أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

نيويورك تايمز: في سوريا، أن تكون "مطلوبًا" تحوّل من تهمة إلى وسام فخر

كانت الديكتاتورية التي أطاح بها السوريون، بقيادة بشار الأسد، تحتفظ بقوائم تضم ملايين الأشخاص المطلوبين. واليوم، صار السوريون يتساءلون علنًا ما إذا كانت أسماؤهم مدرجة في تلك القوائم، ويشاركون الخبر بفخر. 

عندما عاد كاظم طوقان إلى سوريا لأول مرة منذ 12 عامًا، سأل موظف الجوازات إن كان اسمه مدرجًا ضمن قوائم "المطلوبين". ابتسم الموظف وأجابه: "أنت مطلوب لدى الفرع 235، فرع المخابرات العسكرية".

طوقان، وهو صحفي عمل سابقًا مع وسائل إعلام معارضة، قال إنه شعر بالفرح: "اليوم، يسأل كل سوري بشكل اعتيادي: هل كنتُ مطلوبًا؟"، مضيفًا أن هذا بات مصدر فخر. 

خلال أكثر من خمسة عقود، حكم الأسد الأب والابن سوريا بالخوف والرعب. وأي شخص يُدرج اسمه على قوائم أحد فروع المخابرات أو الأمن أو الجيش كان معرّضًا للاعتقال أو الاختفاء داخل السجون المعروفة بالتعذيب والإعدامات. وكان يُقال عن هؤلاء إنهم "لديهم اسم". 

الآن، وبعد سقوط النظام، أصبح كثير من السوريين يفتخرون بكونهم "مطلوبين سابقًا"، ويعتبرونه دليلاً على أنهم وقفوا ضد الظلم، حتى أن البعض يستشهد ببيت شعر للمتنبي: "إذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ، فهي الشهادة لي بأني كامل". 

المفارقة أن التهمة لم تكن دائمًا ترتبط بمعارضة سياسية. فقد يُدرج أحدهم ضمن المطلوبين فقط لأنه روى نكتة سياسية، أو حمل عملة أجنبية، أو حتى أقام لفترة طويلة في الخارج. وغالبية المطلوبين كانوا من الذكور بسبب التهرب من الخدمة العسكرية أو المشاركة في الثورة، ولكن النساء وحتى الأطفال لم يسلموا من الإدراج في تلك القوائم. 

خوفًا من ذلك المصير، لجأ الملايين إلى المنفى أو عاشوا في الخفاء داخل البلاد. واعتمد كثير من المعارضين أسماء مستعارة خلال سنوات الحرب لحماية أنفسهم وعائلاتهم من الملاحقة. 

طوقان، البالغ من العمر 36 عامًا، وثّق لحظة عودته من السعودية وسؤاله لموظف الجوازات، ونشر الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي. لم يكن مدرجًا سبب محدد في ملفه الأمني، وقال: "تخيلوا لو عدت قبل سقوط هذا النظام المجرم؟". 

وبعد سيطرة المعارضة على الحكم في ديسمبر، ورثت جهازًا بيروقراطيًا ضخمًا تضمن قواعد بيانات واستخبارات تشمل ملايين السوريين. ويتوقع أن تُستخدم هذه الوثائق لاحقًا في جهود العدالة والمحاسبة.

صرّح مسؤول في وزارة الداخلية للحكومة الجديدة أن أكثر من 8 ملايين سوري كانوا مطلوبين لدى النظام السابق، وقال: "لقد طوينا الكثير من القضايا، مثل التهرب من الخدمة أو الاحتياط، لكننا لن نلغي الأحكام القضائية أو الجنائية السابقة". 

تامر التركماني، 35 عامًا، عاد مؤخرًا إلى سوريا بعد سنوات من الإقامة في تركيا. عند دخوله لم يُسأل عن وضعه، ولكن عند خروجه من معبر لبنان سأله موظف الجوازات: "ماذا فعلتَ حتى كانت تطاردك كل هذه الفروع؟". 

ضحك تامر وأجاب بأنه كان يعلم أنه مطلوب، إذ كان الأمن يضغط على أقاربه في حمص للقبض عليه بسبب عمله في توثيق انتهاكات النظام. 
تامر أسّس "أرشيف الثورة السورية"، وهو قاعدة بيانات للصور والفيديوهات والوثائق المرتبطة بالثورة والحرب، وكان مطلوبًا لعدة فروع أمنية. قال: "كنت فخورًا جدًا"، ونشر صورة لملفه الأمني على إنستغرام وتلقى تعليقات تهنئة. 

في مكتب الجوازات بمدينة حلب، كانت الطوابير تمتد خارج المبنى، حيث يحاول المواطنون تجديد جوازاتهم، أو الحصول على بطاقات هوية جديدة، أو الاستعلام عن وضعهم الأمني السابق. 

في قسم الأرشيف، قال الموظف أحمد رحيم إنه يُجري فحوصات يومية على الأسماء. في أحد الأيام، سلّم أحد العائدين بطاقته بعد غياب 12 عامًا، فظهر على النظام أنه كان مطلوبًا بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية. لكن الموظف أعاد له بطاقته وقال فقط: "ليس لديك شيء"، مفضلًا عدم إقلاق الناس بمعلومات قديمة لم تعد سارية.

فؤاد السيد عيسى، مؤسس منظمة "فايوليت" الخيرية، كان في طريقه من مطار دمشق إلى تركيا، فسأل موظف الجوازات: "هل أنا مطلوب؟"، فأجابه الموظف: "نعم، أنت مطلوب لعدة فروع أمنية، منها فرع الأمن الجنائي والهجرة والجوازات وبتهمة التهرب من الخدمة". 

ضحك فؤاد وقال: "هذه الأمور أصبحت مثارًا للسخرية بالنسبة لنا"، مضيفًا أن النظام كان يعاملهم كما لو أنهم إرهابيون فقط لأنهم كانوا يبلّغون المدنيين عن الغارات الجوية خلال الحرب.

تعليق توثيقي – من "زمان الوصل" 
منذ السنوات الأولى للثورة السورية، أطلقت "زمان الوصل" أول محرك بحث من نوعه للكشف عن أسماء المطلوبين للنظام السوري، استنادًا إلى ملايين الوثائق الأمنية المسربة من أجهزة المخابرات. 

جاء هذا الجهد التوثيقي لحماية السوريين من الوقوع في فخ الاعتقال عند العودة إلى البلاد، ولتمكينهم من معرفة وضعهم الأمني مسبقًا. 

وقد ساهم المحرك لاحقًا في دعم قضايا اللجوء، حيث اعتمدت عليه المحكمة الإدارية الثانية في ألمانيا كأداة إثبات قانونية في ملفات اللجوء الخاصة بالسوريين، معتبرة وجود الاسم في قاعدة بيانات النظام دليلاً على خطر الملاحقة. 

هذا المشروع التوثيقي ظل حتى اليوم مرجعًا موثوقًا في العمل الصحفي والحقوقي واللجوئي. 

رابط محرك "زمان الوصل" للمطلوبين لنظام الأسد.. اضغط هنا

زمان الوصل - رصد
(28)    هل أعجبتك المقالة (16)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي