نفّذ مراسل "اقتصاد" جولة موسّعة في المدينة الصناعية بعدرا، في ريف دمشق. التقى خلالها بعدد من الصناعيين هناك، واطلع على واقع النشاط الصناعي اليوم، ليرصد ما الذي تبدل منذ سقوط نظام الأسد؟
وفي تصريح خاص لـ "اقتصاد"، أفاد السيد ياسر محمود السّعد، صاحب ومدير منشأة السّعد للصناعات الحديدية، أن أهم ما يميز العمل اليوم، في المدينة الصناعية بعدرا، هو "الأريحية" الموجودة في الانتقال والتنقل بعد غياب الحواجز الأمنية بشكل نهائي عقب سقوط النظام البائد.
وأوضح أنه كان هناك ما يزيد عن ستة حواجز منتشرة بين المدينة الصناعية في عدرا وقلب العاصمة دمشق، "وعند
مرور سيارات المنشأة الخاصة بنا يبدأ أفراد تلك الحواجز بابتزاز السائقين، فتارةً يطلبون منهم مهمة رسمية وتارة أخرى يطلبون تفتيش الشاحنة متذرعين بأسباب أمنية حتى يتم دفع الرشى ليسمحوا لهم بالمرور". أما اليوم "فنلاحظ أريحية مطلقة
بنقل البضائع من المنشأة إلى الأسواق في المدن والمحافظات السورية".
وأضاف السّعد أن الخدمات التي يجب أن تقدمها الحكومة للمدن الصناعية، أصبحت اليوم موضوعاً ذاتياً (خدمة ذاتية) مثل حراسة المنشآت وإصلاح مضخات المياه التي تزود المعامل أو الاعتماد على الصهاريج للتعبئة الذاتية "على نفقتنا كصناعيين، وذلك في مبادرة منا في تحمل تلك المصاريف المالية لمساعدة الحكومة الجديدة والوقوف بجانبها في بعض المسؤوليات".
وفيما يتعلق بالأرباح والتكاليف، أفاد السيد "عماد" وهو مدير مبيعات لدى إحدى الشركات في المدينة الصناعية، أنه مع ارتفاع سعر صرف الليرة السورية عقب سقوط النظام فإن البضائع
الموجودة في السوق أصبحت تباع بأقل من سعر التكلفة، الأمر الذي أدى إلى حدوث بعض الخسائر في الأرباح بسبب تكلفة تسعير البضائع القديمة بسعر الصرف القديم الذي وصل إلى 15 ألف ليرة سورية للدولار الواحد قبيل سقوط نظام الأسد المخلوع. أما خلال الفترة القادمة ومع السماح باستيراد المواد الأولية بالإضافة إلى انخفاض الرسوم الجمركية نستطيع القول إن تكلفة إنتاج البضائع انخفضت إلى تكلفتها الحقيقية والتي
من الممكن بيعها في السوق ضمن أرباح معقولة. أيضاً ارتفاع أجور الأيدي العاملة عقب سقوط النظام البائد كان له دور في تأرجح الأرباح بين فترة وأخرى، دون رفع سعر المنتج، نظراً لوجود منافسة شديدة في منتجنا بالأسواق. مضيفاً أنه يوجد أريحية بالعمل نستطيع من خلالها القول أننا مستمرون في نشاطنا الصناعي وسط جو كبير من التفاؤل.
ولدى سؤالنا عن رأيه في أداء الحكومة الجديدة من كافة النواحي، أجاب السيد "عماد": "اليوم لا نستطيع تقييم عمل
الحكومة كصناعيين وفي باقي القطاعات، لأن فترة العمل لديهم بعد سقوط النظام فترة قليلة لا تتجاوز أربعة أشهر وهي مدة غير كافية لتقييم الأداء. لكننا بالمجمل لمسنا تسهيلات كثيرة. ونتمنى لهم كل التوفيق في مهامهم".
وقد رصد "اقتصاد" في جولته، أجواءً ملحوظة من الارتياح في أوساط الصناعيين والعاملين هناك، فضلاً عن سرعة دوران عجلة الصناعة في تلك المنطقة بعيداً عن العوائق التي كان يضعها النظام المخلوع في طريق الصناعيين، كالضرائب والأتاوات وغيرها.
فقد استذكر السيد "عماد" الوضع المخيف الذي كان سائداً فيما يتعلق بالضرائب المالية لجميع المنشآت الصناعية في عهد المخلوع، لأنه سابقاً وبأي لحظة كان من المحتمل أن يقوم
الصناعي بإغلاق منشأته بشكل كامل نظراً لارتفاع ضريبة التكليف المالي الصادرة عن وزارة المالية آنذاك والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى مليار ليرة سورية، أو الحجز
على المنشأة في حال عدم تسديد تلك الضريبة المالية. أما الآن فالضريبة المالية ستكون ضمن أرقام معقولة ومريحة، حسب وصفه. مشيراً إلى أن الاستيراد من خارج سوريا
يجري بشكل سلس ومريح الآن وضمن رسوم جمركية معقولة، أما سابقاً، كان أي شخص يقوم بالاستيراد يتم وضعه ضمن الدائرة الحمراء ويُستدعى إلى فرع الخطيب بأي لحظة.
وفي سياق متصل أكد السيد عبد الله قاسم، أحد الشركاء المؤسسين لمنشأة زهير قاسم وشركاه والمتخصصة بصناعة
الطحينية، أن المادة الأولية اللازمة لصناعة الطحينية وهي السمسم أصبحت تصل بشكل معقول من دون رسوم جمركية على عكس أيام النظام البائد الذي كان يفرض عليها رسوماً باهظة حتى على السمسم البلدي.
وكشف قاسم أن وضع الكهرباء في المدينة الصناعية ممتاز، وهو عبارة عن خط معفى من التقنين بشكل كامل 24 ساعة
على مدار أيام الأسبوع السبعة، بسعر وسطي يبلغ 1950 ليرة سورية للكيلو الواط الساعي، وتم تقديم الوعود لنا أنه سينخفض السعر ليصل إلى 1500 ليرة سورية للكيلو خلال الفترة القليلة القادمة (تم تخفيض السعر بالفعل إلى 1500 ليرة خلال إعداد
المادة). لافتاً إلى أن بعض الرسوم التي كانت موجودة أيام النظام البائد ما تزال حتى الآن مثل رسوم إعادة إعمار 10% بالإضافة إلى رسوم إدارة محلية أيضاً 10%.
ولفت قاسم إلى أن الأيدي العاملة في الصناعة أصبحت متوفرة إلى حد يجعلنا نعاني من فائض منها، عكس الفترة التي سبقت سقوط نظام الأسد، حينما كان ما يزيد عن نصف الشعب السوري مطلوب للأفرع الأمنية أو إلى الخدمة الإلزامية، الأمر الذي كان يجعلهم عاطلين عن العمل كأشخاص، فكنا نعاني من قلة الأيدي العاملة كشركات ومنشآت.
وختم قاسم بالقول: "متفائل جداً بالمستقبل والذي يرسمه أبناء سوريا الجديدة، بالرغم من أن العمل حتى اللحظة يكاد يغطي التكاليف فقط مع أرباح بسيطة جداً، إلّا أن الأيام القادمة
ستكون أفضل ضمن المعطيات التي نجدها أمامنا سواء من قرارات الحكومة الجديدة أو من الارتياح العام في سوق إنتاج البضائع وتصريفها".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية