في الفترة من 2017 ـ 2020.
لكن على مقلب آخر، ما يجعلني مطمئن لموقفي التالي، أن الفترة الزمنية التي كتبت فيه تلك المقالات، كانت جزء من صراعنا مع نظام الأسد ومحاربة جميع أدواته، أما وقد سقط هذا النظام وعادت الدولة لشعبها، فإن الحسابات هذه المرة يجب أن تأخذ شكلا مختلفا، فلم يعد الأمر يتعلق بأشخاص وإنما مصلحة وطن.
أذكر وبينما كنت أعمل في سلسلة "أثرياء سوريا"، أن نبهني صديق ليبي، وهو كاتب وأديب معروف وتبوأ مناصب ثقافية في بلده، أنه لا يوجد صحافة في العالم تهاجم رجال أعمال بلدها، ثم روى لي حادثة عن رجل أعمال إيطالي شهير، ارتكب جريمة قتل بشعة وحكم عليه بالإعدام، لكنه واجه الحكم بسخرية وأخذ يضحك بأعلى صوته، وعندما سأله القاضي عن سبب ضحكه، قال له: هل سمعت بحياتك عن رجل أعمال تم إعدامه.. ؟ وبحسب قوله، فإن هذا الرجل خرج براءة فيما بعد.
وخلال عملي على سلسلة "أثرياء سوريا" مرت علي قصة مشابهة، تتعلق برجل الأعمال السوري "سامر الفوز" الذي ارتكب جريمة قتل موصوفة في تركيا، ثم خرج منها براءة .. ومثله "هشام طلعت مصطفى" رجل الأعمال المصري الشهير المتورط بقتل الفنانة اللبنانية "سوزان تميم" فهو الآخر لم يتم اعدامه، وإنما قبع في السجن بضع سنوات، ليخرج بعدها بعفو رئاسي ويعود إلى أعماله ونشاطاته.
لا أجد تفسيرا واضحا لتلك الحوادث سوى أن الحياة ليست عادلة، والناس فيها ليسوا كأسنان المشط، كما نأمل جميعا.
من هنا، أرى أن موضوع رجال الأعمال السوريين الذين دعموا نظام الأسد، يجب أن يعالج بطريقة مختلفة عن تلك التي يتم فيها معالجة قضايا مجرمي الحرب..
وأقصد هنا برجال الأعمال، ليس الطبقة التي بنت ثرواتها خلال سنوات الثورة الـ 14، فهؤلاء ليسوا رجال أعمال، وإنما مجرمون وتجار حرب، جمعوا أموالهم من السرقات وتجارة المخدرات والأعضاء، فهؤلاء يجب تجريدهم من أموالهم ومعاقبتهم مثلهم مثل ضباط النظام الأمنيين الذين ساهموا في قتل الشعب السوري وتهجيره وتدمير بيوته .. ما أقصده بالضبط هو طبقة رجال الأعمال التقليدية في سوريا ، التي تعمل في الصناعة والتجارة، ولها استثمارات ما قبل نظام بشار الأسد، لكنهم لم يمتلكوا الجرأة التي امتلكها غيرهم، واضطروا لدعم النظام حفاظا على أرواحهم وأموالهم، بحسب ما يقولون.
أدعو بجدية لإجراء تسوية مع هذه الطبقة، بشرط ضخ استثمارات لتوليد فرصة عمل جديدة، مع تقديم مساعدات للاجئين، ودعم الاقتصاد الوطني..
فما الذي سيستفيده الوطن من تحييد "محمد حمشو"، في الوقت الذي يعمل في مؤسساته وشركاته أكثر من 1000 موظف.؟ أي على الأقل يعتاش من خلاله 5 آلاف أسرة..
هي ليست دعوة للمسامحة، ولكن اعتبرها إعطاء فرصة للتكفير عن الذنب، ومن منطلق أن مصلحة الوطن تقتضي ذلك .. ثم من جهة ثانية دعونا نقولها صراحة، أليست مصلحة الوطن هي التي تدفع الرئيس أحمد الشرع اليوم لإبداء استعداده لدعم جهود السلام في المنطقة، ومن ثم مغازلة أمريكا والغرب، بينما لا يلقى ذلك استغرابا أو استهجانا من الشعب السوري ..؟! ما المانع أن يكون السلام مع أهلنا وشعبنا كذلك ..؟ نقطة انتهى.
فؤاد عبد العزيز - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية