رغم كل التحولات السياسية التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام الأسد، بقيت بنية النظام الأمنية متغلغلة في مفاصل العمل الإغاثي والإنساني القائم حتى اليوم ضمن مؤسسات دولية لها أفرع في سوريا، لا سيما في دمشق.
شهادات من داخل مؤسسات الدولة السابقة تؤكد أن العديد من المنظمات الدولية العاملة تحت غطاء إنساني كانت تخضع فعليًا لرقابة وتوجيه من الأجهزة الأمنية، وتُدار من شخصيات ذات ولاء مباشر للنظام السابق لا تزال في مواقعها حتى اليوم.
موظف سابق في وزارة الخارجية السورية، عمل ضمن دائرة العلاقات العامة، يكشف أن أغلب الموظفين المحليين في هذه المنظمات، خصوصًا في مناصب العلاقات والإدارة، هم إما أبناء ضباط مخابرات أو شخصيات معروفة بولائها الأمني.
وأضاف: "التوظيف يتم حصريًا عبر تزكية من الأجهزة، وهذه القاعدة لم تتغير منذ عام 2012".
ويؤكد المصدر أن هناك عشرات المنظمات الدولية العاملة في سوريا.
"زمان الوصل" درست عدة أمثلة لهذه المنظمات؛ وتمتنع عن نشر أسمائها لعدم الدخول في نزاع قانوني، لكنها سترسل الأسماء إلى الجهات المعنية.
ويكشف المصدر جانبًا أكثر حساسية حين يقول: "بعض هذه المنظمات لا تخجل من فرض تمييز طائفي مباشر. لقد سمعت بنفسي، أكثر من مرة، من أحد المدراء أن التوظيف لا يُسمح به إلا لطائفة محددة، وهذه تعليمات غير مكتوبة لكنها سارية بقوة الواقع".
وأكد المصدر أن معظم التنسيق بين هذه المنظمات كان يتم عبر "الأمانة السورية للتنمية"، الذراع المدنية التابعة مباشرة لأسماء الأسد، والتي لعبت دورًا محوريًا في توجيه المساعدات واستثمارها ضمن أجندة النظام. كما كان الهلال الأحمر السوري، بقيادة خالد حبوباتي، مظلة أخرى لهذا التنسيق، حيث تم تحويله إلى واجهة تعمل لصالح الأجهزة الأمنية، رغم مظهره الإنساني.
ويشير الموظف إلى الفوقية التي كان يتعامل بها القائمون على هذه المنظمات، مستشهدًا بأسماء مثل فرح خير بيك، ابنة اللواء محمد خير بيك، وعلي ديوب، مؤكدًا أن فتح تحقيق معهما سيكشف الكثير من الحقائق حول كيفية إدارة العمل الإنساني في تلك المرحلة.
مطالب بالمحاسبة
وطالب الموظف المطلع بفتح تحقيق محلي مستقل يشمل كافة المشاريع "الخيرية" التي نُفذت خلال سنوات سيطرة النظام، للكشف عن حجم الفساد والتمييز والتلاعب بالتمويل الخارجي الذي قُدم باسم "مساعدة الشعب السوري"، بينما جرى تسخيره لخدمة أجندة ضيقة أمنية وطائفية.
ويختم: "سقط النظام الدموي، نعم، لكن الأذرع الأمنية ما تزال قائمة في مواقعها ضمن هذه المنظمات، تستفيد من التمويل الدولي وتتحكم بمفاصل العمل الإغاثي"... أخاف من هجمة مرتدة!
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية