أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بحثٌ عن الحقيقة: قصة أم سورية تلاحق أثر ابنها المختفي منذ 2014

محمد عبدو

في دولةٍ اعتادت أن تدفن الحقائق قبل الأجساد، تحوّلت رحلة البحث عن الابن إلى معركة مع مؤسسات القهر والإنكار. "منذ العام 2014، لم أعد أعرف النوم"، تقول والدة الشاب محمد عبدو؛ الذي اعتُقل في منطقة جديدة عرطوز، جنوب غرب دمشق.

لم تكن العائلة تعرف أن آخر لحظة رأت فيها ابنها ستكون بداية لجحيم طويل. تتابع الأم: "كم مرّة طلبونا على مشفى تشرين العسكري؟! لا اسم، فقط رقم. كنا نذهب مكسوري الخاطر ونعود أكثر وجعاً. في أحد الأيام، قالوا إنه توفي. طلبت اسماً يؤكد لي أنه ابني، فقال المحقق الذي عرّف عن نفسه باسم (ضرار) لوالده: خذ المجنونة واطلعوا أحسن ما بهدلكم انت وياه!".

في غرفة التحقيق، لم يكن هناك أي دليل ملموس. لا صورة، لا تقرير طبي، لا شهادة وفاة. فقط رقمٌ باردٌ قيل إنه لمحمد. "أريد اسماً فقط"، توسّلت الأم، "لكنهم لا يريدون لنا الحقيقة، فقط الإذلال".

جريمة محمد في نظر النظام كانت "النية في تفجير صناديق اقتراع" خلال انتخابات بشار الأسد الرئاسية في 2014، وفق ما قيل لعائلته بشكل غير رسمي. اعتُقل على الشبهة، وسُحب إلى جهة مجهولة لم يعترف بها النظام حتى اليوم.

بعد محاولات فاشلة في المستشفيات العسكرية، قصدت العائلة ما يعرف بـ"محكمة الإرهاب" علّها تجد جواباً. هناك، كان المال شرطاً حتى للسؤال: "دفعتُ فقط لأقدّم طلباً أريد فيه أن أعرف أين ابني"، تقول الأم. لكنها لم تتلقَ جواباً، لا نفياً ولا إثباتاً، فقط صمت الدولة وأبوابها المغلقة.

وفي العام 2024، بعد تسريب وثائق من سجن صيدنايا وسقوط الأسد، عثرت العائلة على ورقة صفراء عليها اسم ابنها، ضمن قوائم المعتقلين لكن من دون توضيح المصير؛ لم يُكتب عليها تاريخ ولا سبب الوفاة. فقط الاسم، كأنه تذكير بأن في هذا البلد حتى الموت لا يحمل توقيعاً رسمياً.

هذه القصة ليست فريدة، بل تتكرر كل يوم في سوريا. آلاف الأمهات يبحثن عن مصير أبنائهن في دوائر الأمن والمستشفيات العسكرية، لا يطلبن أكثر من ورقة، اسم، أو حتى قبر بعد سقوط الأسد..

زمان الوصل
(15)    هل أعجبتك المقالة (17)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي