لا تزال الفوارق موجودة وبشكل ملحوظ، بين السوق المالية العائمة في الشمال السوري أو ما كان يطلق عليه "المناطق المحررة" سابقاً، وبين السوق المالية النظامية والسوداء في المحافظات الأخرى مثل دمشق وريفها، وعلى رأس هذه الفوارق توفر الدولار وبقية العملات الصعبة في شمال غرب سوريا، وبكثافة كما في السابق، بينما تعاني المناطق الأخرى من شح ملموس ومستغرب في العملات الصعبة.
ويطرح هذا الإشكال، علامات استفهام عديدة أهمها: لماذا يتوفر القطع الأجنبي في شمال غرب سوريا، ولا يتوفر بهذه الكثافة في المحافظات الأخرى؟ ولماذا يستطيع متلقي الحوالات المالية الخارجية استلامها بالعملة التي يرغب بها في إدلب، بينما تفرض شركات الصرافة والمصارف على متلقي الحوالات في دمشق استلامها بالليرة السورية حصراً؟
حاول "اقتصاد" الإجابة على هذه الاستفسارات عبر الاستعانة بمصادر عاملة في أسواق الصرافة في كل من دمشق وإدلب، والاستفادة من تجارب المواطنين العاديين في استقبال وتحويل وصرف الأموال، ما يؤكد الفارق الكبير بين الأسواق في كلا المنطقتين.
وفي هذا السياق، ألمح مصدر عامل في شركة حوالات في الشمال إلى أن قرب المنطقة من الحدود التركية يسهل من عمليات شحن القطع الأجنبي، مضيفاً لـ "اقتصاد" أن واقع السوق العائمة في المنطقة لم يتبدل حتى بعد سقوط النظام فلا تزال شركات شحن الأموال تعمل باتجاهين، إرسال القطع الأجنبي نحو تركيا مقابل الحصول على الليرة التركية، والعكس.
يضيف المصدر أن جميع شركات ومكاتب الصرافة والحوالات تتعامل مع شركات متخصصة بشحن الأموال موجودة غالباً في سرمدا، وهذه الشركات هي من تؤمّن القطع الأجنبي وبقية العملات، من السوق التركية، التي تعد سوقاً حرة ويسهل التعامل معها في هذا المجال.
ويلفت إلى الدور الكبير الذي يضطلع به بنك شام، الذي يعد أكبر مؤسسة مالية في المنطقة، ويمارس جميع الأعمال المالية من شحن وتحويل وتصريف بكل العملات، بينما يوفر تطبيق "شام كاش" التابع للبنك حزمة من التعاملات الرقمية مثل الحوالات والإيداع.
أما في دمشق، فيختلف الوضع تماماً، حيث تعاني المنطقة من ندرة في القطع الأجنبي بالرغم من تلقي مكاتب الصرافة والشركات المتخصصة بالحوالات المالية والمصارف كميات كبيرة من القطع الأجنبي نتيجة صرف المواطنين لمدخراتهم من القطع الأجنبي في المرحلة التي تلت سقوط النظام، كما تشكل التحويلات الخارجية بالعملة الصعبة الوافدة نحو سوريا مصدراً مهماً جداً للحصول على القطع الأجنبي بالنسبة للشركات والمصارف على حد سواء.
ويقول مصدر عامل في سوق الصرافة بدمشق لـ "اقتصاد" إن شح الدولار مقصود من طرف الشركات وهو استمرار للسياسة القديمة التي كانت متبعة في عهد النظام البائد، حيث يلجأ حيتان الصرافة إلى تجميع القطع الأجنبي بهدف صرفه في مجالات أخرى مثل بيعه للمستوردين وللفعاليات الاقتصادية.
ويضيف أن الحوالات تُسلّم حتى الآن بالليرة السورية من جهة المصارف وشركات الحوالات، بالرغم من سماح البنك المركزي بتداول غير الليرة، محملاً مسؤولية ذلك للشركات والمصارف الخاصة التي تتذرع دائماً بعدم توفر القطع الأجنبي وبالتالي تجبر المواطن على استلام حوالته المالية بالليرة السورية حصراً.
وإذا كان القطع الأجنبي غير متوفر في الشبكة المصرفية المرخصة، فإنه متوفر لكن بصورة أقل كثيراً -مقارنة بإدلب- في السوق العائمة لدمشق وريفها، حيث أكد ثلاثة مواطنين لـ "اقتصاد" أنهم يشترون الدولار مقابل الليرة السورية بسهولة كبيرة في كثير من الأحيان لكن هناك
مخاوف دائماً من كون هذا الدولار مزوراً أو مجمداً، ما يجعل عملية شراء القطع الأجنبي محفوفة بالمخاطر في دمشق أكثر من إدلب بمرات عديدة.
وتعد محلات الصاغة وما تبقى من بسطات وأكشاك تصريف عملة ومحلات بيع التجزئة ومحلات البزورية خصوصاً في الأسواق الكبير مثل سوق الهال، المصدر الأساسي للحصول على القطع الأجنبي، بحسب ما أكدته المصادر الأهلية الثلاثة لـ "اقتصاد".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية