في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين السورية في عام 2025 القرار رقم (53) بتاريخ 27/03/2025، والذي ينص على إنشاء ما سُمّي بـ"الأمانة العامة للشؤون السياسية"، وهي جهة إدارية جديدة تهدف – بحسب المعلن – إلى تنظيم النشاط السياسي المحلي. إلا أن فحوى القرار يثير الكثير من التساؤلات القانونية والسياسية، خاصة في ظل غياب أي أساس دستوري واضح، وتعارضه الصريح مع مبادئ حقوق الإنسان والمعايير الدولية المتعلقة بحرية العمل السياسي.
أولًا: شرعية القرار وتجاوز الصلاحيات
1. تدخل في مهام خارج اختصاص الوزارة
بحسب الدستور السوري والقوانين المنظمة لعمل مؤسسات الدولة، تقتصر مهام وزارة الخارجية على إدارة العلاقات الدولية وشؤون المغتربين، في حين تُناط الشؤون السياسية الداخلية بجهات أخرى مثل:
وزارة الداخلية: المخوّلة بترخيص الأحزاب السياسية.
مجلس الشعب: الجهة التشريعية المسؤولة عن إصدار القوانين.
السلطة القضائية: التي تفصل في النزاعات المتعلقة بالحقوق السياسية.
إن إسناد ملف تنظيم النشاط السياسي الداخلي إلى وزارة الخارجية يُعد خروجًا فاضحًا عن اختصاصها، ويهدد مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
2. غياب أي سند قانوني أو تشريعي
صدر القرار عن وزير الخارجية، وهو ليس جهة مخولة قانونيًا بإنشاء كيانات سياسية جديدة، إذ يتطلب الأمر تشريعًا صادرًا عن مجلس الشعب. بالإضافة إلى ذلك، فإن ما ورد حول "إعادة توظيف أصول حزب البعث" يثير تساؤلات قانونية بشأن شرعية التصرف بأموال وممتلكات حزبية دون أي غطاء قضائي واضح أو إجراءات قانونية شفافة.
ثانيًا: تضييق على الحقوق السياسية ومخالفة للمعايير الدولية
1. تقييد خطير للحريات السياسية
العبارة التي يستخدمها القرار حول "تنظيم الفعاليات السياسية وفق القوانين النافذة" تبدو في ظاهرها محايدة، لكنها في السياق السوري كثيرًا ما تُستخدم كأداة للسيطرة على المعارضة، لا سيما في ظل غياب قانون للأحزاب حتى الآن.
2. تقويض مبدأ التعددية السياسية وتمويل يفتقر إلى الشفافية
تولّي "الأمانة" مسؤولية "إعادة توظيف أصول حزب البعث" قد يعكس توجهًا واضحًا نحو إعادة إحياء الحزب الواحد تحت مسمّى حزب أو تيار سياسي جديد، أو على الأقل شرعنة دور للوزارة يكون مهيمنًا ضمن هيكل الدولة.
كما أن استخدام مخصصات وزارة الخارجية – وهي موجهة أصلاً للدبلوماسية والعلاقات الدولية – في تمويل "الأمانة" يُعد خرقًا صريحًا لـ:
مبدأ الشفافية المالية المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
إرشادات صندوق النقد الدولي التي تمنع إعادة توجيه الأموال العامة لأغراض سياسية غير معلنة.
ثالثًا: البُعد الأمني والسياسي وراء القرار
1. تجميل الأجهزة الأمنية بأسماء مدنية
التأكيد على أن "الأمانة تخضع للجهات الرقابية المختصة" لا يُطمئن كثيرًا، فالجهات الرقابية المشار إليها غير واضحة المعالم، ما يثير الشكوك حول نزاهة الرقابة المفترضة. وغالبًا ما تكون هذه الجهات تابعة للأمن أو تعمل وفق توجيهات سياسية. كما لا تتوفر معلومات عن حجم ميزانية "الأمانة" أو كيفية صرفها، في خرق صريح لقواعد الحوكمة الرشيدة.
2. تدوير أموال أحزاب منتهية الصلاحية
توجيه ميزانيات مخصصة للأعمال الدبلوماسية نحو العمل السياسي الداخلي يُعد خرقًا صريحًا لمبدأ تخصيص الموارد، ويعيد إلى الأذهان تجارب دول أخرى حيث جرى تمويل الميليشيات عبر وزارات وهمية. العبارة المبهمة في القرار حول "إعادة توظيف أصول حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية" قد تُفسّر بأنها تشمل:
مقرات وممتلكات حزبية صادرتها الدولة سابقًا.
أرصدة مالية في حسابات بنكية، أو أرباح استثمارية.
تصرفات قانونية مشبوهة في ظل عدم وجود نص تشريعي يجيز لوزارة الخارجية التصرف بأموال الأحزاب.
ختامًا: القرار يعمّق الأزمة ويتطلب مراجعة فورية
القرار رقم (53) لسنة 2025 يعكس توجهًا مقلقًا نحو تمكين وزارة لا تملك الاختصاص السياسي من التأثير في الشأن الداخلي، في خرق صريح للدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما أن آليات التمويل الغامضة تطرح تساؤلات عميقة حول النزاهة في إدارة المال العام. القرار لا يمثل قفزة نحو الإصلاح، بل عودة إلى الممارسات القديمة بثوب جديد، ويُشكل عقبة حقيقية أمام أي مسار ديمقراطي حقيقي في سوريا.
التوصيات:
1. إلغاء القرار فورًا: لعدم دستوريته وتجاوزه الصلاحيات.
2. إصلاح شامل للقوانين السياسية: بما يضمن حرية التنظيم السياسي والتعددية.
3. تعزيز الرقابة المالية: عبر إنشاء مؤسسات مستقلة وشفافة لمنع توظيف المال العام لأغراض سياسية ضيقة.
فراس حاج يحيى - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية